الربطة والقناع المزيف

رغم تفرد وتميز الزي السوداني على سائر الأزياء بالشمولية؛ جلابية وتوب وجبة وصديري وسيف وسكين وعمة وشال وسروال ومركوب.. رغم كل هذا لا يصلح إلا لمناسبات الأفراح والأتراح وبعض الأعمال المحدودة..
الرجل السوداني عكس نصفه الحلو بعيد كل البعد عن الموضة والأناقة، ولا يعترف إلا بالزي (الوطني) المكلف قيمة وأحياناً يتضرر من حيث لا يدري.. فمثلاً ربطة عنق بثمن بخس تكون سبباً في حصولك على وظيفة مرموقة ومحترمة ربما تحرم بدونها وقد تغنيك عن الشهادة والسيرة الذاتية..
هي عند كل الناس من لزوم المنجهة وعندنا هي حبل المشنقة لا يقدم عليها إلا منتحر أو محام أو موظف بنك.. مع أنها مهمة ومهمة جدا..ً في غالب الأحيان تكون قناعاً مزيفاً لحجب النقص، ولا تنم عن جوهر أو مكانة صاحبه..
البروفيسور والمفسر والعلامة والشاعر والحائز على جائز الملك فيصل للآداب عبدالله الطيب ? رحمه الله ? الذي ربط قلوب وعقول العالم كله بما قدمه من نتاج علمه الغزير كان يحتاج لدخول روضة لتعلم أبجديات الربطة..
الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري هو الآخر رغم أناقته الفائقة في بزته العسكرية أو بدلته (الفل سوت) أو بالزي القومي الكامل أو حتى الملابس الرياضية كان يتهرب دائماً من قيود الربطة، وعندما كان يحضر مؤتمراً في إحدى الدول الأوروبية مرتدياً قميصاً صيفياً (نص كم) في عز الشتاء، سأله صحفي متطفل مستغرباً ذلك فكان رده: (حمصتني شمس بلادي المحرقة وأكسبتني دفئاً لا ينتهي)..
الجراح العالمي البروفيسور الراحل عامر مرسال مع شهرته التي طبقت الآفاق كان مخاصماً لهذه الربطة.. مع مكانته كان متواضعاً في كل شيء، سألته وهو خارج للتو من عملية جراحية أجراها لـ (والدي) أمد الله في عمره بشّر يا دكتور؟ قال ضاحكاً وواثقاً: (يعني عايزني أقول ليك زي بعض الناس العملية نجحت ولاّ شنو؟ النجاح عندي لمّن يقوم يمشي)..
شاعر افريقيا والعرب الكبير محمد الفيتوري لا أخال رأيته يوماً وهو يخنق نفسه طوعاً أو كرهاً حاله حال الكثيرين من عباقرة السودان في كل المجالات..
أمريكا ممثلة في الناسا تستجدي بالعالم الشهير (الأساتذة) محجوب عبيد ? رحمه الله ? الموجود على كوكب الأرض لدفع كارثة محدقة حلت بهم في الفضاء، وبالفعل كان منقذهم بعد الله وحل المعادلة (المعضلة) وهو الذي يحمل ثلاث شهادات دكتوراه والعاجز عن حل ربطة عنق يجيده كل صايع وضائع في أمريكا..
ما قاله الدكتور البوني عن العالم الفذ عبيد وتعرضه للضرب وهو يقف في صفوف جهاز المغتربين بنفسه لإنهاء معاملة كان من الممكن أن يقوم بالإنابة عنه كل من بالجهاز موظفين ومراجعين لولا التواضع الجم لعالمنا والعداوة المزمنة والخصام مع الربطة لما تجرأ أحد للاقتراب منه، ناهيك من عسكري يهين علمه قبل شخصه بالضرب ويضع وزارة الداخلية في حرج شديد وصل حد الاعتذار العلني!!..
د. البوني تأسف غاية الأسف لأن العديد من جيل الشباب لم يعرف من هو محجوب عبيد.. وعزا ذلك لبعده عن الوطن وضعف إعلامنا لإبراز أعلامنا فلهم جميعاً العذر، ولكن ما عذر دكتور بحجم البوني وصحيفة كالرأي العام في التصميم والتأكيد بأن عالمنا الجليل ووريّ الثرى بمكة المكرمة والصحيح انه دفن بالرياض وسط ثلة من أهله ومحبيه وزملائه وتلاميذه..
علماؤنا يجلهم غيرنا أكثر.. جامعة الملك سعود العريقة تكرم العالم عبيد بإطلاق اسمه على إحدى القاعات..

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..