كورونا .. رب ضارة نافعة ..!

تحدثنا كثيرا.. وربما كثيرا جدا عن البطئ الحكومى فى اتخاذ قرارات مهمة لاينصلح حال الاقتصاد والعباد الا بها ، بل وربما تحدث العودة الى خانة الصفر لو لم تتخذ . الدليل على ذلك عدة اشياء اصبحت تحدث على مدار الساعة تحت بصر الحكومة الصامته والثوار محروقى الحشا . فليس من المعقول ان تخرج فلول النظام السابق متظاهرة ، ثم تقوم الشرطة بتنظيمها وليس تفريقها ، كما تفعل بالبنبان والرصاص مع مظاهرات الثوار ! وليس من المعقول ان تقوم مجموعة من الدعم السريع باعتقال عضو الحرية والتغيير بالدمازين تحت تهديد السلاح بل وبضرب محتجة فى مظاهرة بدارفور بالرصاص ، بينما زعيمهم يفتتح مأوى لمرضى الكورونا ويقود مفاوضات السلام ..الخ . وعلى أى حال ، ولكيلا يصاب المرء بالجنون بسبب عدم فهم مايحدث ، فاننى اختم هذه المقدمة بالطلب من الحكومة وقحت الرد على مجموعة الآسئلة التى تقدمت بها هيئة تحرير الراكوبة، على انها الآسئلة التى تدور بين كل من لايريد للثورة ان تنتكس ويريد لها الآستكمال بما تستحق .
وانتقل الى قضية العنوان : كيف تكون الكورونا من الضارات النافعات ؟!
فى عديد من المقالات اشرت الى أمرين اعتبرهما مفتاحيين فى تصحيح المسار :
اعتبار المهمة الأولى لحكومة الثورة هى : تفكيك النظام السابق بكل قوة وسرعة ، اذ انه يتضح كل يوم انه من المستحيل تنفيذ أى عمل لصالح الشعب واستكمال أهداف الثورة والسيطرة لاتزال فى ايدى الطغمة الكيزانية وفى امهات القضايا والمؤسسات .
ان يصبح الاساس الاستراتيجى للحكومة فى الاصلاح هو النظر الى الداخل ونسيان الخارج الى حين ، اذ انه حتى الخارج ،الذى يريد حقيقة ان يساعد، لن يفعل الا اذا اطمئن لأن هذا النظام باق وليس هناك مايهدد بقاءه . وفى هذا الأطار التوجه الى الشعب صانع الثورة فى طلب الحلول والعون ، وقد أثبت الشعب المرة تلو الأخرى انه جاهز لأداء أي مهمة بشرط مصارحته واشراكه فعلا .
ولأثبات هذا المسار المؤدى الى النجاح بكل تاكيد ، رأيت ان اصطحب التجربة الكوبية، التى نجحت بشكل مذهل حتى لمن فرضوا عليها حصارا جائرا منذ البداية وحتى اليوم ، وذلك لأنها آمنت بشكل لايقبل الأهتزاز بمقدرات شعبها ولجأت اليه بشكل كامل . فالى نتائج التجربة :
اولا : بالرغم من هبوط الناتج القومى فى بداية الحصار الا انه عاد وارتفع بشكل كبير ليبلغ 111 مليار دولار فى 2009 بواقع 9700 دولار للفرد فى العام . كذلك تدل نسب مساهمة القطاعات المختلفة فيه الى انه اصبح من الاقتصادات المتقدمة ، فقد بلغت 4.3% للزراعة و21.6 للصناعة و74% للخدمات .
ثانيا : تتصدر الصناعات الدوائيه أفضلها فى العالم ، فهى تصدر ماقيمته 4 مليار دولار من ألأدوية الى أوروبا سنويا .
ثالثا : لم يحدث التطور الصناعى من فراغ وانما بالتركيز على اساسيات . فقد حظى التعليم بعد الثورة باهتمام بالغ واصبح مجانيا فى كل مستوياته منذ العام 1961 . ويذكر أحد علماء مركز الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية ومعهد المناعة الجزيئية الأهتمام الذى أولاه كاسترو لآنشائهما لدرجة انه كان يزور المعهدين مرة واكثر يوميا ليطمئن على سير العمل فيه . وهو المعهد الذى أوجد الكثير من الأدوية والأمصال حتى لأمراض خطيرة مثل السرطان . وعن هذاالتطور العلمى يقول محرر مجلة Monthly Reviewفى العام 2007 ( فى الحقيقة الحالة الكوبية مدهشة أكثر، ليس فقط لأنها دولة فقيرة – يقصد فى الموارد الطبيعية لكنها غنية فى الموارد البشرية – ولكن لأنها تتعرض لحصار اقتصادى قاس تفرضه عليها أمريكا والذى اتسع ليشمل المعرفة العلمية ) . ويقول كاتب آخر ( ..أى نهضة علمية يجب ان تكون متلازمة مع مشروع تنمية طموح معتمد على الذات ).
ولعل من طرائف مااحدثته التنمية الكوبية برغم الحصار ، وربما بسببه ، ترميم السيارات القديمة باستخدام قطع غير مختلفة مستوردة من بعض البلدان التى لاتلتزم بالمقاطعة الأمريكية أو بتصنيع بعضها محليا ، بماجعل سيارات تبلغ من العمر أكثر من خمسين عاما تعود الى السير فى الشوارع ، بل ويدفع السياح مبلغ 50 دولارا أمريكيا لتجربة ركوب هذه السيارات الكلاسيكية لمدة ساعة واحدة !
وقبل أن أختتم هذا العرض المختصر ، لابد من ايراد هذا القصة التى تدل على ذكاء من أدار هذه التنمية المعتمدة على الذات وخيبة من حاول اجهاضها من خلال الحصار: فى عهد رئاسة السيد كارتر للولايات المتحدة ، أراد ان يحرج حكومة كاسترو معلنا ان أمريكا مستعدة لقبول الكوبيين ومنحهم الجنسية مع السكن والعمل . فماكان من كاسترو الا ان جهز عددا من السفن لترحيل كل من يرغب فى الذهاب ، وبالطبع أسرع كل ” كيزان كوبا” بالآلاف . وعند وصولهم بتلك الأعداد رفضت امريكا السماح لهم بالنزول مماعرض عدد كبير منهم للموت وجعل امريكا مضطرة لقبول من تبقى منهم . غير ان النتيجة بالنسبة لكوبا لم تكن فقط فى أحراج من دبر الأمر ، بل ان خروج اولئك الخفافيش كان من اسباب تحسن الأحوال السياسية والأقتصادية فى كوبا !
لعله يكون قد خطر ببال الكثيرين مقارنه بين ما فعلت كوبا اثناء حصار كامل وهى لاتبعد أكثر من 90 ميل من امريكا ولمدة خمسين عاما ، ومافعله كيزان السودان من استغلال للفرصه للاغتناء وجعل الحصار سببا دائما لكل المشاكل تفاديا لأحتجاجات الناس على ضيق العيش .
لقد نجحت كوبا اقتصاديا وسياسا قصاد حصار اقتصادى وسياسى مفروض اعتمادا على تنمية شاملة معتمدة على الداخل وقد كان هذا شانها حتى قبل ومن غير الحصار، فهل نستفيد نحن من تجربة الحصار الكورونى ولدينا من الأمكانيات والموارد البشرية ماهو أفضل بالأضافة الى ظروف أخرى مساعدة :
انتهاءالأعتماد على الخارج بضرورة انغلاق كل بلد على نفسه ومشاكله نتيجة لفعل الكورونا .
الحد من التاثيرات الخارجية الضارة على اساس الحكمة الختمية ” اشغل اعداى بانفسهم “!
فى الداخل ، قد تساعد ضرورة التوحد فى محاربة الكورونا الى توسيع الوحدة لتشمل كل ماتسعى اليه ” قومة السودان ” .
غير ان كل هذا مشترط باستيقاظ الترس : ترس الشعب وقحت والحكومة ، ورب ضارة نافعة !!
عبدالمنعم عثمان
[email protected]