
اللغة العربية بحر عميق وعريض ومتداخل الأمواج أو المعاني ..لكل كلمة فيها مترادفات قد تعطي معنى واحداً وقد تتفرع لعدة مدلولات وإن تطابقت في الحروف المكونة لها !
كلمة حاشية وجمعها حواشي .. واحدة من تلك المفردات التي تتشكل منها جملة من المعاني البليغة لابد أن يأخذ منها الحكمة من حباه الله بالدربة على تملّك نواصيها الجامحة .
فهي تعني جانب الثوب أو غيره من الأغطية المطرزة أو الكابات التي تغطي الرؤوس.. وتعني أيضاً الحياة الناعمة كأن يقال عيش رقيق الحواشي .. كما وتعني اللطف في الإنسان فيوصف بأنه رقيق الحواشي وهي تعني ما يُكتب على طرف الكتاب من الشروحات والتعليقات ..وتعني صغار الجمال التي لا كبار فيها.. وتعني حاشية الملك أو الأمير أو أهل أي كبير أو صحبه المقربين من حوله وله سلطة بين قومه !
والعقلاء من كبار القوم يتمعنون في معاني الكلمة ليستدلوا بها على ثوب قشيب الحواشي يستر عورات زعامتهم بمعرفة قيمة الذات واصطفاء حميد الصفات..و يختارون عبرها ما يعتمرونه فوق الرأس ما يقيهم حرارة الغرور الذي يذهب العقل فلا يطيش منداحا في هوى الأمارة بالسوء بلا كوابح !
و بالتالي يتخير لنفسه نهج الرقة في قبول المناصحة باللطف وتمعن الفائدة دون أن يزجر بخشونة القول المخلص فيه ويقرب ا لمنافق المادح له بما ليس فيه من محاسن .
ومن ثم يوفر رقة حواشي العيش لمن يعولهم حقيقة أو حتى مجازاً قبل أن يسرقه زمن الزهو بسلطانه في غفلة الإنسياق بتزلف الذين يرسمون له في بطون الكتب ما ليس في حواشيه من ملاحظات الواقع المعاش عند الرعية وشروحات أصوات المصارين الخاوية و الأجساد التي يفتك بها المرض مستنجدةً به من تحت أعمدة البرج العالي التي تحجبه حواجزها عن سماع تلك الصرخات وهي تتضاءل من شدة الرهق فتغدو أنيناً تمنعه حشوة السوء ات من أن يخترق تلك الجدران السميكة !
ثم لابد أن يكون الكبير جملا هادئا وهو يخطر صبورا وحاديا معلما لصغار الحواشي التي تتبعه لتكبر في كنف أبوته فترسم لذاتها خطوطا لمستقبل المشوار من بعده إقتداءا بوقع خطاه الوئيدة .. لا أن يتبع هو رعونة هواها غير الناضج فتذهب به الى توهان المهالك في غابات الضواري الجائعة لكل من تأتي به خفة رأسه قريبا من مملكتها وهو مصير لا عودة منه الى مناخ القافلة البتة!
فالفرق كبير بين التمعن في عمق معاني تلك الكلمة المكمل لبعضه نسيجا بالحرير المصقول الذي يبقى متينا مع الزمن مهما تعاقب عليه و سارا لنظر الذين يحبون معتمر تاجه بصدق الولاء .. وليس بابتسامة الرضاء الصفراء بالعطايا..
وبين الحشو الذي يضخم ذلك المسخ المزيف بخيوط واهنة لن تلبث أن تتناثر من فوق الهامة الفارغة نفواً مع أبسط زفرةٍ حرى من أفواه الناقمين فتصبح مجرد شتات مهتري في قذارة زمانه يتناثر من فوق الرأس على وجه الكبير المخدوع .. فيثير عليه السخرية والضحك وأول الضاحكين الساخرين هم الأقرب اليه من المتملصين الذين إحتشى بهم بطنه النهم للمزيد من النفخ والذي يؤدي لا محالة لإنفجاره الكبيرفي خاتمة التمثيلية !
محمد عبدالله برقاوي
[email protected]
رائع برقاوي الحاشي احتشى بالحشو