مقالات وآراء

السيد الإمام.. إمَّا يَتصدَّر المشهد، أو يَهدِم المعبد فوق رؤوس الجميع

(١)
أصدر حزب الأمة بقيادة الأمام الصادق المهدي بالأمس بياناً شديد اللهجة، إنتقد فيه بشدة قوى إعلان الحرية والتغيير “قحت”، حيث وصف قيادتها بالمضطربة، وأن بعض مكوناتها لديها أجندة حزبية ضيقة، وخلافاتها حول الملف الإقتصادي لم يَعُد من الممكن إحتواؤها، وتناولها لملف السلام يتم من دون منهجية، ليَخلُص إلى أن الأوضاع أصبحت متردية، داعياً إلى تكوين مؤتمر تأسيسي جديد أسماه “مؤتمر القُوىٰ الجديدة”، تشارك فيه القُوىٰ السياسية والمدنية الجادة، وكل لجان المقاومة، من داخل وخارج هياكل قحت، لإنجاز مهام عاجلة، تتمثل في تكوين مفوضيات الوثيقة الدستورية، ووضع إستراتيجية جديدة لمفاوضات السلام، والإسراع بتكوين المجلس التشريعي، وإجراء الانتخابات المحلية فوراً، تعقبها إنتخابات المجالس التشريعية والولاة، ووضع قانون الإنتخابات العامة، وعقد المؤتمر الإقتصادي فوراً عبر الأسافير، والتوافق على دستور إنتقالي يحكم الفترة الإنتقالية. وختم البيان بتعليق الحزب لنشاطه مؤقتاً داخل قحت، مانحاً إياها مدة أسبوعين للإستجابة لمطالبه تلك، وإلا سيحدث بعدها الخروج الكبيرمنها، والطلاق البائن معها.
(٢)
حزب الأمة بهذا البيان يريد نسف كل ما تم تشييده من بناء سياسي، ووثيقة دستورية، تحكم إدارة المرحلة الحالية، وكأنَّه لا يتذكَّر المخاض الصعب الذي أفضىٰ لهذه الوثيقة الدستورية، وتكوين هياكل إدارة الفترة الإنتقالية!!. هل نسِيَ الحزب التجاذبات الكبيرة التي حدثت بين قحت والمجلس العسكري؟!، والدور الكبير الذي لعبته الوساطة الأفريقية في تضييق الفجوة، وتقريب وجهات النظر؟، والخطر الكبير الذي كان يتهدد البلاد من جراء الفشل في تكوين حكومة تَخْلُف النظام البائد؟؟!! ثم ما الذي استَجدَّ في طريقة عمل قحت حتى يصفها السيد الإمام بكل تلك الأوصاف؟!! فقحت منذ يومها الأول مليئة بالتجاذبات، نتيجة كثرة الأطراف المشاركة فيها، كما أن القاصي والداني يعلم أنها جاءت نتاج تحالف عريض لقوىٰ سياسية مختلفة، قادت النضال والعمل الثوري ضد النظام البائد، وبالتالي ليس غريباً أن تكون عملية إتخاذ القرار داخلها صعبة ومعقدة، والتجاذبات بين أطرافها لا تنتهي. كما أن وجود قُوىٰ سياسية داخلها تعمل لصالح أجندتها الخاصة أمرٌ غير مستغرب، كما أن آليات اتخاذ القرارات داخلها محددة ومعروفة لكل أعضائها، وتوزيع المناصب والمهام داخلها يتم بطريقة متفق عليها، تضمن تمثيل ومشاركة جميع من فيها. ثم لماذا لا يُغلِّب حزب الأمة روح العمل الجماعي، ويتسع صدره ويقبل بما يصدر عنها من قرارات، لا يستطيع أحد أن يدَّعي أنها تُحابي فصيلاً معيناً داخلها؟! ثم هل يؤمن السيد الإمام بعقلانية مطالبه تلك وقابليتها للتحقق؟! ومَنْ هي الجهات التي عناها في بيانه، ووصفها ب”القوىٰ السياسية والمدنية الجادة”؟!!! وكيف يمكن تحديدها والوصول إليها، ومن ثَمَّ إقناعها بالمشاركة؟ وتوافقها فيما بينها تالياً؟ وهل تتحمَّل البلاد تعطيلاً آخر لعمل الحكومة، إنتظاراً لنتائج مؤتمر لا أحد يعلم متىٰ وكيف سينقعد؟، والمدة التي سيستغرقها للخروج بنتائج؟ وكيف سترضىٰ عنها غَالِب القوىٰ السياسية والإنقسامات في الساحة سيدة الموقف؟!! دعوة السيد الإمام لمؤتمره التأسيسي هذا لا جديد فيها، فهو يدعوا بتلك الدعوة منذ أيام المخلوع، وكأن البلاد لم تندلع فيها ثورة عظيمة، استحدثت مباديء جديدة في العمل السياسي؟!! وبالرجوع لكل الأسئلة السابقة التي طُرِحت يتضح معنا أن هذه الدعوة غير عمليَّة، وغير قابلة للتحقق، وقد وُلِدت ميتة. إذن ما الذي استجدَّ وأخرج السيد الإمام من طوره، وجعله ينفث كل ذلك الغضب؟؟!!
(٣)
السبب الحقيقي الذي أخرج السيد الإمام عن وقاره، في ظنِّي، يعود لقائمة الولاة التي رفعتها قحت للسيِّد حمدوك مؤخراً، تمهيداً لإعلانهم حُكَّامَاً جُدُدَاً لولايات البلاد المختلفة، والتي لم يحصل فيها حزب الأمة على نصيب الأسد، مما جعله يَعُدَّها تجاوزاً لمكانةٍ مزعومة له في الشارع، مبنيَّة على نتائج آخر إنتخاباتٍ مُعتَرفٍ بها دولياً جرت قبل ٣٤ عاماً.. تصوروا!!. ومما يؤكِّد ذلك دعوةً صريحةً كان قد أطلقها السيد الإمام قبل عدة أشهر، خلال لقاء جماهيري له مع أنصاره في مدينة سنجة (كتبنا عنها وقتها)، طالب فيها صراحةً بإسناد منصب ولاة الولايات لحزبه، بسبب هذه الشعبية التي أشرنا إليها، كما ادَّعىٰ. الإصرار الشديد للسيد الإمام على أيلولة منصب ولاة الولايات لحزبه يعود للدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه الولاة في حشد الجماهير، وتجيير أو تجنيب أموال الدولة لصالح أحزابهم في أي عملية إنتخابية قادمة. مناصب ولاة الولايات هي آخر ورقة لعب عليها حزب الأمة بإستماتةٍ للفوز بها. فالجميع يعلم أن حزب الأمة منذ سقوط المخلوع وبروز قحت على الساحة، كأقوىٰ كيان مدني منافس للعسكر، سعىٰ لفرض نفسه كجسم سياسي مدني بديل، وذلك بمغازلته لحميدتي للإستقواء به، مروراً بتقديم نفسه لدول خارجية، عارضاً عليها التحالفَ معه، بدعمه مالياً وسياسياً، مقابل أن يحفظ لها موطىء قدم في سودان ما بعد الإنتخابات، بإعتبار أنه صاحب القاعدة الجماهيرية الأوسع، وليس إنتهاءاً بلقاءاته مع د. علي الحاج محمد، رئيس الإسلاميين الشعبيين، لبحث فرص التحالف والتنسيق بينهما. بعد فشل كل تلك المحاولات طَفَقَ السيد الإمام يدعوا لإنتخابات مُبْكرة في حال فشل هذه الحكومة، ولكن هذه الدعوة ارْتدَّت عليه، وجلبت له عاصفة من الإنتقادات والاستنكار، فرَضَت عليه عدم التطرق لها مجدداً، وإبقائها حبيسةَ صدرِه، عسىٰ الله أن يُقيِّضَ لها فرصة أخرىٰ مواتية. تلك المسيرة الحافلة بالفشل تُوِّجَت مؤخراً بهروب عصفور منصب الوالي من بين يديه، الشيء الذي أجبره على نفث كل زفرات غضبه في بيانه الأخير أول أمس.
(٤)
يتضح من كل ذلك وبجلاء أن الأجندة التي عَمِل عليها السيد الإمام منذ سقوط المخلوع هي أجندة حزبية ضيقة، ولم تكن في يومٍ من الأيام أجندة ثورة وثوار. يتأكَّد ذلك أكثر إذا علمنا أن سماحته لم تنبت شفتاه بكلمةِ نقدٍ واحدة – حتى لو تلميحاً – في حق عسكر المجلس السيادي، والجميع يعلم دورهم المُعرقِل لعمل حكومة د. حمدوك، بل لم يفتحِ اللهُ عليه ببيانٍ يستنكر فيه خروج مظاهرات الزواحف رغم جائحة كورونا، أو سعيهم الدؤوب في إفشال هذه الحكومة، بُغية إسقاطها. كما أننا لم نسمع له كلمة إشادة واحدة بالعمل الكبير الذي تقوم به حالياً لجنة إزالة التمكين وإسترداد الأموال المنهوبة.
(٥)
السيد الإمام الصادق المهدي يعلم في قرارة نفسه أنه الآن غير مُؤثِّر في المشهد، ولا يملك سِوىٰ سلطة إصدار البيانات والتصريحات بين الحين والآخر، كما أن الخيارات التي تتوافر له في حال نفذ تهديده بالخروج من قحت تبدو في نظري محدودة، ولن تُضعِف هذه الأخيرة، لأن حزب الأمة أصلاً وجوده داخل قحت ليس حاسماً ولا مُؤثِّراً، وخروجه لن يُضعِف شعبية قحت في الشارع، لأن الحزب أصلاً ليس له شعبية وسط أنصار الثورة وشبابها. لذا لا أعتقد أن حزب الأمة سينسحب من قحت بعد إسبوعين كما هدد، وسيبلع تهديده. وبيانه هذا، حسب ظني، ليس أكثر من غَنَج سياسي لنيلِ حصةٍ أكبر في توزيعة كيكة الولاة.
(٦)
الخيارات أمام حزب الأمة إذا نفَّذ تهديده تبدو منعدمة كما ذكرنا، لأنه لو إنسحب ماذا سيفعل؟ إذا إنضم للزواحف ستكون هنا نهايته، ولا أعتقد أن السيد الأمام – وهو السياسي العتيد – سيُقْدِم على خطوة كهذه. وحميدتي رفض الاستجابة لدعوات الإمام المتكررة له، وحسم خياراته. فضلاً عن أنه لا توجد منزلة بين قحت والكيزان حتى يشغلها حزب الأمة. فإذا حاول طرح نفسه أنه ضد قحت وضد الكيزان في نفس الوقت، فإن هذه المعادلة بدورها لن تستقيم، لأن الكيزان ساعتها سيؤيدون كل إنتقاداته لقحت، وسيُحسَب عندها إلى جانب الكيزان، حتى لو لم يُرِد ذلك. لذا أعتقد أن على قحت ألَّا تَزْعِج نفسها بهذا البيان، وأن تتجاهله تماماً، وأن تترك السيد الإمام يُقلِّع شوكه بيديه، وأن يجد لنفسه مخرجاً لورطته التي أدخل نفسه فيها، فهو السياسي المحنك، ويعرف كيف يفعل ذلك. كما أن فترة أسبوعين هي مدةً طويلة لكي تجري مياه كثيرة تحت الجسر، تُنسِي الناس بيانه هذا.
(٧)
تبقىٰ نقطة أخيرة لابدَّ من الإشارة لها، وهي أن السيِّد الصادق المهدي طوال تاريخه في العمل السياسي لم يستمر في تحالفٍ حزبيٍّ حتى النهاية، ودائماً ما يخذل حلفاءه، ويختطَّ لنفسه طريقاً فرعياً بعيداً عنهم، لذا أمر الإنسحاب هذا إِنْ تَمْ فلن يكون غريباً عليه.. والسلام.
علي مالك عثمان
[email protected]

‫3 تعليقات

    1. دعوة لكل الذين يعرفون ان الصادق هو اسوأ ما حدث في السودان … صلاة جامعة لكل السودانيين بغرض الابتهال الى الله..اللهم خذه اخذ عزيز مقتدر … اسهال يا رب خرصانة ما توقفو .. مؤكد الملايين ح يشاركو.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..