أخبار السودان

عقيد بالشرطة: هنالك تشوهات بالأجهزة الأمنية يجب إزالتها

الناطق باسم الجيش : الإعلام هو السند الحقيقي للجيش

  • التوتر والتوجس مستمر رغم الثورة
  • الإعلاميون والعسكر .. “توم آند جري”
  • الجهات الأمنية لاتزال تعتبر مشرحة السلاح الطبي منطقة عسكرية

تحقيق: راحيل إبراهيم

أصبح الإعلام في الخطوط الأمامية للمعركة العسكرية مع المقاتلين في الجبهات القتالية، عبر نقل البث المباشر للمعركة مع معلومات العدد والعتاد للقوات المقاتلة، بينما تخلت الدول عن استخدام الجواسيس لمعرفة أخبار البلدان، وأنابت التكنلوجيا عن ذلك وأصبحت كمية تخصيب اليورانيوم يتم معرفتها من دولة أو أخرى بواسطة وسائل الاتصالات الحديثة.

في هذا الوقت لا زالت الجهات الأمنية السودانية، تعتبر مشرحة السلاح الطبي منطقة عسكرية، وأقسام الشرطة من المناطق الأشد وصولاً للإعلاميين.

و بعد كل هذا التطور التكنلوجي لا زالت بعض الجهات الأمنية، تقف حجر عثرة تجاه الإعلام، ونظرية (ممنوع الاقتراب والتصوير ) تطبق، رغم ثورة ديسمبر المجيدة ودخول البلاد عهد الحريات المطلقة.
وعلى الرغم من أن وزير الدفاع الأسبق بحكومة العهد البائد عبدالرحيم محمد حسين، قد ذكر في إحدى لقاءاته بأنه أمر بإزالة لافتات (ممنوع الاقتراب والتصوير)، من كل المناطق العسكرية؛ لأن أوان هذه المقولة قد ولى، وأن إغلاق هذه المناطق عن الإعلام قد يولد حب استطلاع بصورة عامة، مع تشديده على أنه متأكد من حب الإعلاميين للبلد، ولهذا فهو غير متخوف من اقترابهم.
و للوقوف على الأسباب الحقيقية للمعضلة؛ نعرض بعض مواقف الصحفيين، ومن ثم وجهة نظر الجهات الأمنية .

سياسات من النظام البائد
عشرات المواقف التي تعرض لها الإعلاميون من الجهات الأمنية في العهد السابق، سنذكر موقفا متشابها ما بينه وعهد الثورة، فالصحافية هادية قاسم؛ تعرضت إلى أقسى سياسات القمع من قبل النظام البائد؛ أثناء تغطيتها لوقفة احتجاجية نظمها أهالي الباقير بولاية الجزيرة إثر الضرر الذي حاق بهم جراء التلوث البيئي الناجم عن مصانع الدباغة.

وبينما كانت الصحافية المعنية تغطي الأحداث كانت قوات الشرطة تقوم بضرب المتظاهرين من الرجال والنساء والأطفال، ولم تنجُ هادية من الضرب؛ بل وتم وضعها في عربة بوكس كأنها متهمة رغم أنها أبرزت هويتها وعلموا أنها صحافية.

وما أن ضجت الأسافير بالخبر حتى جاء بيان من الشرطة اعتبر هادية كاذبة؛ لأنه ذكر أنها جزء من المظاهرة، ثم أثرت الشرطة في السياسة الداخلية لصحيفتها (الانتباهة) فتم منع نشر تعقيب على البيان وتوضيح الملابسات بواسطة رئيس التحرير(الرزيقي) آنذاك، و ختمت حديثها بأن ذلك الزمان قد ولى وأن الصحفيين الأحرار لن يصمتوا أمام تلك الانتهاكات، ولطالما خرجنا ضد سياسة القهر التي كانت تنتهجها الشرطة؛ فحتما سنخرج مرة أخرى إذا لم تتغير السياسة للحفاظ على المدنية التي مهرتها دماء الشهداء.
مشرحة منطقة عسكرية؟؟
تم تكليف الزميل حيدر إدريس من قبل مدير التحرير(المواكب) بالذهاب إلى مستشفى السلاح الطبي بأمدرمان، بعد أن تم نقل جثمان وزير الدفاع الفقيد الفريق أول ركن جمال الدين عمر إليها بغرض التشريح، ليرصد مشاهد من المشرحة ضمن التغطية الخاصة بالراحل.

ولم يكن الغرض الأساسي الحصول على تقرير الطبيب لنتيجة المشرحة، لعلمه أن التقرير سري وأن الناطق باسم الجيش هو المخول له بكشف التفاصيل.

وعند البوابة الرئيسية للمستشفى لم يستوقفه أحد، وقام بسؤال أحد الأفراد العسكريين بالزي الرسمي عن موقع المشرحة، وصف له من غير تحفظ ، الأمر الذي يؤكد أن لا مانع من وجود (مدني) بالمنطقة، وأثناء سيره تفاجأ بفردين من الاستخبارات ” يوقفانه وبادر أحدهم بالسؤال: (إنت مدني ولا عسكري) ؟
وأجاب حيدر بأنه مدني وصحفي، وأبرز بطاقته في هذه اللحظة، وبدأ التعامل معه بغلظة وعنوة وتم أخذ هاتفه (الربيكا) وتم إغلاقه في غرفة وبدأوا الاستجواب معه، وبعد ثلاث ساعات تم إطلاق سراحه في معركة كانت من غير معترك، لتفرض سؤالا لماذا يحدث هذا الآن؟ .

عنف داخل قسم الشرطة
تم الاتصال بالزميلة لبنى عبدالله (صحفية متخصصة بقسم التحقيقات) من قبل اتحاد المخابز، ليخبروها بأن لهم قضية بقسم شرطة الخرطوم شمال بخصوص (دقيق محجوز)، وطلبت مقابلة رئيس القسم، وبادرته بسؤال عن أسباب حجز الدقيق، وكان رده (لا توجد مستندات تثبت أيلولة الدقيق).

وأوضحت له أنها اطلعت على مستندات رسمية، فرد (بنبرة حادة): «لن أصرح للصحافة»، سألته: لماذا؟ فجاء الرد بـ (نهرة حادة): (ما من حقك تسأليني ليه ما عايز أصرح).

و أردفت: «لكننا سلطة رابعة»، فجاء الرد حادا (اطلعي بره)، ولكن ذكرت له أنها في مباني الدولة، ولا يمكنه أن يقوم بطردها، فنادى رئيس القسم على العسكري بقوله: «خد الصحفية وافتح ليها بلاغ ودخلها الحراسة»، فأتى النظامي وأخذني إلى خارج المكتب، وطلب مني الجلوس لحين تهدئة الضابط رئيس القسم، وفي نهاية المطاف تم تدخل بعض النظاميين وانتهى الأمر، ولكن عقب خرجوها تم إطلاق سراح المحجوزين بعد صحة ملكيتهم لـ (الدقيق)، وكان التجمهر كبيرا في خارج أسوار القسم، وكان الكل يصور خصوصا عدد من سكان توتي أصحاب الحق في الدقيق.

وفجأة حضر نظامي بزي مدني ليقوم بأخذ موبايل الزميلة لبنى بطريقة عنيفة ليأخذها إلى داخل القسم باعتبارها تقوم بالتصوير، وتم أخذها للنيابة لتدوين بلاغ ضدها إلا أن وكيل النيابة الأول لم يتم الإجراء؛ باعتبار أن لا قضية في الموضوع، وتم أخذها لوكيل نيابة آخر؛ الذي اطلع على الصور، وقال إنها لا تحتاج لإجراء أيضا، تم إرجاعها للقسم مرة أخرى، ولم يقتنع رئيس القسم بما قاله وكلاء النيابة عند سماع المدير الإداري ورئيس التحرير بالموضوع ذهبوا الي القسم، وقاما بسؤال النظامي عن التهمة الموجهة للبنى؟ فافتعل مشكلة، وما بين (شد وجذب)، تم حبسهم جميعا لمدة خمس ساعات بحراسة القسم الشمالي.

تغيير سياسة الشرطة

وفي حوار سابق مع صحيفة “المواكب”، أكد النائب العام تاج السر علي الحبر، أنه و بوصفه رئيس لجنة تقصي الحقائق في أحداث تظاهرات يوم 20 فبراير، قدم توجيهات لرئيس الوزراء والجهات المعنية المختلفة من أجل تغيير سياسة الشرطة، مؤكدا على ضرورة إجراء تغيير (لأنه لا يعقل أن يكون أفراد قسم العمليات الذين كانوا يتعاملون مع التظاهرات في السابق هم الذين ينفذون السياسة الجديدة) على حد قوله.
وبيَّن احتياج المرحلة الآن، وأكد بقوله (نحتاج لضخ دماء جديدة ويتم تدريبهم بشكل جيد، وإعطاؤهم جرعة كافية عن ثقافة حقوق الإنسان حتى يتم التوازن بين ما هو أمني وممارسة الحق الدستوري).

الإعلام هو السند الحقيقي للجيش
الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة؛ العميد عامر محمد الحسن؛ ابتدر حديثه قائلا : (ممنوع الاقتراب والتصوير) مقولة عفى عليها الزمن، فالتكنلوجيا الحديثة تجاوزت كل الحدود، ودخلت الغرف المظلمة، وأصبحت المعلومات شبه متاحة، ومع هذا لابد من بعض الإجراءات حتى لا يكون أمن الدولة على المكشوف.

ويضيف الحسن قائلاً:” لهذا فإن المعلومات بصورة عامة متوفرة في الوحدات الإعلامية بكافة الأجهزة الأمنية حتى نفوت لبعض أعداء الدولة من الخارج اقتناء المعلومات التي يمكن أن تهدد الأمن”.
وبيّن أن الأصل منع زيارة المناطق العسكرية إلا أن هناك بعض منها مسموح زيارتها ببرنامج محدد؛ مثل بعض مواقع التصنيع الحربي، مع تأكيده التام أن الإعلام هو السند الحقيقي للجيش من أجل تنوير الرأي العام بما يحدث.

ودعا الحسن الإعلاميين للتعامل عبر المنافذ الإعلامية للقوات المسلحة، وأكد أن هاتفه كناطق رسمي متاح للصحف الورقية والالكترونية ولكافة الأجهزة الإعلامية، موضحا أهمية الانفتاح على وسائل الإعلام في ظل العهد الجديد (ما بعد الثورة) من أجل تمليك المواطن المعلومة الحقيقية من المصدر؛ ولإزالة اللغط الذي كان موجودا في العهد السابق.
وقال إن القوات المسلحة تحترم الإعلام وتتعامل مع الصحفيين باحترام عال.

يجب إزالة التشوهات
عقيد بالشرطة – فضل حجب ذكر اسمه – أكد أن الشرطة محتاجة تغييراً جذرياً لإزالة التشوهات الموجودة؛ لأن النظام السابق أدخل السياسة والتحزب في كافة أجهزة الدولة الأمنية، من (جيش و شرطة وأمن)، معتبرا أن هذا خطأً فادحا، ففي كل العالم القوات الأمنية تتبع للوطن، بحيث تأتي الحكومات وتذهب ويبقى الجيش والشرطة والأمن للشعب.

ويقول: إن عملية التسييس هذه عملت خللا كبيرا جدا؛ يفوق تعامل هذه الجهات مع أجهزة الإعلام على حد وصفه، بل وفي التعامل بين أفراد الأجهزة الأمنية نفسها .

وذكر على سبيل المثال: دائما ما تجد أن الذي ينضوي تحت حزب المؤتمر الوطني له امتيازات وسلطات تفوق دفعته، كأن لا يتم نقله لمناطق الشدائد؛ في الوقت الذي يوجد فيه آخرون مكثوا سنوات عديدة بتلك المناطق، وهكذا.

وعرج المصدر بالحديث على تعامل أفراد الشرطة مع الجمهور بصورة عامة، وأوضح أن المنهج التدريبي بكليات الشرطة ومعاهد ومراكز التدريب يحتاج لتعديل واسع؛ يشمل في مجمله كيفية التعامل مع الإنسان في حالة تنفيذ القانون، أو في حالة اقتياده للاشتباه لتظل صبغة (إن المتعامل معه هو بشر) هي الطاغية؛ بغض النظر عن الهدف الذي من أجله يتعامل هذا الشرطي مع الإنسان؛ مذنبا كان أم متهما.

أما بالنسبة للصدام المتواصل بين الشرطة والإعلام، فهو يرى السبب أن أفراد الأجهزة الأمنية، تم تعبئتهم على أن الإعلام هو أداة لفضح القصور من الجهات الأمنية أو أداة لإثارة الذعر، أما الخوف الأكبر فهو من المسؤولين الفاسدين، وبالتالي فإنهم دائما ما يطلبون من رجال الشرطة بالبوابات للمؤسسات أو الأقسام التصدي للصحفيين؛ لعدم كشف ما يدور بالمؤسسات المعنية، وهذا يشمل (حتى رجالات الأمن الفاسدين)، لهذا أصبح سلوك، وترسخ في أذهان الإعلاميين أن أي فرد في السلك الأمني هو يحارب الإعلام ومن هنا جاءت الفجوة العميقة بين الجهتين.

وأكد العقيد أن الحل يكمن في إقامة ورش عمل مشتركة بين الإعلام والجهات الأمنية؛ تتم فيها مكاشفات صريحة ومناقشات جريئة بين الجانبين، ومن ثم وضع حلول وتوصيات تنزل لأرض الواقع ويتم تطبيقها، لكن أن تقوم الجهات المسؤولة بالشق الأمني بالاعتذار بصورة فردية لكل مؤسسة إعلامية تم تعرض مندوبها للإهانة من بعض أفراد الأمن أو تتم محاسبتهم؛ فهذا لن يكفي ولن يحل المشكلة للأبد على حد قوله.

الشرطة والإعلام توأمان
المدير الأسبق لإعلام الشرطة الفريق أول معاش طارق عثمان، أكد أن الشرطة جهاز لتنفيذ القانون وعلاقتها بأمن المواطن والوطن مباشرة، ودائما ما تسعى للقيام بواجبها بمهنية للمصلحة العامة والإعلام هو عين للمجتمع والمواطن، وتعتبر سلطة رقابة فهي السلطة الرابعة بعد السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية.

وبيّن أنه لن يكون هنالك تضارب؛ لو أن الإعلام تحرى الدقة والمهنية، وكان يقصد إبراز الحقيقة مجردة من غير تهويل، ويقول: للإعلام رسالة لا تستطيع جهة أخرى أن تقوم بها على الإطلاق”.
وعزا السبب الأول في الاختلاف مع الشرطة إلى أن الإعلام يقوم على الإثارة لأن الأخبار الباردة لا تجد رواجا، وهذه سياسات تحريرية معروفة كما ذكر.

وأكد أن الإثارة يجب أن تكون في حدود المصداقية، ويجب أن لا تكون في موضوع بني على مشاهدات غير صحيحة أو بونسة قاع المجتمع.

وأردف “إن الإثارة في المواضيع الصحيحة لا بأس بها، لأن عدم الدقة يسبب قلقا للمؤسسات الرسمية وللمجتمع أيضا”.

وأكد أن دور الإعلام مهم لا يقل عن دور الجهاز التنفيذي (الشرطة)، وكما هو مطلوب من الأجهزة الأمنية الدقة والمصداقية والتقصي، وكذلك مطلوب من الإعلام تحري الدقة لضمان جانب القانون والثقة من المجتمع.
وقال:(يجب أن تكون الشرطة من أقرب أجهزة الدولة للإعلام، لأنها لا تستطيع توصيل رسالتها من غير الإعلام، فاذا كانت واحدة من أهدافها التوعية فهي تحتاج للإعلام).

ودلل على أهمية الإعلام بوجود إدارات عديدة بالشرطة خاصة بالإعلام، ومهما كان مجهود الشرطة فهي لن تحقق أهدافها إلا بالإعلام.
وأوضح أن الخلاف يكون منطقيا إذا كانت الإثارة غير موضوعية، وأوضح أن الأخطاء الفردية لبعض منسوبي الشرطة يمكن معالجتها بالنصح والإرشاد، ويتم الوصول فيها لحلول.
ويقول إن الشرطة سلطة تنفيذية لذا يختلف الأشخاص في طريقة التنفيذ حسب سلوكهم الشخصي.
فإذا كان هنالك خطأ من صحفي؛ يجب أن يكون رد الفعل موازياً للفعل، وليس أكبر منه، أي على قدر الموضوع والحدث.

وأردف :(يجب أن يكون هنالك ترتيب بين الجهتين بما أن الرسالة واحدة وهي خدمة المجتمع، والإعلام له عدة طرق لتمليك الحقائق للمجتمع بالأخبار والتحليل ومسارات متعددة، للموضوع الواحد بجوانب متعددة، أما الشرطة فمسارها واحد دائما؛ بيان من الناطق الرسمي (حقائق فقط منعا للقيل والقال).
وأكد أنه لا يوجد تضارب بين الإعلام والشرطة حتى على المستوى الخاص، ونجد أن بعض ضباط الشرطة يكتبون بالصحف بصورة راتبة، وبعضهم يشارك في القنوات والإذاعات في البرامج السياسية والمنوعات.
وبيّن أن المجتمع السوداني بدوي بصورة عامة، وفيه التعالي وعدم تقبل الآخر، وبدأ العداء التاريخي تجاه السلطة في السودان منذ العهد التركي ومجابهة فرض الضرائب، وهكذا تكوّن عقل جمعي، ما زال متوارثا بين الأجيال الممتدة ليومنا هذا، فلم تستطع الأجيال أن ينتهي العداء بين الشرطة والمجتمع وعدم التقبل، إضافة للنظرة النرجسية لبعض المتواجدين في الأجهزة التنفيذية عند تطبيق القانون والإحساس بالكرامة أعلى من القانون.
المواكب

‫2 تعليقات

  1. تاس الشرطة يتعاملون مع المواطن بروح الانتقام و ما زال فى نفوسهم شىء من حكاية شفاتا و لا كنداكة جا ……. و كلنا راينا سلوكهم فى ميدان برى ايام الثورة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..