حُقوق المُعلِّمين

في مارس 2017 وبعد مُفاوضات طويلة استغرقت شُهُوراً قامت بها نقابة عُمّال التعليم العام، اقتنعت المالية بمنح المعلمين علاوة طبيعة عمل ولكن بالتقسيط المريح، لأنها لم تضمنها في ميزانية العام 2017، مع أن المبلغ يمكن لأيِّ قطة سمينة أن تنفقه على عيد ميلاد أحد الأبناء، رئيس النقابة حينها قال إنّ الاتفاق الذي تم مع المالية بعد ماراثون المفاوضات لا يرضي النقابة، ولكن بالنظر للواقع والمطلوب يبقى ما تم هو الأفضل، لأنّ النقابة تهمها منظومة الوطن والاستقرار، وناشد الدولة للاهتمام بالمعلم ومعاشه وتدريبه وتأهيله لضمان مُستقبل زاهر للبلاد.. مُناشدة رئيس النقابة تلك لم تجد آذاناً صَاغيةً لأنّها كانت مُجاملة منه، فهو يعلم علم اليقين أن الحكومة لا تَستجيب لمُناشدة أيِّ قطاع، وخَاصّةً التعليم لأنه ليس ضمن أولوياتها، بل تلك المُناشدة جاءت بنتائج عكسية، فخلال العام 2017 وحتى هذه اللحظة ما زال المُعلِّمون يجأرون بالشكوى إما بسبب تأخير المرتبات والاستحقاقات وصعوبة صرفها أو الاستقطاعات التي لم تعد عليهم بفائدة.
في منتصف شهر أبريل الماضي، نظّم المُعلِّمون وقفة احتجاجية لتأخير صرف مرتب شهر مارس، وخَاطبهم وزير التربية والتعليم ووعدهم بأنّ المرتبات ستصلهم في المدارس مُباشرةً، وتعذّر لهم بأنّ التأخير كان نتيجة لمُشكلة في الحوسبة، ولكنهم هددوا بالتصعيد إن لم يوفِ الوزير بعهده، وصرفوهم بعد معاناة.
اليوم ونحن نقترب من منتصف شهر مايو، لم يصرف المُعلِّمون مرتبات شهر أبريل، مرة أخرى نفّذوا وقفة احتجاجية، ولكن هذه المرة الحكومة مَن صعدت الأمر ضدهم، وقامت السلطات بالتحقيق مع عددٍ منهم لعدة ساعات ولا يزال آخرون رهن التحقيق كما نقلت صحف الأمس، اللجنة أدانت توقيف منسوبيها وهم يُطالبون باستحقاقاتهم الشرعية، ولكن خرجت النقابة تبرِّر وأرجعت التأخير لأسبابٍ فنية تتعلق بالحوسبة، والحوسبة لم تمنع كل القطاعات من صرف مرتباتها إلاّ المعلمين!! مع أنها عملية أسهل من التدريس بكثيرٍ.
الحكومة بدأت تشعر أن صبر المُعلِّمين قد نفد، وبدأت تُمارس معهم سياسة التخويف، فهي تريدهم ضعفاء لا يُطالبون باستحقاقاتهم إلا عبر نقابتهم التي قالوا عنها إنّها صورية لا تهتم بمصالحهم، وهي دائماً تُحاول تصبيرهم بأعذارٍ واهيةٍ مثل مُفاوضة المالية ومَشاكل الحوسبة وغيرها!! ولماذا الصبر على مُرتبات كل يوم تقل قيمتها في ظل الغلاء الذي يجتاح البلاد؟
لا أدري لماذا يتحمّل المُعلِّمون مشاكل التعليم والفقر لوحدهم ولديهم القدرة على تثبيت استحقاقاتهم، فهم من أكثر العُمّال عدداً وأهميةً وأثراً في الدولة، في كل العالم، المُعلِّمون هم الأكثر هَيبةً ومَهابةً، والسبب وراء ذلك هو احترام الحكومات للتعليم والمجهود العظيم الذي يقومون به، وهو ما لا تريد حكومة السُّودان الاعتراف به، ولكن يستطيع المُعلِّمون تلقينها الدُّرُوس والعِبَر..!
التيار