منع التسلل

حروف ونقاط

منع التسلل

النور أحمد النور

يبدو أن عجلة الساعة السياسية ستعود أكثر من ثلاثة أعوام إلى الوراء عندما رفضت الحكومة بشدة نشر أية قوات أممية بدارفور، واعتبرت أن باطن الأرض خير في حال حدوث ذلك،وفي نهاية العام 2007 أصدر مجلس الأمن قرارا بنشر قوات افريقية ودولية مشتركة في الإقليم «يوناميد» تحت الرقم 1796،وذلك بعد شهور من الجدل والملاسنات الساخنة بين الخرطوم ودول غربية.
وفي 29 يوليو الماضي، اصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بالإجماع تحت الرقم 2003 ، بتجديد ولاية قوات «يوناميد» لسنة إضافية.
لكن قرار تمديد القوة لم يكن هذه المرة روتينيا وإنما حمل إشارات عدة، فأشار في ديباجته الى أن ولاية البعثة تشمل معالجة التحديات في كل السودان مما يتجاوز نطاق ولاية البعثة، ويتيح لها العمل خارج دارفور، ويبرر القرار ذلك بأن النزاع الذي يقع في أية منطقة من السودان يؤثر على المناطق الأخرى في البلد وعلى المنطقة الأوسع نطاقا.
ويحث على التنسيق الوثيق بين بعثات الأمم المتحدة في المنطقة، بما في ذلك العملية المختلطة، وقوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي، وبعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، وهذا يعني عمليا تكامل البعثات الدولية واستيعاب حتى قدرات وبعض عناصر قوات حفظ السلام الدولية «يونميس» التي انتهى تفويضها في السودان، الأمر الذي يمكن أن يحمل على الاعتقاد بأن «يونميس» خرجت من باب الخرطوم وعادت عبر شباك دارفور،كما أن هذه الفقرة من قرار مجلس الأمن الجديد ترجح تذويب الصبغة الأفريقية لقوة «يوناميد» وتعلي أصحاب القبعات الزرق،وتوسع تفويض البعثة مما يتيح لها استخدام القوة تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حماية المدنيين تحت لغة مطاطية ومعممة بعد أن كان البند مقصورا على الدفاع عن النفس.
وحق للحكومة أن تقلق وترفض تغيير تركيبة وتفويض البعثة المشتركة في دارفور «يوناميد»،ولكن من غير المفهوم أن تتحرك الخرطوم بعد فوات الأوان وتستخدم لغة التهديد والوعيد بعد أن «وقع الفأس على الرأس» ، وحتى بيان الخارجية صدر بعد أربعة أيام من صدور القرار،فمنذ شهور كان معروفا بل ومشاعا في الأوساط الدبلوماسية وفي أروقة المنظمات ومجلس الأمن مشروع القرار ومضمونه ونوايا دول غربية، خصوصا بعد ما تمسكت الحكومة بعدم تمديد مهمة «يونميس» ولو جزئيا في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق،وبدا كأن الخرطوم تفاجأت بالقرار الأخير أو أنها لم تتحسب ولم تعمل لقيادة حملة دبلوماسية وإقناع حتى أصدقائها بتعديل مشروع القرار في مجلس الأمن، لذا صدر بالإجماع ولم تتحفظ الصين أو تمتنع عن التصويت وهو الموقف المفضل لها لتجنب أي حرج يضعها في مواجهة مع الدول الغربية.
والقرار 2003 أيضا شمل فقرات تضع السودان في الواجهة الدولية وتحت ضغطها وسيكون له ما بعده لأنه عكس صورة سالبة عن الأوضاع في دارفور عندما أعرب مجلس الأمن عن قلقه الشديد من تدهور الوضع الأمني في بعض أنحاء دارفور، بما في ذلك ما يحدث من انتهاكات لوقف إطلاق النار وهجمات على أيدي مجموعات المتمردين وقصف جوي من جانب حكومة السودان، والاقتتال بين القبائل،واستئناف الأعمال العدائية بين القوات الحكومية وقوات عبد الواحد محمد نور ومني أركو مناوي وخليل إبراهيم، وشنّ هجمات على العاملين في مجال المساعدة الإنسانية وعناصر حفظ السلام، مما يعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق النزاع ، وأقّر أيضا أن الحالة في السودان تشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين.
ويعزز ما ذهبنا إليه تصاعد الحملة الإعلامية عن السودان في الإعلام العالمي الذي يشكل الرأي العام الدولي ويمهد لأية خطوات من المجتمع الدولي،وقد صدرت الأيام الماضية مواقف غربية متشددة من الولايات المتحدة وفرنسا والمنظمة الدولية بشأن ما جرى في أبيي،وما تشهده ولاية جنوب كردفان من مواجهات مسلحة منذ يونيو الماضي، وسيجتمع مجلس الأمن اليوم لمناقشة تطورات الأوضاع في أبيي وحتى أن لم يصدر قرارا أو بيانا رئاسيا فإنه سيعزز الصورة السالبة عن السودان في المجتمع الدولي هذه الأيام،مما سيضع البلاد في وضع لا تحسد عليه،والمخرج ليس في إطلاق التهديدات والبحث عن حلول في الخارج وإنما عبر توحيد الجبهة الداخلية بمشروع وطني يبني سياجا قويا، ومنع التسلل إلى بلادنا تحت مبررات وذرائع نصنعها بأيدينا ونعجز عن معالجتها.

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..