سحر الوثبة

مما لا شك فيه أن التحالف بين الشيخ حسن عبد الله الترابي عراب الإنقاذ وحزبه المؤتمر الشعبي مع نظام المؤتمر الوطني في أحسن حالاته وهذا الأمر جعل الساحة السياسية السودانية تشهد هدوء نسبي في الشهور الماضية خلي من التصريحات الإستفزازية والعنتريات (التي تحلت بها حقبة ما قبل خطاب الوثبة) وفتح المجال للحوار داخليا وخارجيا علي أوسع نطاق وقُدمت البرامج الحوارية في القنوات الرسمية والخاصة لمناقشة قضايا الحرب والسلام والإنتخابات والتحول الديمقراطي والدستور الدائم وملامحه وصيغة الحكم القادم وتجديد الترشح للبشير من قبل حزبه وإتفق جميع الفرقاء علي ضرورة التحول الديمقراطي للخروج من حالة البلاد المأزومة منذ أول إنقلاب عسكريفي عام 1958م وحتي يومنا هذا, وكان يمكن أن يصل بنا هذا التحالف الجديد الي درجة من درجات التغيير ترضي طموحنا ولو قليلا تصاحبها عملية إصلاح إقتصادي وهيكلة لأجهزة الحكم المختلفة وتحجيم لمؤشر الفساد وإيقاف الحرب .
لكن من الواضح نحن في وادي والنظام وأعوانه في وادي آخر فنحن ضد الشمولية أصالة وقناعة راسخة رسوخ شم الجبال وقبولنا للحوار كان من منطلق قناعتنا بالمثل الذي يقول (الكزاب وصلوه لبيتو) كما أنه كان برنامج تعرية للنظام و ضغط عليه لإجباره علي الإقدام لتقديم أكبر تنازلات من شأنها تجنب البلاد مزيد من الإحتراق .
أما التحالف الجديد فهو لا يملك رؤية علمية مدروسة لمستقبل البلاد وإنما جاء تلبية لأشواق منسوبيهم داخليا الذين بلغ الخلاف بينهم حد الإقتتال والإعتقال, وإستجابة لرجاءآت حلفائهم خارجيا خصوصا جماعات الإسلام السياسي والتي تري أن تجربة الإسلاميين في السودان ينبغي ان تستمر رغماً عن قناعتهم بفشلها ,إلا أن التحديات التي تواجههم في العالم اليوم تحتم عليهم جميعا العض عليها بالنواجذ وبزل الجهد والمشورة والدعم اللازم بغية التصحيح والتصويب والإصلاح الذاتي بالتوحد أولاً ثم كسر شوكة الأخر وصرعه في معتركات إنتخابية تكون نتيجتها محسومة مسبقا لصالحهم , ولكن عمليات التصحيح والتصويب والتوحد هذه تصطدم بجدارالتعنت والتشبس بالسلطة لآخر رمق من قبل الحاكمين , وغدا سينفض هذا التحالف عندما ييئس الشيخ الترابي وحزبه من إمكانية الإصلاح أو إحداث التغيير المنشود في البنية الحاكمة والعقلية التي تدار بها .
في الجانب الأخر إستفادت قوى المعارضة بتياراتها المختلفة من مناخ حريات الوثبة علي علاته وتحركت يمنة ويسرة وخلقت لنفسها فرصة للظهور من جديد خصوصا حزب الأمة القومي والذي يحمل راية إسقاط النظام بصورة سلمية حتي لا نُسلم البلاد لحالة مأساوية كحال سوريا أو الصومال فقد إستطاع أن يغالب مخاوفه ويتشجع ويقدم علي خطوة عملية في جانب التغيير وتوحيد المعارضة الوطنية بتوقيعه لإعلان باريس ثم نداء السودان بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا.
وعقب التوقيع علي إعلان باريس شهدت الساحة الإقليمية لقآت مكثفة لقوى المعارضة السودانية من من يقفون مع النظام أو من يريدون تصفيته وقد كسبت الجبهة الثورية حلفاء جدد جعلها تقدم رجلا وتؤخر الأخري في عملية الحوار مع النظام عبر تشكيلاتها المختلفة (قطاع الشمال وحركات دارفور) وتطرح أجندات أخري للتفاوض تتجاوز قضايا المنطقتين والصفقات الثنائية إلي رحاب أوسع وهي النظر في مجمل القضايا السودانية وأهمها قضايا الحريات والتحول الديمقراطي وإطلاق السجناء السياسيين و إيقاف الحرب , وقد جاء التوقيع علي وثيقة نداء السودان نتيجة طبيعية لفشل جولة المفاوضات وتوثيقا لوحدة المعارضة السودانية ويهدف هذا النداء إلي تفكيك دولة الحزب الواحد لصالح دولة المواطنة المتساوية والالتزام بإنهاء الحرب والنزاعات والاعتماد على الحل الشامل لوقف العدائيات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ثم إعتماد منبر سياسي موحد يفضي إلي حل سياسي شامل يشارك فيه الجميع كما يدعو لتشكيل حكومة قومية إنتقالية بمهام محددة.
ورغما علي أن النداء زعم أنه سيركز علي إعتماد وسائل الاتصال الجماهيري اليومي وصولا إلى الانتفاضة الشعبية إلا أن العمل العسكري سيشهد تزايدا في المرحلة المقبلة ,فالنظام الحاكم يرى أن نداء السودان اتفاق لا يقوم على رؤية أو هدف يحقق المصلحة الوطنية , ويعتبره مؤامرة خسيسة مدفوعة الثمن تهدف إلي تدمير الوطن بإشعال نيران الحروب من جديد وقد أعلن التعبئة العامة في البلاد وأصدر أوامره للولايات بفتح معسكرات الدفاع الشعبي وإعداد كتائب المجاهدين وذاد المجاهد, وقد شاهدنا مانشيتات الصحف تتصدرها أخبار الحشود العسكرية هنا وهناك وعادت أجواء الحرب تخيم علي راهن مشهدنا من جديد.
الوثبة كانت من ثمرات تحالف الرئيس البشير وشيخه الترابي فهل سينتهي سحرها هنا ؟وننحدر إلي هاوية الحرب مجددا ؟ أم في جُعبة هذا التحالف مفاجآت تقودنا إلي بر الأمان؟ إن الأوضاع في البلاد ملتهبة ولا تحتمل مزيد من الإحتراق والحرب الخاسر الأوحد فيها هو إنسان السودان لأن رحاها تدور فتتحول مناطق إنتاجه لمسارح عمليات وتكتظ المشافي بالجرحي والمصابين ويتحول كل مجهود البلاد إلي دعم وإسناد لجبهة القتال ونرجع من تاني لتقييد الحريات العام فتنشط مؤسسات الفساد العلني والخفي وتتضاعف معناناة الجماهير وتتسع دوائر الفقر والنزوح واللجوء ويصبح وطننا طاردا لإنسانه أكثر من زي قبل وتتولد أحقاد جديدة تمهد الطريق لمشروع تقسيم البلاد وحينها لن يكون هنالك لا سودان جديد ولا سودان قديم .
أحمد بطران عبد القادر
0912224887
[email][email protected][/email]