مقالات وآراء

يا حليل القزاز وزمن القزاز

سيف الدين خواجة 

كانت أصوات الباعة المتجولين في الأحياء في عقود الزمان جزءا من ترنيمة الحياة والموسيقى اليومية ، أيام كانت الأشياء الحديثة والبلدية مجلوبة على الدواب والعجلات ، تطوف الشوارع بأصوات جميلة ، وصادحة بأشعار مختلفة ، موزونة في أغان شعبية ، تعطي الشوارع الحيوية والنشاط بأصوات عصافير في حديقة الحياة ، هذا يصدح بالدندرمة ، وهذا بالباسطة بالكيلو ، وذاك يغني بالترمس والكبكي ، مشهيا الأطفال والصبايا ليتبرجوا بالشوارع باريحية وبساطة ، خلابة ، وآخر يغني بالحرجل وثالث بالمحريب ورابع باللي معاه قزاز أيام كانت فوارغ القزاز كثيرة ومتعددة الأصناف والأحجام والأطوال بل والألوان والأشكال ، قبل أن تحل العلب الحديثة محلها ، فقد كانت المياه الغازية والمشروبات الروحية جزءا من توقيعات الحياة خاصة في ليالي الخميس والعطلات والرحلات الشاطئية  والأفراح بألوانها المختلفة، وكانت من التفاصيل المصاحبة للأعراس والولائم ، أعجب ذلك المتدينين أم لم يعجبهم ، وكان الكل في النهاية منسجما مع الكل .
كانت تلك الأصوات البديعة الترنيم ، كأنما لكل صاحب حنجرة مدرسة خاصة متنوعة الأغراض ، تتفق في تسليع الأشياء والقابلية للبيع والشراء  لربات البيوت ، وللاطفال  والأغراض المنزلية ، تحت الشمس ..
وهذه الأصوات مع الحركة والجلبة التي تحدثها في الشوارع تكسب الشوارع أنسا أليفا وأمنا اجتماعيا لا يكلف الدولة شيئا ، حيث لم يحدث أن حدثت جريمة في وضح النهار ، وكان ذلك من المنافع التي لم نحس بها ونحن الآن في أمس الحاجة مع تطور الجريمة تبعا لتطور الزمن !!! .
كانت ليالي الخميس والأعراس والقعدات الشللية هي الأغزر في إنتاج فارغ الزجاج خاصة المشروبات الروحية التي كانت لها مصانعها بالبلاد إضافة إلى المستورد منها الذي كان بابا للضرائب في زيادات المالية من جمارك ورسوم إنتاج وضرائب ورسوم أخرى بدلا من وقوعها علي ضرورات المواطن الأساسية ، ربما كان هذا من منافعها القليلة غير الظاهرة وغير المباشرة ، ربما هذا غير منظور للعامة  وغير العامة هذا الدخل ظل للجوالة ، ولبعض ربات البيوت موردا ثابتا خاصة للمدمنين على كثرة القعدات في بيوتهم ، وكانت هذه الأسر ، تعتمد كثيرا على ذلك ، ومن بين هذه أسرة قادمة من شمال الوادي ، استوطنت مدينة بورسودان أيام كانت زهرة المدائن ، والرزق فيها وفيرا ، وكانت جدة الأطفال تحرص علي جمع الفوارغ ، وبيعها ، وتدخر هذا المال لبعض حاجتها الخاصة بها وللأطفال وكان كثيرون يقول : والله حمارة صاحب القزاز من الألفة ، بقت تمشي لوحدها دون أن يوجهها ، بل بعضهم يبالغ بأنه لو غير إلى دراجة أو سيارة لفعلت ما تفعله الدابة ، لكثرة التردد والألفة والحميمية للرزق ، إلا أن للزمن أحكامه ، إذ أن رب البيت تاب وأناب إلى ربه ، تاركا أيامه تلك خلف ظهره ، فانقطع رزق حماته ، فإذا موسيقى وترنيمات صاحب الفوارغ تردد سيمفونيته العذبة ، فما كان منها ، وهي تتمتع بخفة الروح والدم المألوفة، إلا أن وقفت في الشباك ، وصاحبنا يردد (المعاه قزاز) ، فردت عليه ساخرة وبأعلي صوتها حتي سمعها ، والجيران مما أضحك صاحبنا ، وهي تقول : آه الله يرحم الازاز وايام الازاز ،  منين يا حسرة الرجالة دخلت الجوامع ومشت الحجاز ، فصارت في الحي مشهورة  بهذه السخرية  كثيرا ، يداعبها بها الناس ، وهكذا تداولت الايام فاختفت هذه المهن ،  وأصبح المجتمع بالشوارع نهارا خاليا من ترانيمه ، وصارت الجرائم تقع في رابعة النهار ، فصرنا مجتمعا يأكل بعضه بعضا ، دون إنتاج ولا عمل وأطلت مهن هامشية أخري مستجدة ، أثرت علي البيئة والمجتمع بسلبيات لا حصر لها ، فيما يردد من شهد الماضي : أين الدندرمة ؟ أين باسطة الكيلو ؟ وأين وأين وبتأوه أبناء ذات الحي قائلين : ياحليل الازاز وايام الازاز)!!! .

‫10 تعليقات

  1. القزاز صار يأتينا مصنعا من المحروسة ربما من رمال سودانية ومعه عمله مزيفةلشراء منتجاتنا الخام.

  2. 1 سيف الدين خواجة والحنين الي:
    اصوات النوستالجيا:
    – المعاه قزاااز!
    – خضاار (مع ذكر كل ما على الكارو من أصناف الخضار واحدا بعد الآخر)
    – سمك طااازج (بلطي…بياض؛ على الكارو، على الواح الثلج، مغطاة بالخيش المرطب)
    – أصلح سرااير!
    -أنجد مرااتب!
    ٭صوت عربية البيبسي كولا/ الكوكا كولا/الدبل كولا/الشيكان كولا/الفانتا/الحرية/البزيانوس… البيع بالصندوق، تسلم الصندوق بالزجاج الفاضي (الما مترم) تستلم الصندوق المليان، وتدفع
    ٭ صوت/بوري عربية الداندرمة
    ٭صفارة بائع حلاوة القطن
    ٭ترمس ترمس كبكبي
    ٭صوت موتر (ركشة) غاز للبوتوجاز
    ٭صوت موتر (ركشة) لبن كافوري…(يسمعه فقط من يستيقظ مبكرا…إذ يتركون قزاز اللبن المليانة على عتبة البيت، ويأخذون الفارغ ويذهبون
    الخ…(قائمة غير مكتملة)
    2 أرجو أن تتحفنا بمقالة نوستالجية أخرى عن “روائح كانت تداعب أنوفنا ثم غابت” عن العاصمة/بوتسودان
    دمت وشكرا

    1. سوداني انتم جيل النخب الفاشلة مع خواجة الخواجات تركوا دولة بكل ملامح الدولة الحديثة و جئتم بتخلفكم كما الجراد و قضيتم على الاخضر و اليابس و بقيتم في حديثكم المجوج عن الزمن الجميل يقودكم الوهم عبد الله علي ابراهيم.

  3. طاهر عمر لا ترمي ساكت نبرا ونستبرا مما رميتنا به كانت هذه حركة الحياة الكادخة تماما اما كيف ضاعت اسال الساسة الذين اوردونا موارد الهلاك بتطبيق نظريات ووهم هم منةضيعونا انا منذ 40سنة مهاجر ولم اعد الي الان واعطيت بلدي زهرة شبابي وخقها ونميري وعد بتصدير فصدرنا المحنة اكبر تتلخص في اننا لا نملك مشروع دولة بهوية جامعه من الاستعمار دخلنا الي الصراع السيلسي بغير مشروع دولة وهو ما يبحث عنه شباب الثورة الان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..