في ذكراها اليوم: هل سمعت وزيرة الخارجية ب”مجزرة العيلفون” ؟!!

١- لا يوجد اي خطأ في العنوان، المقال موجه بصورة اساسية وفي المقام الاول للسيدة/ أسماء محمد عبد الله، وزيرة الخارجية في الحكومة الانتقالية، التي تعد من أوائل السودانيات اللواتي عملن في السلك الدبلوماسي، خلال حقبة الثمانينيات.، وتسلمت اخيرآ المنصب السيادي الكبير في يوم ٥/ سبتمبر الماضي ٢٠١٩، وظللنا نتابع باهتمام شديد مسيرة اعمالها من داخل وزارة ما زالت تحفها مخاطر لا تحصي ولا تعد، اولها وجود بقايا من فلول النظام السابق يحتلون مناصب عليا ومرموقة داخل الوزارة، وبالسفارات السودانية في الخارج.

https://www.facebook.com/mustafa.basyoni/videos/3212914855401956/

٢- عودة الي حدث مؤلم ودامي، وقع في يوم الخميس ٢/ ابريل عام ١٩٩٨:
(أ)- يقع (معسكر العيلفون) على بعد حوالي (٤٠) كيلومتر جنوب شرق الخرطوم، اُقيم المعسكر لتدريب الشباب المجندين قسرا بهدف تاهيلهم للقتال قبل إرسالهم إلى مناطق العمليات العسكرية في جنوب وشرق السودان ، كان المجندين يتعرضون داخل هذا المعسكر، كما في غيره من معسكرات اخري لأسوأ أنواع المعاملة والقهر والإذلال ، وجرت العادة المتبعة في المعسكر، ان من يحاول الهرب يتعرض إلى عقوبات شديدة، . اما ما يختص بالعلاج المجندين، فلم يكن المريض ينقل للمستشفى، وكل من عاني من حالة مرضية تستوجب الرعاية الطبية، كان يتهم بانها حيلة من المريض للهرب من المعسكر.

(ب)- قبل قدوم عيد الاضحي المبارك في ابريل عام ١٩٩٨، طلب المجندين من ادارة المعسكر السماح لهم بعطلة الثلاثة أيام خلال مناسبة عيد الأضحى، التي تعتبر عطلة رسمية في كل مرافق الدولة ، بما في ذلك عطلة عند ضباط وجنود القوات النظامية.

(ج)- رفضت إدارة المعسكر طلب المجندين، وهددتهم بإطلاق النار إذا حاولوا عصيان الأوامر بالبقاء في المعسكر خلال ايام العيد، بدأ الشباب المجندين في التجمع سرآ في طرف المعسكر المقابل للنيل في محاولة منهم الهرب من المعسكر، عندها شعر الضابط المسؤول بمحاولات الهرب، فاصدر تعليماته بإطلاق الرصاص الرصاص الحي، فقتل علي الفور وفي الحال ما يزيد عن (١٣٠) مجند.

(د)- حاولت مجموعة اخري كبيرة الهرب باتجاه النهر والعبور سباحة للضفة الاخري ، فكانوا هدف سهل لرصاص حراس المعسكر ، ومع تواصل إطلاق الرصاص على ظهورهم غرق ما يزيد على (٤٧) آخرين، ولم يعرف مصير المفقودين حتى الآن.

(هـ)- قامت السلطات الامنية سـرآ بتجميع الجثث من المعسكر ومن طفا جثته علي مياه النهر، تم الجثث التي تم العثورفي مقابر الصحافة وفاروق والبكري واُم بدة تحت إشراف وزير الداخلية وقتها ومدير شرطة العاصمة بالإنابة وعدد من قيادات النظام . قُدر عدد الجثث التي دفنت بشكل جماعي (١١٧) جثة، بينما سلمت (١٢) جثة إلى ذوي القتلى.

(و)- هوية المجندين؟!!:- لم تفصح السلطات في الخرطوم كعاداتها في مثل هذه الجرائم عن ملابسات الحادث، ولا قامت السلطات المسؤولة عن تجنيد الشباب بتحديد هوية المجندين الذين راحوا ضحية مذبحة (معسكر العيلفون) ، إلا ان المعلومات التي وردت حينها دلت على أن غالبية الضحايا من شباب (معسكر العيلفون) هم أولئك الذين جرى اقتيادهم قسراً من شوارع وطرقات العاصمة المثلثة وضواحيها عبر حملات عسكرية استهدفت اصطيادهم، لم تعلن السلطات الحاكمة حتى هذه اللحظة أسماء الضحايا، ولم يسعي النظام الي تقديم أي من المسؤولين عن المجزرة لمحاكمة او تحقيق!!

(ز)- من هو مرتكب الجريمة؟!!:-  قائد معسكر “العيلفون” كمال حسن علي، هو من اصدر اوامره باطلاق الرصاص الحي علي المجندين الفارين، هو المسؤول الاول عن مصرع (١٧٧) طالب مجند، بعد وقوع الحادث، قامت الكثير من المواقع التي تهتم بالشأن السوداني بالكتابة عنه بالتفاصيل الدقيقة الجريمة التي ارتكبها بدم بارد….ابعدته حكومة الخرطوم الي القاهرة عن قصد حتي يكون بعيد عن الملاحقة، وتم تعيينه مديرآ لمكتب حزب المؤتمر الوطني في القاهرة، وهو مكتب تم تجهيزه خصيصآ له!!…وبعدها بعامين تم تعيينه سفيرآ في القاهرة، متخطيآ بذلك بعض الدبلوماسيين الذين كانوا احق بالمنصب، ولكنه كان مسنود من البشير شخصيآ!!

(ح)- اثناء فترة عمله كسفير في القاهرة، بدرت منه هفوات ملحوظة وتصرفات اغضبت المسؤولين في الحكومة المصرية، فقد قام كمال حسن بعمل اتصالات مع جماعات من (الاخوان المسلمين) وشخصيات دينية متطرفة كانت تحت الرقابة الامنية، وخالف كمال بذلك اهم واحدة من اهم العمل الدبلوماسي وهو ـ عدم التدخل في الشؤؤن الخاصة بالدولة المضيفة -.

(ط)- وحرصآ علي عدم التصعيد مع القاهرة، قام البشير بابعاده من منصبه كسفير، وعاد كمال الي
الخرطوم، وبعد وصوله باقل من (٤٨) ساعة، اصدر البشير قرار بتعيينه في وزارة الخارجية، وهي الوزارة التي كان الوزير فيها – وقتها – هو كمال كرتي.

(ي)- كان علي الكرتي يكره كمال شديد الكراهية، بسبب ان كمال كعمله سفير في القاهرة، ما كان يهتم بارسال التقارير الي الوزارة التي ينتمي، بل كانت علاقته بالدرجة الاولي مع مكتب الرئيس في رئاسة الجمهورية!!، ـ اي انه كان مفوض باسم الرئيس في القاهرة -!!

(ك)- ما ان صدر قرار البشير بتعيين كمال في وزارة الخارجية، حتي ثارت ثائرة علي كرتي، واعتبر ان تصرف البشير تقليل متعمد لشخصه، والا لماذا لم يستشيره البشير في هذا التعيين الذي صدر من خلف ظهره، وقتها قال كرتي “يا انا في الوزارة دي..يا كمال”، وهدد كرتي بالاستقالة ان عتب كمال باب الوزارة!!

(ل)- اضطر البشير للتراجع، واصدر قرار اخر بتعيين كمال وزير دولة بوزارة التعاون الدولي، وهي واحدة من الوزارات المجهولة الهوية!!

(م)- قرر البشير كنوع من التحدي ضد المسؤولين في القاهرة، الذين طردوا كمال من منصبه كسفير للسودان، ان يعيد كمال الي القاهرة – رغم انف اكبر كبير في مصر!!-، وقام البشير في يوم الاحد-٤/سبتمبر ٢٠١٦، بتعيين كمال في الجامعة العربية في منصب نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية، ومازال بها حتي اليوم رغم انف االمصريين، والحكومة الانتقالية في الخزطوم….ووزارة الخارجية، التي ما زالت تعج بعشرات الشخصيات امثال كمال حسن علي “سفاح العيلفون”!!

(ن)- والغريب في الامر، انه والرغم من الهجوم الضاري الذي ما توقف منذ عام ١٩٩٨ حتي اليوم من قبل منظمات دولية، كتاب وصحفيين، لم يفكر كمال في رفع قضية ضد الذين كالوا الهجوم عليه!! ، ولا فكر في الدفاع عن نفسه!!، احد من الذين نجوا من مجزرة “العيلفون” رفع قضية ضد الذين قاموا بالمجزرة، وبعدها لم نسمع بانه قد حرك القضية.

(س)-
مجند هارب من معسكر العيلفون يروي لــ (البيان) تفاصيل المأساة
المصدر:- صحيفة “البيان” الاماراتية ـ التاريخ: 15 أبريل 1998-
الرابط:
https://www.albayan.ae/last-page/1998-04-15-1.1014863

٣- عودة الي السيدة الوزيرة / أسماء محمد عبد الله، واسال، يفهموها كيف؟!!، عمر البشير قام بتعيين كمال في الجامعة العربية ،ولكن الغريب في الامر، انه وبالرغم من ان المجلس العسكري الانتقالي السابق، والمجلس السيادي والحكومة الحالية قامت باعفاءات، واطاحات، وعزل، ورفد، واعتقالات كثيرة لشخصيات كانت نافذة في السلطة السابقة….الا ان السفاح كمال بقي في معزل تام وبعيد عن اي قرار سيادي او حكومي…تمامآ كما في زمن الرئيس المخلوع!!

٤- علي حسب علمي المتواضع، ان تعيينات وترشيحات السودانيين في مناصب الجامعة العربية تكون من اختصاص وزارة الخارجية في الخرطوم، وهي الجهة التي لها الحق في الغاء واستبعاد ممثليها في الجامعة..فهل بقاء كمال في منصبه تم بموافقة وزارة الخارجية؟!!

٥- واخيرآ، ما كان قصدي من كتابة هذا المقال المحزن ، ان اعيد الاحزان للاسر المكلومة في اولادها، وافتح مجددآ جراحات اصلآ هي ما اندملت ولابرئت ، لكن لانه هناك عهد سبق ان قطعته علي نفسي بانه كلما جاءت الذكري السنوية لاستشهادهم، اعيد فتح ملفات مجزرة (معسكر العيلفون)،) عملآ بالقول الكريم :{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}.

بكري الصائغ
[email protected]