مقالات سياسية

ترمب من السيتو إلى الناتو العربي

يبدو أن أمريكا ترمب الجمهوري لم تستفد من تجاربها السابقة – لا يماثلها إلا أنظمتنا العربية بما فيها السودان طبعاً –  فها هو ترمب يحاول إقامة حلف استراتيجي في الشرق الأوسط وبعض الأعراب هدفه الأساسي كما زعم لضرب أو احتواء النفوذ الإيراني الذي يعتبره الخطر الأكبر ولا شك عندي أن من ضمن أهدافه الخفية احتواء النفوذ الروسي والصيني والتركي مما يمكن أن أطلق عليه (منظومة الوفاق) الذي هو أقوى بكثير من (منظومة الحلف).

تاريخياً أمريكا لم تعرف سياسية محددة إزاء الشرق الأوسط حيث اقتصر اهتمامها على أمريكا الجنوبية والوسطى ولكن بسبب الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي وسياسة الاحتواء للعملاقين الشيوعيين الروسي والصيني وما نتج عن الحرب الكورية عام بين عامي 1950 و1953 ثم وقوع أمريكا في المستنقع الفيتنامي، وما صاحبه من سياسة ملأ الفراغ الذي خلفه الاستعمار الأوروبي في الشرق الأوسط وأفريقيا اتجهت أمريكا إلى إقامة منظومات عسكرية جماعية بدأت عام 1954 بإنشاء حلف السيتو SEATO ( حلف مانيلا) لاحتواء الاتحاد السوفياتي ثم الوقوف خلف حلف بغداد عام 1954 العام الذي فشل بانسحاب العراق منه بسبب انقلاب عبد الكريم قاسم عام 1958 والمعارضة القوية له من مصر عبد الناصر بعكس اليوم!!

استخدمت أمريكا كل إمكانياتها الأخرى بجانب العسكرية من اقتصادية ونفوذها في المؤسسات المالية والسياسية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد ومجلس الأمن مستخدمة تطورها العلمي والتقني والاستخباراتي وإلاعلامي عبر دعوتها لمبادئ الحرية و الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون في توسيع أحلافها ونفوذها وصارت أقوى دولة في العالم خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لدرجة ادعت أنها القطب الوحيد.. ولكن ظهرت أخيراً دول أخرى صارت تنافسها مثل الصين ثم دول البركس كما حدثت تطورات كبرى في دول مثل تركيا وإيران صارت أقوى من الماضي كما بدأت روسيا في الصعود مرة أخرى لدرجة تؤثر على الانتخابات الأمريكية وتخطب دول أوروبا ودها.

مشكلة أمريكا أنها تتعامل مع دول العالم والشرق الأوسط بازدواجية معايير ففي حين تقول إنها تدعم الحرية والديمقراطية لكن عرفت بأنها كانت وراء العديد من الانقلابات العسكرية في الدول التي ربما لا تخضع لها بل أسوأ من ذلك تتحالف مع أنظمة بعيدة كل البعد عن الديمقراطية والنظام الحر خاصة التي تتمتع بموارد بترولية وأموال ضخمة.

كما إنها تقف مع الكيان الاحتلالي الصهيوني المتطرف دينياً وعرقياً وضد حقوق الفلسطينيين خاصة بعد ظهور شخصية متهورة مثل ترمب الذي أخطأ خطأ جسيماً باعترافه بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل. لقد بدا واضحاً أن المصالح الاقتصادية والاستراتيجية وقوة الضغط الصهيوني في أمريكا هي التي تسيِّر الإدارة الأمريكية وليست المبادئ وفى هذه الحالة وربما كان ذلك مفهوماً لدولة تقوم على الرأسمالية التي تتحول إلى إمبريالية، ولكن يبدو أن ثمة تغيرات ثقافية واجتماعية داخل المجتمعات الأمريكية ونخبها الواعية تتمثل في بروز أفكار جديدة تقدمية ترفض التوجه الرأسمالى التقليدي البشع يمثلها رئيس تاجر متهور مثل ترمب كل همه بيع الأسلحة ومصالحه الشخصية والتجارية فإذا استمر ذلك فمن المؤكد ستفقد أمريكا باقي نفوذها في العالم الثالث خاصة الشرق الأوسط..

كما ستتضرر بتحالفها مع الأنظمة الديكتاتورية وإسرائيل فخير لأمريكا أن تقدم مبادئها في الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية فإذا فعلت ذلك فإن مصالحها ستتعزز أكثر لسبب بسيط أن الشعوب خاصة في منطقة الشرق الأوسط بدأت تستيقظ عبر ثورات الربيع العربي رافضة السلطوية والديكتاتورية خاصة الوراثية التي أصبح بعضها يتخبط وحينها يمكنها التعامل مع المصالح الأمريكية عبر سياسة المصالح المشتركة  win- winوليس مجرد الخضوع.

إن الثورات لن تتوقف وربما تتعثر قليلاً فهي كالزلازل لها ارتدادات ولكن حتماً ستنتصر الشعوب في النهاية كما قال الشابي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر.. ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..