كيف نربي أبنائنا في زمن تجار الدين؟(1) الأسئلة الحرجة..

تربية الأبناء في بيئة طبيعية يحتاج إلى حكمة أصلا. ومع الظواهر السالبة الكثيرة التي تترى مع ظاهرة الإسلامييين ستتعقد هذه المهمة أكثر. ولا يمكن أن نفصل تأثير السياسة على المجتمع. فبتنامي الإسلام السياسي ومع الشعارات الدينية الزائفة تفشت الواسطة والمحسوبية وعدم اللامبالاة والأنانية والعنصرية والقبلية والعصبية ليتناسل التناقض على هذه البكتريا والذي يؤدي إلى ضعف الإيمان ومن الممكن أن يتوج بالكفر والإلحاد والعياذ بالله.
ومن يعيش في هذا الجو سيشعر بالإنفصام بين الضمير الإنساني والوازع الديني الكاذب، والأخلاق الفطرية وأخلاق التقية المنحلة، والحرية الشخصية وقهر وكبت الإسلاميين. وبالتالي تتولد شخصيات مهزوزة وغير متزنة ليس لها نفع لنفسها ناهيك لأن تنفع غيرها.
للأسف هذه الظواهر المجتمعية ليس لديها توثيقات علمية ولكنها مرئية ومحسوسة لكل ذي حاسة واحدة فقط. فمن الأخبار المتتبعة يمكن أن تستشف ذلك. مثلا خبر: تفشي ظاهرة الإنتحار. ففي مستشفى الأذن والحنجرة يستقبل خلال العام ( 827 ) حالة تسمم بالصبغة. وهناك دراسة تؤكد زيادة حالات الشروع في الانتحار بسبب التفكك الأسري وغياب الضوابط الأخلاقية وذلك لغياب الوازع الديني وربما الاكتئاب واضطراب الشخصية كم تؤكد أخصائية نفسية. ومنها رتفاع جرائم الدعارة وتعاطي الخمور وترويج وتعاطي المخدرات وتزييف العملات الأجنبية داخل الشقق المفروشة. وكل ذلك يؤكد اليأس وتزعزع الإيمان. ففي مصر القريبة ذكرت صحيفة (الموجز) المصرية ان عدد الملحدين زاد بعد الثورة. قدر ذلك بحوالي 2 مليون ملحد يعبرون عن إلحادهم صراحة في المنتديات.
إذاً هذا خطر كامن وسيتفجر حتما مادام هذا النظام الباغي والطاغي باق. والسؤوال الذي يطرح نفسه: كيف لنا ان نحصن أبنائنا ضد هذا الطوفان المدمر؟. العلاج الجذري طبعا هو إزالة المصدر أو المرض المسبب وهو الفساد السياسي الذي يلقي يقاذوراته على المجتمع. وإذا زال هذا الأول يمكن بعدها الإمعان في الإسترسال في العلاج و إستئصال إفرازات هذا الفساد من المجتمع والأسرة والفرد. إنه موضوع شائك ويحتاج لعلماء نفس ومجتمع لوضع منهجية وكيفية التحصين الفردي.
وأنا لست من أهل الشأن ولكن أود أن أشركك ما في تقديري ما يسهم بدلو ويعطي جرعة تحصينية فقط إلى ان يزول المسبب. مجملا أرى ان هناك أربعة محاور تربوية رئيسية يجب التركيز عليها، وهي الإخلاص، العقلانية، المسؤولية والحب.
هناك كتابان جميلان و جديران بالإطلاع الأول “أسئلة حرجة” للكاتب الراحل عبد الرزاق نوفل والثاني “المُهدَّدون – طفلك في عالم معادٍ” للكاتب يوهان كريستوف آرنولد. أستنبط لك منهما بعض المقتطفات مع إضفائي بعضا من الخواطر عسى ان ننتفع وينتفع بها كل الأباء والأمهات والمربين والمربيات.
ويسألونك..
الأسئلة المربكة قد تأتيك من كل مكان، طفلك أو طفلتك، إبنك المراهق أو إبنتك التى تكبر بمرور الوقت، أقاربك، تلاميذك، أبناء أصدقائك… شخصيات تسأل ببراءة: (أين الله؟)، (لو الله موجود فعلا لماذا لا نراه؟)، و(لماذا لا يستجيب الله لدعائى؟)، و(ليه ربنا خلق ناس أغنياء وناس فقراء،؟)، (لماذا لا يقيم عدله وهو يرى الظالمين؟)،…و…و… فماذا أعددت لها؟. تاتأة ولعثمة تتلف أنسجة مخ الطفل أم تأجيل يجبر السائل على تلقي معلوماته من جهات أخرى لا نعرف ماهيتها؛ أو من سواطير و أساطير تضرب عقل الطفل أو السائل فينشأ على حُب الجهل والجاهلين. أو تأخذك العزة بالإثم فترد عليه بإجابة غير موفقة يتلقفها إبنك أو إبنتك فيسقطها على الواقع الحالي فتجعله يتشكك في نفسه ومجتمعه ومن ثم دين الله. في حين إنك إذا جاوبت عليها بعقلانية تجعل عقله يفكر سيتركز إخلاصه لله عز وجل، وتقوى عقيدته في كل زمن.
قبل كل شيئ لابد أن يعي طفلك أنه مخلوق ومصنوع وثمة شئ خالقه. علمه أن يتفكر وينظر إلى كل الأشياء المصنوعة من حوله كرسي، طربيزة، قلم، دفتر، كمبيوتر، أي باد. دعه يلحظ أنه كلما زاد تعقيد الشئ المصنوع ودقته زادت عظمته ودل ذلك على عظمة الصانع. دعه ينظر إلى الشمس والقمر والنباتات والأحياء ألا تدل على إن هناك صانعها بديع لها. ولينظر إلى الناس وأشكالهم وبصماتهم، فلايوجد من هم متطابقون مائة في المئة ولو كانوا توأم. والإنسان هو سيد هذا الكون وهو الذي صنع أشياء عظيمة ومعقدة كثيرة أليس يعني أن صانعه هذا عظيم، و (ليس كمثله شئ)!. قل له إذاً هذا هو الله خالق كل شئ.
أما دليلك على وجود الله لابد أن يكون من شيئ يختبره الطفل بنفسه. لا تتحدث له عن الشمس والقمر و المجرة وحركة الإلكترونات فمن الأفضل أن تبدأ الكلام عن دليل وجود الله سبحانه في نفسه، فى دقات قلبه ونبضاته، فى حواسه التي يشعر بها من ذوق وشم وسمع وبصر ورؤية ولمس وحس. حدثه عن مسيرة الطعام بداخله من المضغ حتى الإخراج، وكيف أن كل هذه العمليات لا تتم بتحكمه.
حينها يمكن أن يسألك: لماذا لا نرى الله إذاً؟ فلا بد أن يكون الرد من منطقة مشابهة لخبرة الطفل فى الحياة. أخبره أولا إنه لا يستطيع رؤية كل الأشياء المخلوقة في هذه الدنيا ناهيك عن الخالق. بين له أننا لا نرى الله في هذه الدنيا، ولكن نرى آثاره. أضرب له مثلا هل تستطيع أن ترى الكهرباء بعينيك؟ بالطبع لا، لكنك تستطيع أن ترى أثرها فور أن تضغط على زر إنارة النور. وهناك أنوارا في هذه الدنيا لا تقوى على أن تراها. فمثلا الإنسان العادي لا يستطيع أن يرى الشمس ولو لخمس دقائق بعينيه المجردتين. فلو ما يزال مسلطهم عليها لأحترقت عيناه. أخبره بأن الله نور السموات والأرض ونوره لا يقارن بنور الشمس. رؤية الله تحتاج إلى عيون من نوع خاص سنمتلكها يوم القيامة ولكن هذه العيون لن ينالها أي شخص، فهي أعظم مكافأة و أجمل من الجنة. نبهُ أن عليه الآن هو التمعن في وجود الله. هذا سيجعل الطفل يتتبع آثار الله ليشاهدها فى كل شىء وستزرع بداخله شوقا ما لأن يحصل على تلك العيون المميزة يوم القيامة.
ثم يسألك: أين الله؟. إياك والإجابة الفورية: فى السماء!!. فسيترسخ في عقله البسيط ان الله بعيد نسبيا، وبأننا فى عالمين منفصلين، الطفل على الأرض والله فى السماء. وربما أحيانا سيعتقد أنه يمكن أن يفعل ما يحلو له وهو مختبئ تحت الطربيزة أو مندس تحت السرير. وإذا تعود على ذلك سيؤدي إلى ضعف مراقبته لله عز وجل في السر. يجب أن تشرح له مبكرا أن الله فى كل مكان، وأقرب إليه من أي شئ فهو سبحانه يحيط به وبكل شئ ، بل ويعلم ما يضمر في نفسه. علمه ان الله موجود في كل موجود.
هذا السؤوال فرصة ذهبية ليعرف أن الله معه فى كل مكان: في فراشه وفي الفصل وفي الغرفة وفي الشارع…وينظر ماذا يعمل في كل لحظة. ومراقبته ليست مراقبة لعدو وإنما لصالحك. فإذا تيقنت مراقبته لابد أن توزن أمورك ولا تقع في شئ يضرك. فإذا عملت عملا لابد ان تتقنه وإذا أردت الإستعانة به فأدعوه، فهو قريب وحتما سيساعدك.
وسيسألك عندئذ لماذا لا يستجيب الله لدعائي؟. إشرح له فكرة أن الإنسان (ممكن بجهله يدعو بالغلط ما ليس لصالحه). لا تكن لئيما أبدا مع طفل ولا تقهره..ولا تستغل سؤاله عن سبب عدم الاستجابة لدعائه كمناسبة للتوبيخ، علمه أن الدعاء لا بد منه، وأن كل ما سيسفر عنه خير، سواء تحققت أمنيته أم لم تتحقق. عليك هنا أن تضرب مثلا بنفسك شارحا مبرر رفضك الاستجابة لطلب من طلبات الطفل، فليس شرطا أن يصح اعتقاد الشخص أن حصوله على شىء ما سيكون سببا لسعادته، فقد يكون حصوله عليه سببا لتعاسته. (مثلا) الدراجة التى إمتنعت عن شراءها لك فى الصيف الماضي كانت ممكن ان تحدث لك حادث كبير كما حدث ومنع فلانا من مغادرة فراش المستشفى طوال عطلة الصيف. فالله يعلم تماما ما فيه الخير لك، وهو أدرى بما سيجلب لك السعادة. عليك فقط أن تدعوه لأنه يحب أن يسمع صوتك ويحبك أن تناجيه. ليعلم أن الله تعالى يسعد حين تعزز ثقتك بوجوده جانبك وتتيقن من إيمانك به و تتثبت بشعورك له في كل الأوقات. هنا تكون قد حفظت الله فهو سيحفظك، وحين بحفظك ستجده إتجاهك أينما ذهبت.
ونواصل..
[email][email protected][/email]
الأخ الأستاذ سيف الحق حسن نحن فى عهد الانقاذ ما قادرين نربى انفسنا فكيف نربى ابناءنا ، والمعلوم ان فاقد الشئ لا يعطيه.