مشكلة الإقتصاد السوداني – هل هي أزمة مالية أم سياسية؟

بما ان أن الواقع التي تمر به بالبلاد والحالة البائسة التي تعم ارجاء الوطن من اوضاع اقتصادية سيئة وعدم وجود رؤية واضحة تشير الي نهاية هذه الأزمة، فانها هي ليست المرة الأولي التي تمر بها البلاد اذا رجعنا الي الماضي الحديث وليس البعيد وتحديداً بمجئ ثورة الانقاذ التي جاءت والبلاد تمر بنفس الظروف. وشعاراتها التي كانت توعد بانه سوف يكون هنالك مستقبل مشرق، فاذا به هذا المستقبل لم يتحول إلى حقيقة والتاريخ يعيد نفسه ويرجع نفسه إلي نقطة الصفر. والمشكلة تكمن ليس فقط في الشعارات والٱليه التنفيذية فحسب بل كيف سوف تتم العملية التحويلية، بالرغم من كل هذا الصبر الذي يتمتع به الشعب السوداني للأسف لم يحظي بالتحول الي الوضع الذي يليق به وبإمكانات البلاد ومواردها الغنية التي كان من الأجدر الأن أن تعمل بصورة فعالة وتحقق الثبات الاقتصادي.

لابد من توثيق بعض المشاكل التي بدأت منها متاعب البلاد والكساد وهي العقوبات الاقتصادية الامريكية التي جاء بها النظام ، والتي بموجبها كان الحل الأمثل في ذلك الوقت هو اللجوء الي مايعرف بالسوق السوداء أو الباطني. هذا وأن كان هو الحل في وقته آن ذاك فإنه كان قرار سياسي كارثي لأن السوق الموازي معروف بانه تنعدم فيه جودة العملية التداولية للأموال، لأنه يعتمد بصورة كبيرة علي اخلاقيات التجار في تحديد قيم إفتراضية ليس لديها أي إستناد مدروس،بالأضافة بأن السوق السوداء تنعدم فيها تماثل المعلومات لدي كل من اطراف التداول. ايضاً من الصعب جداً التاكد من ان القيم هذه صحيحة ام خاطئه لانه لاتوجد اي مرجعية رسمية . بالرغم من كل هذه السلبيات أدت السياسات بالأخذ به كأساس مالي لتداول العملة بغرض الاستيراد والعلاج وغيرها ، الي أنه أصبح عمل يومي مربح لبعض الفئات. فإنه لابد من توضيح ان الحال الآن هو سياق لعدم كفاءة النظام في وضع أساس مالي و فشل كلي يدفع ضريبة هذا الفشل هو الإنسان السوداني. فكيف يمكن ان نسق في قرارات سياسية خاطئة باعتبارها حل لأزمة مفتعلة من قبل النظام نفسه.

في ذات الخصوص بالرغم من سلبيات السوق الموازي هو كان حل للأزمة الاقتصادية في بدايتها بكونه جزء من مشروع الدولة الحضارية ، فهو في ذات العيار اصبح كيان مالي مهم في القاعدة المالية للبلاد ويوظف عدد ضخم من المضاربيين الذين هم يتمتعون بمناصب ذات أهمية أو من فئة التجار التقليديين. فبدلاً من إدارة شؤون البلاد ومواردها الأفضل لهم تحديد قيمة الصرف وجني الفروقات الربحية من وجهة نظرهم. حتي أصبح في حقيقة الامر أن السوق السوداء أقوي مالياً من البنك المركزي من ناحية توفر النقد الأجنبي. علماً بأن أساس الازمة أن البنك المركزي يعتمد على القليل من الصادرات والتي هي في عينها قليلة من ناحية الكمية والقيمة الاضافية وبالتالي قليلة الربحية، مقارنة بالربح الصافي لتجارة العملة في السوق السوداء الذي هو أقوي ربحية.

بما أن الاقتصاد الموازي أقوي مالياً وبعلم الحكومة فأنها كان لاينبغي ان تشن عليه حرباً من سياق التعويم ورفع سعر الصرف بصورة مباشرة في بادية الامر، ولو هذا صحيح منطقياً في حالة أن البلاد لديها صادر ونقد اجنبي كافي، لكن عمليا ًهذا ليس متوفر علي أرض الواقع فعليه كان ينبغي محاربة السوق الموازي فكرياً وتنافسياً وذلك بتقديم عروض أفضل ومن ثم قانونياً بمحاربة أركان الفساد. وبما أن السوق الأسود محمي ويصعب إختراقه بأن معظم التحويلات تتم باطنيا و تتم المضارابات بأسعار عالية مما يسهم في شح الأوراق المالية و إمتلاكها من قبل فئة ذات أقلية، من ثم بنك المركزي يعمل علي الطباعة لسد الحوجه وبالتالي تزيد اسعار السلع التي غالبيتها مستوردة من الخارج، ونسبة لعدم توفر الإنتاج الذي من خلاله يوفر سند يدعم العمله المحلية بالتالي يؤدي ذلك الي التضخم الذي بدوره يفيض ويصعب إدراكه. إستناداً علي الإجراءات البنكية في تحديد سقف السحب اليومي للعملاء فإنه ليس بحل جزري إلا وأنه إجراء قصير المدي لتحديد كمية الاوراق النقدية في البنوك ومقارنتها مع الكمية التي صدرت من البنك المركزي، وإذا وجدت أنها خرجت عن الدوره المالية و كانت النسبة عالية سيستوجب طباعة عملة ذات قيمة نقدية جديدة، فهل هذا الحل يسهم في وقف السوق السوداء يبقي هو السؤال، إلا وأنه يمكن القول بأن ذلك سوف يسهم في حل الأزمة النفسية وليس الإقتصادية الكلية.

إلا وإنها حزمة فأن السوق الموازي يسبب ضرر كبير للحالة الصحية المالية ومن انه عقبة في حد ذاتها، فالمهمة ليست تقتصر فقط علي السوق من الناحية التنظميه، لأن الحقيقة يجب أن تقال لإجراء برنامج إقتصادي لابد من توفير تمويل وفقاً لبرامج التنمية الاقتصادية الدولية والتي بدورها تتطالب باجراءات مسبقية، فهل يمكن للحكومة ان تتماثل مع هذه الشروط يبقى هو مربط الفرس، اذا كانت تهتم بالمواطن فيمكنها ولكن من الواضح هي لاتود وتفضل أن تجد طرق تمويل ذات طابع غير ممنهج مثل الودائع الاماراتية والقطرية والسعوديه، والتي هي فقط تخدم مصالح معينة ولاتهتم بالمواطن. الدليل واضح في اذا كانت هذه الدول تتهم في الاساس بالتنمية هنالك ضعف حاد في الانتاج المحلي و نسبة عالية من العطاله. المعلومة التي يمكن ان تكون غائبة علي المسئولين هي ان ما يتعلق بجلب الاستثمار الخارجي الذي يظنون بأنه سوف يكون حلاً للأزمة في ان هنالك توجد معايير تبين ما إذا كان الإستثمار ناجح أم لا. بعيداً عن غياب الحالة الامنية و المناخ السياسي والقانوني، للاسف الشديد بالرغم من ان البلاد لديها موارد الا انه لايوجد قاعدة استثمارية برنامجيه توضح اسس الاستثمار وكيفية دراسة المخاطر بالنسبة للمستثمر، في حالة الشراكة مع القطاع الخاص الذي من واقع الامر مجمل إستثماراته في مشاريع صغيرة وقصيرة المدي مما يصعب للمستثمر قرار الدخول في شراكات واستثمار أموال ضخمه. ومن الجانب الآخر الشراكة مع الحكومة التي هي فقط تتيح الارض والقليل من التسهيلات وعلي المستثمر ان يقوم بالمباني والتشييد والذي هو يعتبر في نفسه تكلفة عالية مع عدم توفر ضمانات لتقدير المخاطر المستقبلية المتعلقة بتقلبات السوق ، كل هذا يسهم بصورة سلبية في ان يكون السودان جازباً للإستثمار ذلك نسبة لعدم توفر البنية التحتية الأساسية والضمانات اللازمة.

في الخلاصة، بما ان البلاد تمر بأزمة كاملة الدسم ناتجه من الازمه السياسية التي هي ليست بالحديثة، والتي جاءت بخطاب هو غير مانعيشه الان من تجفيف لموارد البلاد، ومن أطماع تجار العمله الانتهازيين الذين هم اصبحوا الأن يتدفقون ثراء. فإنه يستوجب وقفه اخلاقية وإجراءات إقتصادية مبنية على أسس منهجية بعيداً عن الأطماع كبداية بأن يكون هنالك أمل لوجود حل لهذه الأزمة المالية والسياسية.
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..