مقالات وآراء

هوَس الماضوية ..!

سفينة بَوْح – هيثم الفضل
بعض المثقفين في بلادنا يبالغون في إعلاء وتقديس كل أمر يتعلق مباشرةً أو غير مباشرة بفكرة الموروث التقليدي ، الذي طالما تم إكتسابه عبر تواتر العادات و تلاقحها وتأثيرها بعضاً على بعض من منطلق تباينها الذي يترجم ترامي الأطراف الجغرافية لهذه البلاد وإختلاف منابع ثقافاتها وعاداتها ، وفي حقيقة الأمر إن هذا المنحى المتعلق بالتبجيل المطلق لكل ما هو منسوب للماضي بلا تمحيص في عمقه الضمني والشكلي فضلاً عن ماهية منافعه وأضراره الواقعة على المجتمع ، يمثل حاجزاً نفسياً لدى النقاد والمجدِّدين في شتى مجالات الحراك الإنساني للمجتمع ، وبذلك يصبح العداء (للماضوية) .. أو محاولة نقدها وتجديدها بغية التقويم بمثابة دائرة تجريمية كبرى ربما قادت من يخوض فيها إلى إتهامه بالتشكيك في تاريخ الأمة أو إنعدام الوازع الوطني ، وللحقيقة فإن مسارات تقويم الأداء والإرتقاء العام والنهوض التنموي خصوصاً على مستوى السياسة والإقتصاد والثقافة والفنون ، لا ينبني ولا يستقيم إلا بإعتماد نظرية الرجوع إلى الماضي ودراسته بالقدر الذي يفي بمعرفة إيجابياته وسلبياته وذلك من أجل إحكام الخطط التنمويه وتجنيبها مآزق وأخطاء الماضي ، وهذا في حد ذاته نوع من أنواع النقد للتاريخ والموروث الثقافي والمعرفي للأمة ، وفي حقيقة الأمر إن الإنسان من حيث الفطرة ميّال للإنحياز إلى جيله وحقبته التاريخية التي شهد فيها مع ذاته ما يشير إلى نشاطه الفكري والبدني والمهني وربما الإجتماعي والثقافي ، ومن هذا المنطلق ينحاز بالمطلق إلى عادات ومورثات زمانهُ الذي عاشهُ ، ومن ناحية أخرى يرفض في مكنون ذاته وإن إدعى غير ذلك في ظاهر الأمر كل محاولة للتجديد والنقد في ماضٍ يعتقد أنه الأصح والأجدر بالبقاء ، بعض المنحازين بالمطلق إلى حقبة غناء الحقيبة يعتبرون من ينقد شعر وغناء الحقيبة خارجاً عن مِلة الإبداع والمبدعين ، رغم أن الحقيبة للمتخصصين في فن الشعر وقواعده مليئة بالأشعار (المكسورة) من الناحية الوزنية والإيقاعية لجرس المفردة ، كما أن بعض هذه الأشعار يشوبها عيب المباشرة والإتجاه الحِسي في الوصف والخُلو المُطلق من الخيال ، مما جعلها لا تعبِّر عن مكنون المجتمع المحافظ آنذاك مما أخر بدوره حصول الشاعر والمغني على مكانته الطبيعيه الموصوفه بالإحترام والبذل والعطاء في مجتمع اليوم ، والنقاد في مجال الموسيقى ينعتون ألحان الحقيبة بالدائرية وإتسامها بالتكرار الممل والخالي من التفاصيل الجاذبه ، وبعض العادات التليدة المنتمية إلى مورثونا التقليدي كالخفاض الفرعوني ووشم الوجه والمغالاة في المهور لا تصلح أن تكون مثاراً للتقديس والتبجيل من منطلق أنها نبعت من ضمير الأمة وأعرافها وثقافتها ، فهي مواد فكرية وعلمية وسلوكية قابلة للنقد والتقويم والمقاومة ، يا هؤلاء ليس كل عتيق يحمل عبق الماضي كفيلٌ بالإحترام والحماية ، بعض منتجات التاريخ الفكرية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية مشوبة بالخلل والعيوب التي تكفل للنقاد والمجدِّدين الخوضُ في دراستها وتقويمها وربما حماية المجتمع من إمتدادها وبقاءها.

صحيفة آخر لحظة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..