أخبار السودان

دراما المفاوضات وكفاءة الممثلين ..!

الدراما الفنية هي في النهاية خيال عاكس لما يدور ويجري في الواقع.. وقد تلجأ أحياناً للمبالغة في تصوير الحدث أو المشكلة حتى تقربهما من الحقيقة المعاشة الى ذهنية المتلقي .. سواء كان العرض عبر السينما أو المسرح أو الإذاعتين المسموعة والمرئية ..ومع أنها قد لا تطرح الحلول بصورة مباشرة ..ولكنها قد تعطى مؤشرات لها تجعلها ماثلة في متناول من بيده القرار على مستوى الدولة إن كانت عقدة وطنية أو سياسية أو نزاعا أياً كان شكله حدوديا أو احتراباً أو في حدود المجتمع إن هي من قبيل المشكلات الإنسانية بصورة أعم .
وما يجمع بين الدراما الخيالية في أوجه الشبه العديدة وبين مفاوضات الحكومة الحالية والمعارضة بصرف النظر عن مسمياتها المختلفة ومراحل تفاوض الطرفين على مدى سنوات التقارب والتباعد بالفشل التام أو النجاح النسبي .. أن لكل منهما كاتب ٌ وقصة و حبكة سيناريوهات ورؤية مخرج و حشد ممثلين يسعون الى تجسيد الأدوار المرسومة لهم في البحث عن الإثارة !
لكن الإختلاف بين ما يجري في دراما العمل الفني و بين دراما وفد الحكومة السودانية والوفد المقابل من طرف نداء السودان في الجولات المتعثرة أو الواقفة عند عقبة الخلاف حالياً.. ان الأولى ينتقي لها المخرج كوادر من الممثلين المتكافئين في الخبرة والقوة والكارزيما النجومية المقنعة للمشاهد والتي تحقق بالتالي النتائج المرجوة من العمل على المستوى الفني المعنوي وما يكون مربحا بعد تغطية تكلفة الإنتاج المادية ومن ثم خلوده في أرشيف التاريخ .. فمثلا لو أن مخرج أحد الأفلام القديمة قدجعل من البطولة لفريد شوقي وفي المقابل له كخصم بدلاً عن محمود المليجي كان الضيف أحمد ذلك الممثل الذي لا يزيد وزنه عن أربعين كيلو ليتعارك مع وحش الشاشة لتحول الفيلم الى استعراضي بايخ أو لو أن من قام بدورالخصم مقاتلا لفريد كان اسماعيل ياسين لأصبح شريطاً هزلياً قد يُضحك الناس على سذاجة المعالجة !
فبطولة عرض قوي وجاد الفصول تتطلب وجود
رشدي اباظة و يقابله توفيق الدقن مثلاً.. ولا يعقل أن يكون من يقارعه في مراحل الصراع المختلفة الفنان الذي لا يخجل من وهنه ورقته عبد السلام النابلسي !
وذلك حتى تصبح المعادلة مقبولة من حيث تجربة الفنانين الكبيرين ومقدرتهما على التفاوض ولو بعضلات الجسد في الميدان ..أو بصراع عقلية وجوب الحصول على أكبر قدر من المكاسب برفع سقوفات المجاذبة في مجالس الوساطات للوصول الى الحد الذي يفكر فيه كل طرف من زاويته !
بالتأكيد لا نتمنى أن يعود بنا الزمن الى نتائج إتفاقية نيفاشا الكارثية .. لكن ولو تناسينا ذلك الجرح .. فلابد من الإعتراف بأن مصدر قوة تلك المفاوضات كان في أنها تمت بين الرؤوس الذين حشدوا حولهم من المستشارين المختصين في وضع السيناريوهات وفقا لما أراده الكاتب وخطط له المخرج ..وكان من قاموا بدور الممثلين فيها على قدر من التكافؤ وظيفيا و قدرة على أداء الدور المرسوم لهم في مواصلة العرض بصورة مستمرة دون أن يغادر أيُ منهم موقع التصوير ..وهذا ما كان يشكل ذروة إهتمام المنتج بخروج الفيلم داوياً في كل دور العرض !
ولكن ربما كان موت الراحل جون قرنق بمثابة خيبة الجمهور على غير المتوقع حينما يُقتل البطل قبل نهاية العرض بدقائق ليخرج من يسمى بالخائن المقابل له منتصراً كما الخاسر تماماً !
الآن نجد أن ممثلي الحكومة على ضعف مستواهم في الخبرة التفاوضية وبغض النظر عن درجة رئاسة الفريق يراوحون عند تطويل المسلسل المكسيكي بغرض كسب الزمن على شاشات المشاهدة وفي ملل إنتظار النهاية .. بينما يسعى ممثلو نداء السودان استغلالاً لسعة تجربتهم في محاور التفاوض وخبرة المراوغة في ميادينها طويلاً هادفين الى حصد أعلى الأثمان مهراً لإيقاف الحرب و الحصول على التنازلات فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية ومن ثم الدخول عبر بوابة الحل السياسي الشامل سالكين الطريق الى موقعهم الذي يريدونه متميزاً في خارطة مستقبل السودان .. وهي معادلة تتطلب .. أن يكون البطلان على قدر قوة جيمس بوند في مواجهة ديجانقو .. وليس في هزلية مستر بن مقابل دهاء مارلون براندو الصارم في مجرد قراءة السيناريو .. ناهيك عن قبول الدخول الى موقع التصوير إلا بشروطه العالية التكاليف !
فقط هي وجهة نظر وقد يكون لغيري ما يخالفها في الرؤية النقدية لهذه الدراما المملة التي نتوق لنهايتها وفق لما يشتهى الوطن وليس لما يريده الممثلون فيها ومن ورائهم في حدود أهوائهم الذاتية الضيقة !

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. والشعب السوداني جمهور المشاهدين ..الذى يحسبونه جاهلا
    قطاع كبير جدا منهم .. يعلمون أنها تمثيلية كغيرها من
    فعاليات النظام ..النهضة الزراعيه .الطفرة التنموية ..
    القفزه التعليميه . المدينه الرياضيه . محاربة الفقر ..
    الخطه الخمسيه . البرنامج الثلاثي . الوثبة الحره ..التمويل
    الأصغر .. وكل صباح نفتح أعيننا علي تمثيلية جديده
    المصيبة أن كل تمثيلية أو فعالية لها ميزانية ملياريه حتي سفر
    أخوات نسيبه .. ما شاءالله إنفاق من لا يخشي الفقر
    والممولون . درداقات . طبليات .. ملاحات ..
    لك الله يا بلادي ..

  2. سينما اوانطه ، هاتو فلوسنا.
    هذا الشيطان الاسلامي راكب عسكري اهبل و هاك يا رغي في الفارغة عل الزمن يمضي بالحصان كما مضى بالعراب بدون محاسبة.

  3. أبو العفين ذكر أن المفاوضات لم تنته نهائيا يعني تاني ح يرجعوا يتفاوضوا , الحكومة أرادت التطويل والتسويف عندما رفضت مسار أن تكون الإغاثة من خلال دول أجنبية رفضت ذلك رغم أن هناك اقتراح ثالث أن يكون هناك مسارين للإغاثة مسار خارجي وداخلي .

    بعد عودة الطرفان للتفاوض ستقبل الحكومة باقتراح مسارين للإغاثة, لكنها سترفض مقترحات في قضايا أخري ثم يتم تأجيل التفاوض ثم يرجعون مرة أخري للتفاوض وهكذا….
    هذا المسلك من التفاوض يؤكد حقيقة الدراما المملة التي ذكرتها أستاذ برقاوي , هذه المفاوضات لا سقف لها وقد تتمدد لسنوات .من قبل علقت علي خارطة الطريق هذه وشبهتها بخريطة طريق القضية الفلسطينية الإسرائيلية التي لم تنته بعد منذ أكثر من عشرين سنة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..