مقالات سياسية

متاهة الجنرال .. وفوبيا الأحجار الكريمة

عقيد شرطة (م) عباس فوراوي

اطلعت على مقال كتبه سعادة الفريق اول محمد بشير سليمان، الذي شغل منصب نائب هيئة الأركان للتدريب والتوجيه المعنوي قبل احالته للمعاش في العام 2004م، وعنوان المقال (تعيين وزير الدفاع السوداني .. أهي عودة وعي أم استجابة لفروض الواقع ؟) ، وذلك بتاريخ 14 /5 /2020م ، وبالرغم من أنه قال بتخصيص المقال و (بالمكشوف) عن موضوع تعيين اللواء (م) يس ابراهيم يس وزيراً للدفاع من عدة اتجاهات وزوايا ، إلا أنه صال وجال في محيط المقال لينبش ، ويبث كثيراً من سموم الفتنة ، والجهوية ، والمناطقية التحريضية البغيضة ، والتي لم أجد لها مبرراً ، أو باعثاً سوى أن السيد الجنرال لديه شعور عميق بأنه قد أبعد من الخدمة بالجيش ، حتى لا يتولى رئاسة هيئة الأركان ، لأنه ( غرباوي ) او كما أفاد وكتب !!!.
لأول مرة أقابل فيها السيد الفريق محمد بشير سليمان وهو في رتبة العقيد ، في شهر يوليو 1989م أيام كان رئيساً للمحكمة العسكرية التي حاكمت الوزير المحامي عثمان عمر الشريف داخل جنينة السيد علي الميرغني، وأتذكر كيف أصدر حكماً سياسياً قاسياً على الوزير بالسجن والغرامة الباهظة ، التي لاقت استهجاناً من المتابعين ، والحضور لعدم معقوليتها ولعدم تناسبها مع الفعل المرتكب .. لا يهم ، ولكن الرجل كان انقاذياً قحاً ، وظل انقاذياً حتى بعد أن أزيح عن فمه ثدي الانقاذ المكتنز باللبن ، باحالته للمعاش في العام 2004م ، بعد أن وصل قمة الرتب العسكرية ، في حين كان الآلاف من زملائه الضباط يتساقطون من الخدمة باسم الصالح العام ، رغم كفاءتهم ووطنيتهم . لم يركن للتقاعد الحميد ، وإنما ظل جزءً من المنظومة السياسية لحزب المؤتمر الوطني ، يأتمر بأوامرهم وينتهي بنواهيهم ، حتى غادر ساحتهم بعد شعور مؤلم ، بأنه بات تحت سيف (الحفر) السياسي الاستئصالي من قبل نافذين في حزب المؤتمر الوطني، بغرض تهميشه وإبعاده. لم يحترم الرجل تاريخه العسكري ليؤوب الى مهنته، وأهل مهنته الحقيقية ليبدع كخبير عسكري، ومحلل استراتيجي، وإنما التحق بحزب الاصلاح الآن المنشق عن المؤتمر الوطني ، فوجد بعض رفاقه (الحردانين) القدامى، فحفروا له حفراً مبيناً حتى رأى مقعده من الحفرة ، فغادر الحزب الى غير رجعة ، وتفرغ للقراءة والكتابة، وإجراء الحوارات الصحفية ليرد على أسباب تهميشه ، ولفظه ، وعدم قبوله من قبل منظومة المؤتمر الوطني الذي ينتمي له، بجانب الكتابة عن الاصلاح السياسي في السودان في غير اختصاص ، ومواصلة أرحامه في مسقط رأسه بقرية شريم الناظر ضواحي بارا.

كتب سيادته مؤرخاً بأن التدمير السياسي الحقيقي الذي حدث للقوات المسلحة كان في العام 1999م، أيام مفاصلة الاسلاميين الشهيرة ، التي أفرزت حزبي المؤتمر الوطني والشعبي ، موجهاً الاتهام لمدير المخابرات صلاح قوش عبر تسليحه جهاز المخابرات بالآليات المدرعة والدبابات بغرض اضعاف الجيش ، وأضاف أيضاً بأنه قد تفاجأ بامداد الشرطة بالمركبات المدرعة في الوقت الذي يقاتل فيه رجال الجيش في الأحراش راجلين ، وأقدامهم حافية ، وبالطبع كان سيادته وقتها من القادة الكبار في القوات المسلحة فلماذا صمت على هذا الحال ، وهو الأقرب والمقرب لأهل القرار آنئذٍ !!؟ ،كما أن الناس تشهد بأن رجال الجيش كانوا في الأحراش يقاتلون بكامل عدتهم وعتادهم برفقة جماعة الدفاع الشعبي ، ولم يكونوا حفاة كما ذكر ، كما وان أهل الشرطة كانوا يقاتلون معهم جنباً الى جنب ويتولون علاج كل المشاكل القبلية بدارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق وغيرها من المناطق الملتهبة ، بجانب مواجهة الحركات المسلحة في تلكم الأماكن.

ذكر سيادته بأن عام 2003م هو عام التمكين القبلي والجهوي والعنصري في الجيش ، وقد كتب بان أغلب القيادة العليا من الجيش تكاد تكون من منطقة واحدة ، هذا إن لم تكن من منطقة واحدة ، وتفضل بذكرها صراحة بأنها منطقة الحجارة الكريمة ، وهي المنطقة التي ظل يلوك علكتها متمردوا دارفور ردحاً من الزمن ، ويتفنون في تسميتها مرة باسم الأحجار الكريمة ، ومرة باسم مملكة الحجرين ، وأخرى باسم دولة الحجرين ، وبالطبع يقصدون منطقتي حجرالعسل وحجر الطير اللتين يفصل بينهما نهر النيل فقط ، وهي منطقة صغيرة تقع بين الشلال السادس والبسابير بنهر النيل كما نعلم ، ولمن لا يعلم فان كل رؤساء اركان الجيش ووزرائه لم يكن من بينهم ضابط من هذين المنطقتين منذ الاستقلال وحتى اليوم ، سوى المرحوم الفريق جمال عمر ، الذي شغل منصب وزير الدفاع في حكومة ثورة ديسمبر وكذلك الحال في الشرطة وجهاز الأمن والمخابرات الوطني ، ولعل المتابع الحصيف يلحظ أن الجنرال أراد ان يقرن عام التمكين القبلي والجهوي بالقوات المسلحة وهو 2003م قد بدأ إبان فترة إبعاده من الجيش وأنه من ضحايا هذا التمكين القبلي والجهوي ، ولعله شئ محير أن يتباكى جنرال وصل أقصى الرتب العسكرية على وظيفة غادرها زملاء له أكفاء في بواكير خدمتهم ، وأعمارهم وخلد هو فيها حتى وصل لأقصى وأرفع الرتب العسكرية !!.

كتب الفريق محمد بشير بالنص ( توقعت بعد وفاة وزير الدفاع ان يكون بعضا من المكون العسكري في ورطة حقيقية ، بحثا عن وزير يقفل الثغرة التي خلفها الوزير المتوفي ، وان يكون في ذات الوقت مطابقا للمواصفات ، وسيكون مجتهدا في ذلك حفاظا على حال حلقة المكون الجهوي والمناطقي ، بحثا عن تعيين وزير للدفاع من ذات الجهة او المنطقة ) واردف كاتباً أيضاً وبالنص ( الآن وبعد تعيين اللواء الركن (م) يس ابراهيم وزيرا للدفاع المشهود له بالنضج والهدوء والكفاءة من خارج منظومة (منطقة الحجارة الكريمة) اقول وبتحليلي الخاص ان التعيين قد يكون قد جاء متأثرا بالآتي خروجا من دائرة المواصفات والرؤية الضيقة التي كانت تدار بها الدولة الانقاذية ويعين بها اهل الولاء والتمكين :- يكون قد تم وفق رؤية قومية استعدالاً لصورة القبلية والجهوية التي كانت سائدة أو عودة للوعي ومطلوبات الدولة القومية بعد ضغط الرأي العام ..الخ )

بالطبع لا ندافع عن أهل الجيش ، ولا عن أهل الانقاذ الذين لا ننتمي لهم ، ولكن نؤكد للجنرال محمد بشير سليمان ، ولبعض المتمردين الآخرين الذين يتفقون معه في الرؤية ، أو الشعور السالب بأن أبناء الأحجار الكريمة على قلتهم لم يستأثروا بسلطة ، ولم يميزوا أنفسهم على غيرهم إلا بما حباهم الله به من قدرة ، ومعرفة ، وتجرد ، وكفاءة ، ووطنية ، ولو كان الأمر كما ذكر سيادته ، لما تم طردنا نحن أبناء الأحجار الكريمة من الشرطة باكراً وفي وجودهم ، وسيادته يرتقي مراقي الرتب العسكرية حتى خواتيمها ، ومن كان يملك أدلة دامغة غير ما نكتب فليأتي بإحصائياته ليفحم ويلجم ، أما اطلاق الأقوال على عواهنها ، لا يعدو أن يكون نوعاً من الأغتيال ، وتشويه السمعة ، والتحريض العدواني.

نحن نعلم أن وزير الدفاع المرشح للوزارة اللواء (م ) يس ابراهيم يس الذي تطوعت بنصحه من عندكم ، وقد حركتك حمية جهوية مقيتة لتسدي له نصائح خاصة ، كانت ستكون مبلوعة لو لم تلطخها بعبارات الجهوية ، والمناطقية ، والتي في ظاهرها النصح وفي باطنها التأليب والتحريض ضد كل من ينحدر من الحجارة الكريمة ، ويعمل تحت إمرة القائد الجديد . نعم أنت نصحته بعض الشئ ، ولكن مقالك قد خلا تماماً من أي إشارة لقوات الدعم السريع ، أو الدفاع الشعبي ، أو الحركات المسلحة ، ولم تتطوع بأي نصح حيالها كخبير عسكري ، واستراتيجي ، وسياسي محترف ، او حتى كيفية التعامل معها مستقبلاً !!!
على كل حال نحن أيضاً نرحب بالوزير الجديد – ابن أم روابة التي لا تبعد كثيراً عن شريم الناظر – وطنياً غيوراً مدافعاً عن وطنه بنفسه ، وبجنده ، وأفكاره بعيداً عن معلبات النصائح المسمومة.

ونقول أخيراً للجنرال المحترم أن الفريق صلاح قوش الذي ترى أنه وراء ابعادك من الجيش لكي لا يتم تعيينك رئيساً للأركان ، ليس من الأحجار الكريمة !! وأن قادة المؤتمر الشعبي الذي دبروا لك مكيدة قيامك بانقلاب في 2004م ، ليتسببوا في طردك من الجيش لتنضم الى متمردي الغرب، لا علاقة لهم بالحجارة الكريمة!! وأن نافع على نافع الذي قلت أنه قد ” حفر ” لك ، وأطاح بك لابعادك من الخرطوم، ليس من الأحجار الكريمة!! وأن معتصم ميرغني زاكي الدين الذي رفض أن تعمل معه في حكومة ش كردفان ، ليس من دولة الحجرين !! وأن أحمد هارون الذي لم يتعامل معك ولم يرغب في أن تعمل معه ، لم يكن من مملكة الحجرين !! وأن شلة حزب الاصلاح الآن التي حفرت لك لابعادك من الحزب ، ليس من بين أعضاء الحزب نفسه شخص ينحدر من الحجارة الكريمة !! وأخيراً ليس هناك ضابط جيش من الأحجار الكريمة نافسك في منصب رئيس الأركان وتم تعيينه وابعادك !!

لكم كنا نتمناك خبيراً عسكرياً وطنياً استراتيجياً ، لينتفع الناس بعلمك العسكري المتراكم ، ولكن أن تترك كل هذا ، وتتفرغ لنبش الجهوية ، والمناطقية على مستوى الجيش ، والأمن ، والسياسة ، فهذا يشكل قمة التيه الجالب للفتن ، وربما يصنف كسهم مسموم في خاصرة وطننا الجريح ، في وقت نحن جميعاً في أمس الحاجة لنبذ كل ما من شأنه ارهاق الوطن ، بمثل هذه الآراء المدمرة .. هذا مع التقدير .

عقيد شرطة (م) عباس فوراوي
[email protected]
17/5/2020

‫4 تعليقات

  1. تسلم يداك يا سعادتك
    نعم امثال هذا الهمبول ما عهو الا تربية كيزان
    ان ابنا الاحجار الكريمة لم يترقو المناصب جزافاً انما استحقوها جدارة و اقتدار
    امامن يطعن فب القبلية و الجهوية فما هو الا جاهل متملق يريد ان يتسلق دون عناء

  2. سيادة العقيد اراك سكبت مدادا كثيرا علي مقالك هذا الا ان مقالك هذا عبارة تشفي وفش غبينة من سعادة الفريق وانتصار لشخصك ولمنطقتك ليس الا ! بل في بعض فقراته يُلمس فيه نفس جهوية وقبلية ومناطقية السيد الفريق !!!
    والتي استهجنتها بمقالك الطويل هذا!!!!ماذا يستفيد القارئ من مثل هذا المقال؟ كان بامكان الاتصال علي السيد الفريق تلفونيا او برسالة في بريده الالكتروني توبخه فيها حتي ان اردت تشتمه بدلا عن اقحام اطراف اخري لا علاقة لها بالموضوع!!!

  3. دي صورة عباس فوراوي بتاع حجر الطير ولا العسل ريفي البسابير ولا صورة محمد بشير سليمان بتاع شريم الناظر مركز بارا؟

  4. كاتب المقال العقيد شرطة معاش عباس فوراوى أعرفه وقد تزامنا رغم إختلاف سبل كسب عيشنا وعملنا في زالنجى بولاية وسط دارفور مطلع التسعينات ليس أهلا للكتابة مدافعا عن أى شخص أو موقف فالرجل تقول صحائفه أنه لو أجرى تحقيق شفيف لأقيمت له محاكمة في قضايا جنائية ..أما الجنرال محمد بشير سليمان فهو مهما كتب أو قال فإنه ضمن الضباط الذين استخدمتهم المنظومة الإسلاموية وحنث بوعده على شعبه وتأمر عليه وصار جزءا من الانقلاب الإنقاذى..فالله يمهل ولا يهمل ألا ترون أنهم كلهم ساءت مالاتهم بفعل ما مكروا و( يمكرون والله خير الماكرين) فالجنرال سليمان مهما صرخ أو أمتدح فلاوزن لما يقول أبدا أو هكذا يجب أن يكون فالذى خان مرة يمكن أن يفعلها مرة ومرات. وقوله عن تركيبة الجيش والصحيح ليس الجيش فقط إنما جميع مؤسساتنا في حاجة إلى إعادة هيلكة لتمثل السودان الكبير بتنوعه وتعدده.. مع إتاحة الفرص للجميع في نيل التعليم بل وممارسة الانحياز الإيجابي لمن هم أقل حظا سواء فى التعليم أو التوظيف جغرافيا وفئويا فالمعاقين مثلا لا حظ لهم يذكر في مؤسساتنا. لا عيب أراه في ذلك الإنحياز فالخارجية مثلا والنظام المصرفي والمؤسسات الاتحادية كالشرطة والأمن في حاجة أن يرى أى سوداني نفسه جزءا وممثلا من قيادتها. انظر إلى التليفزيون مثلا هل اللون هو أساس الاختيار ولماذا لم نستمع لصوت تلك الفتاة من جبال النوبة التي أبعدها عمر الجزلى عن المنافسة رغم تفوقها؟ وجدت في كتاب قيد الصدور أن جامعة الجزيرة في أواخر السبعينات رفضت تعيين مساعدي تدريس لمجرد أنهم من إقليم معين فعادت جامعتهم التي تخرجوا منها واستوعبتهم ولكن من باب مداراة الفضيحة بعد طلب الممتحن الخارجي مقابلتهم وقد أعجب بأدائهم الأكاديمي ولوائح الجامعة أنئذ تنص صراحة بوجوب استيعاب المتفوقين أكاديميا في وظائف مساعدي تدريس. وقصة أخرى ذات علاقة فهيئة السلكية واللاسلكية يومها فصلت المهندس (إز ي. أ) والذى أشتهر بأينشتاين في الكلية بعد أن أبتعثته لبريطانيا في إحدى أشهر جامعاتها ونجح بإمتياز في نيل الماجستير مما جعل أستاذه المشرف عليه يحثه على المضي في ذات البحث للدكتوراه وبعد الإنتهاء جرت المناقشة في أقل من ثلاثين دقيقة أجمع المناقشون على منحه الدرجة…عدا السلكية واللاسلكية التي رأت فصله من عمله معها. حافظت عليه الجامعة إستاذا بها ليوم الناس لهذا.. ليست المشكلة في أن نشير للأخطاء ولكن المشكلة الحقيقية في إغماض الطرف عنها. نحتاج لاتخاذ خطوات شجاعة لتحقيق قدر من الانحياز الإيجابي جغرافيا وفئويا فالمعاق مثلا يندر وجوده في مؤسساتنا.. التلفزيون وهو جهاز قومى يجعل اللون أساسا للاختيار ولا ننسى قصة تلك الفتاة من جبال النوبة وكيف تعامل معها الجزلى عمر. نقول لوزير الدفاع الجديد وغيره في أجهزة الدولة التاريخ لن يذكر أنك من أم روابة أو الغبشة أو أضان الحمار ولكن سيذكر جلائل أعمالكم وفي القبر لن تسأل أبدا عن الجهة التى قدمت منها لإن المطلوب هو الإنجاز فالمرأ قيمته فيما يقدمه لوطنه من موقعه.. أما الجنرال سليمان نذكره بأن من خان العهد وحنث بالحلف مرة سيعيد ذلك مرات أخرى وللعقيد فوراوى نقول له لست في الموقع الذى تثير فيه هذا الغبار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..