الثورة ما بين كاب وبوت

بعد أحداث اليوم من عنف مفرط وغير مبرر تجاه مواكب الثوار ، و ترفع الدكتور حمدوك عن مقابلة الثوار في سلوك غريب ومعيب، وكأن هؤلاء الثوار الشعث الغبر لم يأتوا به محمولا علي عبارات( شكرا حمدوك) رئيسا للوزراء، مما أوضح بصورة جلية أنه منفصل تماما عن روح الثورة والثوار، وبعيد عن نبضها المستمر والمتواصل والحي، منذ ديسمبر 2018.
أداء د. حمدوك في مجمل العام المنصرم، كان ضعيفا وحكومته أضعف منه، وقحت الحاضنة السياسية إفتراضا ، أضل سبيلا منهما الإثنان، و التي ما فتئت تواصل في تقازمها وتشاكسها حول مغانم سلطة لم تثبت أركانها بعد.
أمام كل هذا التخبط المأساوي، صبر عليهم الشارع كثيرا متحملا العنت والمشقة والمسغبة، في ظل إستمرار الضائقة المعيشية، والقتل والإحتراب في الأطراف، وإنعدام الغاز والوقود والخبز، وانفراط عقد الأمن حتي في وسط الخرطوم، في ظل كل هذا، لم يبقي في كنانات صبرهم، ما يشفع له ولحاضنته المغلوب علي أمرها .
أما عبارات سنعبر وغيرها من خطب فارغة ما عادت تداعب وجدان الثوار، ولم تعد تجدي أو تنفع فقد بلغ الوجع حده الأقصي والأقسي.
إتضح جليا للشارع أن بريق السلطة مخيف وجاذب، لم ينجو منه في معارج التأريخ الطويلة والممتدة، إلا الصادقون مبدأ وفكرة وسلوك أمثال جيفارا، الذي بدأ ثائرا ولاقي موته النبيل ثائرا. وأضحي المغنم الذاتي والحزبي مقدم علي مصالح الوطن والشعب.
فرأينا في تداعي محزن، أن من كانوا بالأمس يتحدثون عن قيم النضال والثورة والعدالة والحريات من أبراجهم العالية، وبعد أن قبضوا ثمن تضحيات الشباب والكنداكات، ممن قادوا الثورة بصبر وجلد ومعاناة وتضحية وألم، يوما بعد يوم وشهر وراء شهر، فنهش الحكام الجدد لحمهم ولحم الشهداء، وجلسوا في وثير الكراسي وركبوا فاره السيارات، ثم سقطوا في مستنقع بيع المبادي في مزادات بريق السلطة الكذوب والزائل. إن هؤلاء سيلعنهم التأريخ، كما لم يلعن أحد قبلهم، لأنهم أضاعوا أعظم ثورة في التأريخ الحديث، لتنتهي ما بين كاب وبوت وما بينهما دموع ودماء.
فاروق عثمان.
[email protected]
اغسطس 2020