عطش مدينة بورتسودان

أني كأحد أبناء الريف السوداني قمنا في الشمالية شربنا من مياه النيل الذي يتغير لونه وطعمه في أيام الدميرة منذ ميلادنا، وعند التحاقنا بمدرسة حلفا الأميرية الوسطى، فإذا بمياه لا لون لها ولا طعم لا تستطيع أن تعرف إذا كان الكوب ممتلئاً أم فارغاً. ثم انتقلنا إلى بورتسودان فإذا بماء ذو طعم تعودنا عليه، ووجدنا حديقة جميلة كنا نتجاوب فيها. أي لم نشعر بأزمة مياه طيلة أربعة أعوام قضيناها وكانت المدينة تمد البواخر التي ترسي وتغادر بالمياه.

إن نظرة الحكام المستبدين في كل العصور والعهود قاصرة في كل المجالات يضنون بيد ولا يمدون باليد الأخرى. إن إقامة مصانع في بورتسودان أكبر خطأ في مدينة تعاني من قلة المياه الجوفية والكفاءة العالية لتحلية المياه من البحر الأحمر. فإن إقامة المصانع تحتاج إلى ماء وإلى أيادي عاملة، ومن ثم تحتاج إلى سكن وتوفير أراضي لتوسيع المدينة أفقياً ورأسياً لاستيعاب هؤلاء. فأصبح الطلب للمياه يزداد يوماً بعد يوم ـ فبدأ العجز من هنا وليس وليد اليوم، كان الأجدر أن نتطور كميناء.

إن مد خط المياه من النيل من أبو حمد أو عطبرة ليس بخيالي، بل أنه يتكلف كثيراً ويحتاج إلى تكلفة عالية يومياً لتشغيله. ولست أدري من الذي قدم دراسة الجدوى الاقتصادية؟ في أحد جلسات المجلس الوطني ـ المُعيِّن ـ أحد الأعضاء طالب بالاستعانة بالجِّنِ! ربما هذه الدراسة من الجِّن وليس من البشر الذين يعرفون طبغرافيا المنطقة من النيل إلى ساحل البحر الأحمر. إن مصلحة المساحة لديها خرائط كنتورية (شبكية) تغطي كل الشرق إلى مديرية كسلا سابقاً بمقياس رسم أصغر( 10.000/1) كان المهندس هباني قد وضع دراسة من واقع هذه الخرائط بتوصيل المياه من خزان خشم القربة، وذكر في دراسته أن المياه ستنساب انسياباً طبيعياً بدون أي جهد أو تكلفة ـ ما عدا تكلفة حفر القناة ـ وذكر إذا تخوف الناس أو المسؤولون من التبخر، يمكن استبدال المجرى بأنابيب وهذا أفضل لمنع التبخر ومنع التلوث. ولا أدري أين تكون تلك الدراسة؟؟

وأضيف بأن خزان خشم القربة أصبح سعة تخزينه منخفضة، نتيجةً لتراكم الطمي لمدة(50) عاماً.

فالدراسة تقول بالتحول إلى بحيرة خزان ستيت أي السحب يكون من البحيرة الجديدة، فإذا وجدت الدراسة فهذا يوفر وقتاً ثميناً، وإذا لم توجد فلنبدأ من جديد، فالخرط موجودة والموقع الجيد للسحب موجود في الخرط ، أولاً: كم من الأمتار المكعبة تحتاجها مدينة بورتسودان يومياً الآن ؟ وكم من الأمتار المكعبة تحتاجها المدينة في المستقبل؟ وذلك حتى يضع المسؤولون في الري الزراعة الاعتبار الكافي، لهذا عند تحديد المساحة المزعومة زراعتها من مياه الخزان إلى أن يتم ذلك تحتاج الدراسة صوراً من تلك الخرائط عن كل الوديان والخيران في محيط بورتسودان وعمل سدود حجمها للاستفادة من مياه الأمطار وفي هذا المجال هيئة توفير المياه لها باع طويل وخبرة واسعة وخبراء ممتازون إذا لم تمتد لهما يد الهدم كما حدث للمصالح والهيئات الأخرى. أين هي الآن؟ ولأي وزارة تتبع؟ فالمال الذي سلم لوالي البحر الأحمر كان الأولى أن يسلم للهيئة فهي جهة الاختصاص لتوفير المياه في السودان. حتى مروي عام 1970 أيام الدميره زارنا وفد من وزارة الزراعة لدراسة علاقات الإنتاج في المشاريع القائمة الحكومية، والخاصة وجلسنا سويا ساعة الفطور وطبعا مويتنا ذات لون وطعم فأندهش ولاحظنا الحيرة في وجوههم واستغربوا، ولكن لا بديل فإذا بأحدهم يعصر ليمونة ويغيره إلى لون آخر وطعم أخر وشربه بعد ذلك كان مع الوفد د. أمير عبد الله خليل لأن اسم السيد الراحل المقيم بطل حلايب وحلفا عام 1958 عبد الله خليل بك منقوش في ذاكرتنا فلهذا لم أنس تصرف شباب الخرطوم الذي مرَّ عليه أكثر من أربعين عاما.

الميدان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..