التصريحات غير المسؤولة.. من يدفع الثمن؟
تصريحات المسؤولين في الدولة تعكس الرؤية الشخصية للمسؤول وتتسببب دائماً في بلبلة

ضعف التدريب الإعلامي لدى السياسيين يجعلهم يقعون في أخطاء كارثية.
تصريحات المسؤولين لابد أن تراعي الجانب القانوني وأن تكون منضبطة.
الخرطوم :ـ سيف جامع
برزت مؤخراً تصريحات وصفت بغير الموفقة لبعض المسؤولين بالدولة أدت بعضها إلى حالة احتقان، وانعكست سلباً على الأجواء العامة للبلاد، وتعتبر التصريحات الحكومية من أهم الوسائل المساندة لتعزيز الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي، وبسبب كثير من التصريحات اشتعلت حروب وتكبد مواطنون خسائر في الأموال، ومنها ما أدى لقطيعة دبلوماسية مع بعض الدول، كما حدث في النظام السابق حيث أشعلت تصريحات مسؤولين بتهديد المواطنين بقطع الرؤوس، وبما سمي بكتائب الظل في جذوة الاحتجاجات التى أسقطت النظام.
ومنذ تشكيل الحكومة الانتقالية صدرت تصريحات لمسؤولين قوبلت بالسخرية والنقد، وأثرت بعض منها على الأمن المجتمعي والاقتصاد الوطني، وأدت رسائل سالبة ومنها ما أدى الى خلق بلبلة وأسقطت أرواحاً بريئة ، آخرها تصريح عضو لجنة إزالة التمكين بشأن شحنة الأسلحة التي ضبطت بالمطار، والتي قال إنها تتبع للأمن الشعبي، الأمر الذي قوبل ببيانات مختلفة من جهات عديدة تؤكد صحة أوراق الشحنة وأن لا علاقة للأمن الشعبي بها.
طرحنا محور القضية حول (التصريحات غير المسؤولة وأثرها في أمن المجتمع والاقتصادي الوطني) على عدة مختصين .
إشكالية ضبط تصريحات المسؤولين
رأي بروفيسور عبدالمحسن بدوي محمد، الخبير الإعلامي أن الإعلام الحديث والرقمي أصبح محوراً أساسياً لمختلف القضايا خاصة قضايا الأمن المجتمعي والاقتصاد الوطني
وقال ل (اليوم التالي) هناك إشكالية كبيرة في السودان في مجال ضبط تصريحات المسؤولين في مجال الأمن المجتمعي والاقتصاد الوطني، مما يؤثر سلبياً على واقع الأمن المجتمعي والاقتصاد الوطني، وذلك لضعف الرؤيا لدى السياسيين بخطورة التعامل مع المعلومات الأمنية والاقتصادية لضعف التدريب للقادة السياسيين، وضعف الإلمام بمهددات الأمن القومي السوداني؛ حيث أصبحت مصادر المعلومات المفتوحة من أهم المصادر لأجهزة المخابرات العالمية، حيث يتم تحليل هذه المعلومات والتعامل معها بجدية.
فالتصريحات المرصودة وغير الدقيقة للمسؤولين مثلاً عن وجود مرض معين للماشية السودانية يؤدي مباشرة لإرجاع بواخر محملة ومكتملة الإجراءات الصحية مما يترك أثراً كبيراً على الاقتصاد السوداني.. فليس من حق المسؤولين ولا أجهزة الإعلام التقليدية والحديثة؛ نقل معلومات حساسة وخطيرة لها تأثيرها الضار على الأمن القومي السوداني تحت شعار حرية التعبير، وينبغي أن تكون هناك قوانين تحكم نشر الأخبار التي تضر بالأمن القومي والاقتصاد السوداني ولابد للصحافة المسؤولة تحقيق التوازن بين حرية النشر والمحافظة على الأمن القومي السوداني وأن تمتلك الصحافة السودانية التقليدية والحديثة الثقة بالنفس لتحمل المسؤولية الكاملة للمحافظة على أمن الوطن المجتمعي والاقتصاد الوطني.. وهنا لابد من تمليك الصحافة المعلومات الموثقة للتعامل( الإيجابي ) مع مهددات الأمن القومي السوداني حتى تستطيع الصحافة تطمين المواطنين وتقديم صورة متكاملة في مجال دعم الأمن المجتمعي والاقتصاد الوطني.. ومن المعروف أن هناك عملاً استخباراتياً كبيراً يسعى إلى تقسيم البلاد وإثارة النعرات القبلية وهتك النسيج الاجتماعي.. ولايوجد تخطيط إعلامي أمني لمواجهة هذا الإعلام السالب للمحافظة على الأمن المجتمعي السوداني.
ولإيقاف التصريحات السالبة للمسؤولين لابد من تنفيذ دورات تدريبية في مجال الإعلام الأمني والمجتمعي لكافة القيادات السياسية العليا، مع التنسيق التام مع القيادات الإعلامية لتنفيذ استراتيجية واضحة في مجال الحفاظ على الأمن القومي والاقتصاد الوطني السوداني.
لابد من مراعاة الجانب القانوني
ويقول القانوني والي الدين ابوستة المحامي إن التصريحات غير المسؤولة تؤثر في أداء الحكومات عموماً وقد اشتهر بها مسؤولو النظام البائد؛ مما أدى إلى احتقان في الشارع وقادت إلى سقوطهم مثل تصريحات علي عثمان عن كتائب الظل والفاتح عز الدين عن تهديده بقطع رقاب المعارضين وغيرها،
ويشير والي الدين ل (اليوم التالي) إلى أن التصريحات ينبغي أن لا تخرج من دائرة العمل السياسي وأن لا تكون مؤثرة في العمل السياسي والإداري؛ حتى لا تؤثر على الأمن القومي والاقتصاد الوطني والحياة الاجتماعية والسياسية
ويضيف ” نلاحظ أن بعد الثورة أصبحت تصريحات المسؤولين محدودة بالرغم من تعطش الشارع لها، لكن أيضا يجب أن تأتي هذه التصريحات مؤسسة تحمل رؤية المؤسسة، وليس شخصية وأن تأتي وفقاً لقرارات المؤسسات وتوجه الحكومة الانتقالية.
ويرى والي الدين أن مسؤولي الحكومة الانتقالية لم ترصد لهم تصريحات (مشاترة) ، لأنها لها ضرر كبير على سير الدولة، ويمكن أن تأخذ بعداً جنائياً على التصريحات ثم الحقوق الخاصة والأمن الوطني ، مثل تصريحات عضو المجلس العسكري الانتقالي السابق الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي وحديثه الشهير (حدث ما حدث) وهذا تصريح يمكن أن يصنف كمساءلة جنائية خاصة وأن هنالك حالات قتل واختفاء في فض الاعتصام، وهو في تلك الأجواء خرج بتصريحات للإعلام أدخلته في دائرة الاتهام.
ويشدد والي الدين بأن تصريحات المسؤولين لابد أن تراعي الجانب القانوني وأن تكون منضبطة وغير متفلته، وزاد: الحكومة يحسب لها لا توجد تصريحات متفلتة
” قد تكون هنالك تصريحات لمسؤولين في الحكومة الانتقالية محسوبة عليهم لكن لم تكن مهدداً للأمن القومي .
ناطق رسمي لكل مؤسسة،
ولعل عدم وضع توقعات لتصريحات المسؤولين تعتبر من أكثر المشاكل التى تحدث، لذلك يشدد الخبير القانوني وضابط الشرطة السابق العقيد عوض المفتاح أن أي تصريح لأي مسؤول يجب أن يسبقه مشاورات كثيرة وتمحيص، مؤكدًا أن التصريحات العشوائية هي السبب في الكثير من المشاكل والأزمات وانفلات الأمن وأدت أحياناً إلى إزهاق حياة الناس.
ويرى عوض مفتاح أن الحكومة يجب أن تكون منضبطة، ويكون هنالك ناطق رسمي واحد لكل مؤسسة لا يعبر عن رأيه وإنما عن المؤسسة، وأضاف ” لابد أن تكون هنالك قناة محددة لتصريحات.
وذكر العقيد المفتاح نماذج للتصريحات غير المسؤولة مثل تصريح عن شحنة السلاح تتبع للأمن الشعبي وأيضاً تصريح عن عدم حق الجمارك بالتخلي، بالرغم من أن الجمارك جزء من الشرطة ، لذلك يجب أن تأتي التصريحات متسقة مع بعض ومنضبطة، بعد مشاورة حتى تبلور رأي وتوجهات المؤسسة.
واعتبر عوض المفتاح أن كافة تصريحات المسؤولين في الدولة منذ النظام السابق وإلى حكومة الفترة الانتقالية تعكس الرؤية الشخصية للمسؤول وتتسبب دائماً في بلبلة.
وأوصى العقيد المفتاح بإنشاء منصة موحدة للتصريحات الحكومية حتى تتبلور تصريحات المسؤولين وتأتي منسجمة مع بعضها.
خسائر فادحة ..
ويبدو أن التصريحات التى يطلقها المسؤولون ذات تأثير سريع على الاقتصاد وقطاع الأعمال، كما يقول حسن خضر البدوي صاحب شركة ناشئة ومقيم بالولايات المتحدة الأمريكية حيث يقول: منذ فترة أتابع آراء الحكومة حول الإصلاح الاقتصادي خاصة المتعلقة بالإجراءات الحكومية لقطاع الأعمال، وينوه حسن إلى أن أي صاحب مشروع يخشى تدهور الأوضاع، والتى تبدأ بتصريحات المسؤولين التى تؤجج أحياناً الوضع بدلاً من تحسينه وتهدئته ، ويشير البدوي إلى أن أقوال المسؤولين يمكن أن تتسبب في انهيار أعتى الأنظمة الاقتصادية، كما يمكن أن تهبط بالبورصات إلى أدنى المستويات وتسبب خسائر فادحة ، لذلك يجب على الحكومة أن لا تطلق تصريحات غير مسؤولة ما لم يكن هنالك أدلة وحقائق للمعلومة التى تعلن للرأي العام.
ظاهرة واسعة الانتشار..
أما المراقب السياسي والقيادي بتنظيم شركاء التغيير محمد يوسف فيقول: إن تصريحات المسؤولين غير المتوافقة تعتبر ظاهرة واسعة الانتشار وليست حكراً على بلد معين، وكما هو الحال في السودان هناك تصريحات كثيرة تبدو غير موضوعية وتجافي الكياسة والمنطق وربما تسببت في خلق شرخ كبير بين المسؤول والجمهور، قد تكون أسباب تلك التصريحات مرتبطة بعدم القراءة الجيدة للمشهد وعدم فهم المسؤول لطبيعة الجمهور المستهدف أو تفاصيل القضايا محل التصريح، كذلك تشير هذه الظاهرة لغياب المهنية في المكاتب التنفيذية و الإعلامية والاستشارية المعنية بصياغة الخطب أو التصريحات مما يضع المسؤول أمام اجتهادات وارتجال العبارات غير الموفقة، وأضاف ” تحتاج هذه الظاهرة لمعالجات قوية ذات علاقة بالتدريب و التأهيل، وكذلك تجويد الاستشارات وتفعيل دور الكوادر المساعدة في التحري والتدقيق في الموضوعات وقياس أثر الخطاب وتوقع تأثيراته على الجماهير، وذلك سيساعد على بناء جسور الثقة بين الجمهور والمسؤول وتمتين مستويات التواصل
(مشاترة) المسؤولين.
وفي ذات السياق يقول الكاتب الصحفي الطاهر اسحق الدومة في هذا الإطار تظل التصريحات غير المسؤولة مكان استفهام، وتحتاج إلى فهم بغية الوصول إلى الحقيقة.. في ما تم من تصريحات غير موضوعية او غير مسؤولة لأن ضبط الخطاب الإعلامي يبدأ من أفواه السياسيين وخاصة القيادات الحزبية وبعض الوزراء لأن الجماهير ما عادت كما كانت سابقاً في عهد الحكم الشمولي باعتبار أن المعلومات متاحة ولاتحتاج إلى توصيف (اشتر) من. بعض السياسيين الذين يتعاطون مع الإعلام بغير منهج محدد..
اليوم التالي
المشكلة ليس في المعنى المباشر الذي يرمى اليه المسؤول عند تصريحه بل ايضا في الدلالات غير المباشرة للتصريح، مثلا في موضوع شجنة السلاح يشير وجدي صالح الى أن لجنة التمكين قدمت معلومات للجمارك عن أنه ستصل شحنة بتاريخ كذا بالخطوط كذا تحمل اسلحة.
بالطبع هو يهدف لمخاطبة العامة بأن اللجنة ذات قدرات خارقة ولا محدودة، ولكن حين تحلل الموضوع فإن الاستنتاج الذي يبرز للمراقب أنه تم استبدال جهاز الأمن العام للنظام البائد بهذه اللجنة لتي خرجت من اطارها القانوني والدستوري، فهي تحقق مع الناس وتعتقلهم وتحاكمهم وتصادر الممتلكات وترفت الناس من وظائفهم وهي تطارد سماسرة الدولار وهي تفض المظاهرات وهي تقوم بدور المخابرات بجمع المعلومات وتقوم بدور الحكومة والجهاز القضائي باعطاء التعليمات للدوائر الحكومية و بأن تفعل او لا تفعل كما حدث مع الجمارك والذي كان مستفزا للجمارك وتدخلا سافرا في سلطاتها مما اضطرها لاصدار بيان بشرعية الشحنة وبتخليصها رغم خطاب اللجنة لهم لأن خطاب اللجنة اضافة كونه غير مؤسس فهو يمثل تدخلا سافرا في اختصاصات الجمارك كما اته لا يدخل في اختصاص اللجنة..
السفراء والدول الاجنبية ترصد وتحلل ذلك وتقيس به مستوى المؤسسية في السودان.