خربشة على جدار الوطن 3

بدأنا في الهبوط التدريجي نحو مدرج مطار الخرطوم الدولي وبعض خطوط الطيرات تسميه (المدني )ليس استخفافا بالطبع بل لأنه لم يصل لتصنيف الدولية بعد ولايزال يفتقد وينقصه الكثير من المقومات المعايير الفنية والادارية التي تؤهله لذلك وقد تناست تلك الخطوط الوليدة أنه من هنا كانت تشرق الشمس وان ناقلنا الوطني بشعاره الجميل المميز كان في يوم من الايام ملء الدنيا والسمع والبصر ويجوب كافة سموات المعمورة ويحظى بالاحترام والتقدير المطلق ويتميز بالدقة الفائقة والانضباط التام في المواعيد وبتقديم أرقى وافضل الخدمات والضيافة قبل ان تستحوذ عليه شركة عارف الكويتية وتحيله لمسخ مشوه وقبل ان يباع خط هيثرو وكافة ماتبقى من اسطوله الجوي وعرض آخر واحدة منه في ذلك المزاد العالمي وغيرة ذلك السوداني النشم الذي اعترض على البيع وتم ايقافه بالفعل ومااعقب ذلك من التناقضات والتصريحات المثيرة للدهشة التي ملأت الاسافير والمنتديات وقتها
(كانت اوربا ظلاما ضل سالكه *** وشمس اندلس بالعلم تهديه) بيت شعري رصين يصور حالنا تماما وماصرنا اليه أيام كانت عاصمة بلادنا الفتية الجميلة تغسل شوارعها بالشامبو ويتنافس فيها السيدين المحجوب ومبارك زروق طيب الله ثراهما على اقتناء ربطات العنق والعطور الباريسية الفاخرة من ارقى بيوت التجميل والموضة
كانت الخرطوم تقرأ وبيروت تطبع والقاهرة تكتب في دلالة ورمزية رصينة تعبر عن ثقافة أمتنا المتميزة وحبها للعلم والمعرفة والاطلاع وعشقها للصحافة والادب والثقافة فنحن شعب متجذر في اصله وثقافته وفي تعدده وتنوعه وفي كيفية أدارة هذا التنوع ادارة ايجابية واعية
كنا رمز للثقافة وملهم للشعوب الباحثة عن الحرية والانعتاق ومصدر للعلم والمعرفة ومفجرا لبراكين الابداع ورمزا ومعلما للوجد والشجن والاصالة كنا حضن دافئ للامتين العربية والاسلامية وبلسم شافي للقارتين الافريقية والعجوز
الطائر الميمون يواصل الهبوط التدريجي وقد بدت بعض ملامح عاصمة العواصم وعروس المدن في الظهور وحركةلبعض السيارات في طرق معبدة الا ان الصورة لم تكتمل لكي تكتحل عيوننا وترسم صورة لوطن باهي طالما حلمنا به وطن الاباء والاجداد
الساعة الان تقترب من الواحدة والنصف صباحا وداخل كابينةالركاب بالدرجة الاقتصادية بدت حركة غير عادية تأهبا للنزول من الطائرة وتعالى الضجيج والاصوات مرة أخرى والليل يرخي سدوله ومقرن النيلين تلتحف الثرى وتتوارى خجلا من أحبة اضناهم الشوق وسهر العيون الجميلة في منافي الاغتراب وانها والله لغربة لاترحم ولم تعد كما كانت
حرائر وطني الماجدات بدأن في اصلاح هندامهنّ وتغيير ملابس اطفالهنّ وإخراج قوارير العطر الفرنسي الفاخر استعداد لمقابلة الاهل والاحبة وبدأت حركة منتظمة من والى مؤخرة الطائرة
نلاحظ بو1ضوح تام الان المباني الشاهقةوالعمارات السوامق وقد بدأ نهر النيل العظيم من تحتنا يتلوى كثعبات يبحث عن فريسته في دجي ليل حالك الظلام الانارة والكهرباء والمصابيح بدت باهتة وشاحبة ونحن القادمين من عواصم غابات النيون التي تحيل الليل الى نهار -كانت الخرطوم وقتها تغط في نوم عميق استعدادا للاحتفال بالكريسماس (والمجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وبالناس المحبة) مع بعض الهواجس والكوابيس المزعجة وبعض التاملات -لايزال النيل يتلوى ويواصل مسيرته الخالدة على مر الدهور والايام لم يكلّ ولم يملّ ولم يفتر ولم يهنّ جالبا الخير والنماء والعطاء وقد قامت على ضفافه حضارات وممالك وانهدت بعضها ولكنه لم يتوقف يوما عن المسير ملهما شعبنا الصمود والصبر والتضحية واهبا اياه كل معايير الفخر والعطاء والانتماء
نحلق الان على ارتفاع منخفض جدا وقد ظهر بوضوح مدرج المطار وعاصمة اللاءات الثلاثة تتأهب للاحتفال بذكرى استقلالنا 61 المجيدة وفي الجعبة والذاكرة شي من حتى بعد أن تحاور ابناء الوطن وخلصوا الى ضرورة وضع خارطة طريق مصحوبة بضمانات كافية للخروج من المأزق والازمات العنيفة التي تعصف بالوطن —- نواصل
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. .
    لله درك من ديار درها الود الحليب الأخ الأستاذ طارق الأمين وهذا السرد المشبع بالشجن الملئ بحب الوطن والشغف به …… وكيق لا وانت ذو وجدان تتصاهر فيها أيام الصبا في الباوقة (ام زهور ) مع ريعان الشباب في كسلا (الوريفة )
    .
    ألا ليت الأيام تتيح لأبناء وطننا الحبيب بان يعيدوا سيرته لـ احسن مما كان عليه وان تلهمهم التجارب وتسعفهم بقراءة صحيحة حتى يتحدوا فينتشلون الوطن من غياهب غاب فيها لعقود خلت وقد تمددت فيه المحن …….
    .
    ويا ما كنا …..
    .
    وقد ضاع الامس مِنا ……
    .
    ويا زمان هل من عودة هلّ…؟؟!!!!!

  2. .
    لله درك من ديار درها الود الحليب الأخ الأستاذ طارق الأمين وهذا السرد المشبع بالشجن الملئ بحب الوطن والشغف به …… وكيق لا وانت ذو وجدان تتصاهر فيها أيام الصبا في الباوقة (ام زهور ) مع ريعان الشباب في كسلا (الوريفة )
    .
    ألا ليت الأيام تتيح لأبناء وطننا الحبيب بان يعيدوا سيرته لـ احسن مما كان عليه وان تلهمهم التجارب وتسعفهم بقراءة صحيحة حتى يتحدوا فينتشلون الوطن من غياهب غاب فيها لعقود خلت وقد تمددت فيه المحن …….
    .
    ويا ما كنا …..
    .
    وقد ضاع الامس مِنا ……
    .
    ويا زمان هل من عودة هلّ…؟؟!!!!!

  3. .
    لله درك من ديار درها الود الحليب الأخ الأستاذ طارق الأمين وهذا السرد المشبع بالشجن الملئ بحب الوطن والشغف به …… وكيق لا وانت ذو وجدان تتصاهر فيها أيام الصبا في الباوقة (ام زهور ) مع ريعان الشباب في كسلا (الوريفة )
    .
    ألا ليت الأيام تتيح لأبناء وطننا الحبيب بان يعيدوا سيرته لـ احسن مما كان عليه وان تلهمهم التجارب وتسعفهم بقراءة صحيحة حتى يتحدوا فينتشلون الوطن من غياهب غاب فيها لعقود خلت وقد تمددت فيه المحن …….
    .
    ويا ما كنا …..
    .
    وقد ضاع الامس مِنا ……
    .
    ويا زمان هل من عودة هلّ…؟؟!!!!!

  4. .
    لله درك من ديار درها الود الحليب الأخ الأستاذ طارق الأمين وهذا السرد المشبع بالشجن الملئ بحب الوطن والشغف به …… وكيق لا وانت ذو وجدان تتصاهر فيها أيام الصبا في الباوقة (ام زهور ) مع ريعان الشباب في كسلا (الوريفة )
    .
    ألا ليت الأيام تتيح لأبناء وطننا الحبيب بان يعيدوا سيرته لـ احسن مما كان عليه وان تلهمهم التجارب وتسعفهم بقراءة صحيحة حتى يتحدوا فينتشلون الوطن من غياهب غاب فيها لعقود خلت وقد تمددت فيه المحن …….
    .
    ويا ما كنا …..
    .
    وقد ضاع الامس مِنا ……
    .
    ويا زمان هل من عودة هلّ…؟؟!!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..