الأطباء ..فكُ الإضرابِ أبدع ُمن إعلانه

بسم الله الرحمن الرحيم
كل فئات الشعب السوداني مدينة على الأقل برفع القبعات تحية للأطباء ولجنتهم المركزية..فقد اجترحوا أسلوباً في مقارعة النظام وظلمه ..يمد لسانه لقعقعة سلاحه وأصوات طلقاته وتهديدات زبانيته..ويراوغ بمهارة فائقة ..كل خط دفاعه وهو يحيّد بالكامل خط هجومه الكسيح.. ويحرز الأهداف في مرماه الذي ظن أنه عصي على أي فئة بعد سنوات من التدرب والتحسب وإحصاء الأنفاس.. وبدت كياناته المصنوعة كما وطبيعتها كزهور البلاستيك أمام أزهار الرياض.. وتماثيل شمع أمام من تجري في عروقهم الدماء..وتحس منهم الأعصاب ..فقارن.
فبعد أن عانوا من اعتداءات من لا يعرف عدوه الحقيقي من المواطنين..رفعوا عريضة باسم المواطنين ..أبكت المواطن وجعلته يقول أنه ما كان يدري أنه مظلوم إلى هذه الدرجة كما تقول الطرفة الشهيرة..
لم تتمكن الأحهزة القمعية من إعمال هراواتها في تجمع لهم.. ولا إدارات المستشفيات من حربهم باللوائح ..إدارات يلخصها قول الأبنودي في رائعته عن موت الخواجة لامبو في ليل أسبانيا فرانكو..( والبوليس شايل ف قلبه…كل دوسيهات الحكومة )وتحولوا بالإضراب إلى رسل وعي وتبصير بحقوق المواطن وحقوقهم..فأي تحد ذلك الذي يسفه دعوات العنف ضدهم ويخرج ليشرح للمواطن موقفه دون أن يخشى عواقبه ؟
ما تم ليس بمستغرب من فئة لا يكفي القول أنها متعلمة..بل متميزة في تعلمها منذ يفاعتها ..
ودللوا على أن وسائل التواصل الاجتماعي ..سيكون لها دورها في زعزعة أركان النظام..
ولم يكونوا في حاجة إلى عقد مؤتمرات صحفية لن يسمح بها النظام..فصار موقعهم في الفيس بوك ..أهم من أي قناة فضائية استضافتهم..وجعلوه المرجع الوحيد لقراراتهم..وغني عن القول أن الأدمن لن يكون معروفاً..فهل استفادوا من فكرة يوميات البشير ..الموقع الذي مد لسانه لخبر اعتقال أعضائه.؟ ربما نعم وربما لا ..ولكن تبقى الفكرة كما هي ..وليدة شباب يتقن التواصل المتخفي ! !وقللوا من مخاوف مصير الإضراب باعتقالهم بالتنويه بوجود لجان ظل ..وهي استفادة من تاريخ الإضرابات في السودان
ثم كانت تطميناتهم لكل عضويتهم التي استهدفتها إداراتهم في الخدمة الوطنية وأطباء
الامتياز ..بأن إبطال الاجراءات ضدهم..بند إضافي في المطالب..وفعلوا ونجحوا.
ولئن استقطبوا تأييد القواعد أفقياً على مستوى المستشفيات وحتى المراكز الصحية في كل القطر..كان التمدد الرأسي للقضية ..من ألبروفوسيرات ..والرموز الطبية الضخمة..إلى طلاب الطب في الجامعات المختلفة
كل ما سبق جعل الاضراب يبدأ وكأنه قدحة زناد ..سرعان ما تحول إلى كرة من اللهب..أدرك النظام أخيراَ بأنها لا محالة حارقة له إن تمادى في المغالطة ..فتحول الوزير من القول بأنه يريد لائحة لتأديب المنسوبين منهم للوزارة..إلى التصريح بأنهم خرجوا من الاضراب بلا جراحات وأن الأطباء أبناءهم..آالآن ؟
أما أبدع ما يمكن ..فكان إعلان فك الإضراب..فقد أضحكوا الشعب على النقابات الكرتونية والاتحاد الورقي ..الذي بادر بطفولية ساذجة بإعلان فك الإضراب كأنهم من أعلنوه..أما هم ..فقد جعلوا المستشفيات التي كانت تهدد إداراتها بطرد المضربين منها ..ساحة لتجمع
القادمين من الفجاج كلها..للتنوير باتفاقهم مع نائب الرئيس الذي حاول الاتحاد سرقة مجهودهم للقائه ولكنهم فوتوا عليه هذه اللعبة الرخيصة.
ما خرجنا به من إضراب الأطباء الناجح كثير..لكن الأهم على الإطلاق ..أن مقتل النظام من النقابات ..مطلبي في المقام الأول ..لكن بتجاوز التكوينات السلطوية ..عندها ..أبشروا بعصيان مدني يرسل النظام إلى مزبلة التاريخ..فالسياسة ..تكمن في عمق حاجات الناس الأساسية ..والنظام بطبيعة تكوينه ..أعجز عن الإيفاء بها وإن ظن.
[email][email protected][/email]
ما فهمنا حاجة ………
ما فهمنا حاجة ………