سوق أبوجهل : الصعود لصدارة قائمة أسواق المنتجات الرمضانية

الأبيض ? عثمان الأسباط
يشغل سوق أبوجهل الجزء الشرقي من سوق الأبيض الكبير ويبعد خطوات قليلة من سوق المحصول أكبر تجمع لتداول الصمغ العربي في العالم، وجنوب شرق مستشفى الأبيض، واشتهر سوق أبو جهل بعراقته، إذ تتسم بضاعته بسمات كردفانية خالصة، من كركدي، نبق، لالوب، قنقليس، عرديب، شطة، لوبيا، قضيم، فول، سمسم، عيش الدخن، التوابل، وحطب بخور من الصباغ والطلح والكليت، إضافة إلى الآبري بنوعيه الأبيض والأحمر، فضلاً عن المنتجات الفخارية كـ (الأزيار الداجاوية) والبروش (الحجلي) و(برش الصلاة) و(التبروقة) و(المفارش).
صدارة وشهرة خارج الحدود
على كل، يعد هذا السوق أحد أهم – إن لم يكن أهمها إطلاقاً – الأسواق الشعبية في السودان قاطبة، حيث يزوره سنوياً الآلاف ينشطون في شراء منتجاته ونقلها إلى المدن الأخرى وخارج البلاد، حيث تجد إقبالاً كبيراً من المهاجرين السودانيين إلى هناك، وفي شهر رمضان المعظم من كل عام يعتلي سوق أبوجهل صدارة أسواق المنتجات الشعبية الرمضانية، حيث يتبضع فيه الملايين من كردفان جنوبها وغربها وشمالها علاوة على نقل المنتجات كافة إلى الخرطوم لبيعها بالجملة والقطاعي، ويبرز الآبري بنوعيه بجانب القنقليس والعرديب والكركدي واللوبيا وعيش الدخن كمنتجات رمضانية أساسية في العاصمة الخرطوم، علاوة على نقلها لخارج الحدود.
زيت الولد وأجبان كازقيل
ويوفر أبو جهل أجود أنواع الزيوت (الفول، والسمسم) خاصة زيت (الولد)، وهو خلاصة السمسم ويعتمده كثير من السودانيين علاجاً لبعض الأمراض، كما يسوق السوق السمن بنوعيه الشهيرين (بقري وماعز)، وتعرض على متنه أنواع من الجبن العادي والمضفر الذي تنتجه منطقة (كازقيل)، إذ تتوافر الألبان بكثرة خاصة في فصل الخريف، حيث موسم هجرة قبائل البقارة نحو جنوب كردفان بأعداد غفيرة، وهي الفترة التي تشهد انخفاض أسعار الألبان ومنتجاتها من سمن وأجبان ولحوم، يشتهر سوق أبوجهل بتسويق الطبول المصنعة محلياً مثل (الدلاليك، والدفوف) علاوة على الديكورات الشعبية التي يشتريها الناس لتزيين المنازل والصالونات والمكاتب.
سوق الصعاليك
جدل كثيف وروايات مختلفة وربما متناقضة أحياناً تكتنف (سر) إطلاق اسم أبو جهل على سوق المنتجات المحلية بعروس الرمال، فمنهم من يؤكد أن هذا السوق أسسه بعض من كان يعدهم المجتمع محض (صعاليك)، إذ يدأبون على معاكسة كل من يمر عليهم، فوصفوا بـ (الجهالة) والصعلكة، غير أن باحثاً في تاريخ عروس الرمال قال لـ (اليوم التالي) إن الرواية القوية والأكثر منطقية ورسوخاً التي تقترب من الحقيقة أكثر من غيرها، هي أن امرأة طاعنة في السن تدعى الحاجة لبيبة كانت تبيع أفضل وأجود أنواع الكسرة العسلة والرغيف، ولما تهافت الزبائن عليها وتكاثروا اضطرت إلى نصب صفوف من (الرواكيب) حجزت بها مساحة كبيرة من السوق، ورغم أنها لم تكن تعرف القراءة والكتابة، لكنها ظلت تدير عملها بذكاء وهمة ونشاط، وحدث أن جاء إليها بعض التجار من (الجزيرة) وحاولوا إيجاد موطء بيع لهم بين ظهرانيها، فباءوا بفشل ذريع، إذ أنهم أنى ذهبوا أينما يمموا كانوا يجدون من يطلق في وجوههم عبارة (دا مكان لبيبة) فانطلقوا إليها وحاولوا استغفالها والشراء منها بسعر بخس، فقالت لهم “الحقيقة أنا جاهلة ولكن بعرف كل شيء، فاكرني أبوجهل”. وأضاف: “ومن هذه الواقعة القديمة انطلقت تلك التسمية إلى يومنا هذا”.
ابن مسعود أبو جهل سابقاً
في نهاية الثمانينيات، ابتدرت الحكومة مشروعها في تغيير الكثير من الأسماء الشائعة (مدارس، قرى، مدن، أحياء، ومؤسسات)، فحاز سوق أبو جهل من ذلك على نصيب كبير، إذ أطلقت عليه السلطات المحلية التي كانت تقوم على (التغيير) هناك اسم (ابن مسعود)، فباءت بفشل ذريع، حيث لا أحد يستخدم هذا الاسم الجديد إلى الآن، ربما يعود ذلك إلى ارتباط الناس التاريخي والوجداني باسم أبوجهل، لذلك لم يتم تداول الاسم الجديد (ابن مسعود) إلا في الأروقة الرسمية فقط، حتى سلطات المحلية عندما تكتب خطاباً أو مستنداً رسمياً تشير فيه بين قوسين إلى أن ابن مسعود هو (أبوجهل سابقاً) ما يحدث ربكة تصل حد الاستهجان بين الناس.
اليوم التالي
لقد زرت هذا السوق في زمان مضى وكان معلما مهما لابد لأي زائر لمدينة الأبيض أن يغشاه . لكن ما لم يذكره الأستاذ كاتب المقال هو أن هذا السوق كان سوقا للنساء أي ان اغلب البائعات فيه من النساء . وفي رواية أخري كان يسمى ” بسوق العوين ” دلالة علي انه كان سوقا للنساء .عندما زرت الأبيض في ذلك الزمان وجدت المجتمع فيها في غاية الرقي والتحضر. بل كان المجتمع فيها أكثر إنفتاحا وحرية من مجتمع الخرطوم الذي كانت تشوبه الكثير من العقد والتحفظات بحكم أنه مجتمع ريفي و خليط لم تنصهر فيه العناصر الوافدة من الأرياف لتجعل منه نسيجاموحدا كما هو الحال في مدينة أمدرمان المدينة الوطن .