مقالات سياسية

عن الرحيل والعمل السري!

جابر حسين

المتفرغون…
هل هم حقا مختفون،
أم هم
كما اللؤلؤ كامنون
في الصدف؟
ينسجون من وسامة الرؤي
ومن محارق السهر،
في ليالي القلق الخلاق
والأشواق
والعشق
والأحلام،
خزف… خزف.
عقودا
وزهورا
وحياة.
أنها الآن تضئ
لامعة وباهية
في سيرة الوطن
وفي مسار مجد شعبنا
تحف … تحف!

2:
( سوداني )،
كان يتنزل في الحزب
لكأنه يهبط إليه من عل!
لا …،
ليس ( كجلمود صخر حطه السيل من عل )
بل،
مثلما تنزل ملائكة في الناس
وتأتنس!
حليما كما الحليب
ويخفي من القلب والخفقان
الوجيب!

3:
و … كم تدثر بالشموع يشعلها فتضئ
لا لكي ينام،
بل ليطبع ( الدورة )* و( الشيوعي )*،
يلخص الواجبات
يستخرجها، كعروق الذهب
وصايا العمل اليومي
ومرات يجد في ( الميدان )* إشارات
وعلامات
رؤيا ودروبا للغد
للنضال إذ يتعقد ويشتد
ثم يعود يتعالي ويمتد
فيكون الثبات!
لا …،
أبدا لم يكون في القديم من الحرس
بل تجده دائما
قويا
ساطعا ولامعا
وئيدا يسير سيره
لكأنه يلامس المطر
وفي مسيره يتقن الحذر
ناهضا،
وبيقينه الحزبي كله
يقرع الجرس!
صامدا كما الجبال شامخا
وهينا،
كما انسياب الضوء
وامتداده ساعة السحر!

4:
لآ،
لم يمت
أنه الآن الآن
في الحزب…
وفي ساحة النضال الحدس!
جرس
جرس
جرس!)*

عبد المنعم عبد الله فضل المولي، الذي أشتهر في الناس ب ( عبد المنعم سوداني )، ولم أعرف ( سر ) هذه التسمية، إلا إذا أولنا الأمر بنسبته إلي لونه! سوداني، الذي رحل عن دنيانا فجر اليوم الأحد10 /5 /2020م، من أبناء قرية طيبة الشيخ عبد الباقي بالجزيرة، لكن مولده الحقيقي كان في الحزب الشيوعي حين إنتمي باكرا للحزب وهو العامل النقابي الذي ظل، من بعد، مكرسا كل حياته بالكامل للقضايا الجليلة للطبقة العاملة وحزبها الشيوعي.

عندما بدأ الحزب في أنشاء ( جهاز ) متكامل للطباعة الحزبية والجماهيرية، ثم أعد العدة لإمتلاك مطبعة خاصة به، بمقدورها العمل في العلن وفي ظروف السرية معا، وبعد أن أستقر الأمر بصدد المطبعة، فشرع الحزب، حوالي 1965م، شرع في إعداد كادر سري مؤهل، لتشغيل الطباعة وأدارتها، فتم اختيار:

عبد المجيد بطران ومحمد محمود ( السنجك )، وإبراهيم زكريا، وعبد المنعم سوداني. وعبد الحميد علي، وسوداني هو آخر ذلك الرعيل الباسل من الكادر السري. (المختفين)، منهم من ذهب إلي مهمات حزبية أخري والقلة من بينهم من واظبوا علي العمل النضالي في جبهة الطباعة.

وهي من المهام الصعبة كثيرة القسوة علي ذلك الكادر البطولي. فعلاوة علي توفر الإنضباط العالي فيمن يتولي هذه المهام، عليه أن يتمتع بروح المسئولية والصبر علي الشدائد والمحن التي تعترض نضالهم اليومي، ثم لا بد من توفر روح اليقظة المستمرة والدقة في ملاحظة ظروف التأمين والحرص علي أدوات العمل السري إضافة إلي حماية الكادر نفسه وإبعاد عيون الأمن والعسس عنهم وعن اماكن سكنهم و( محطات ) عملهم. سوداني، ظل محافظا علي تلك المهام حتي رحيله المفاجئ. وقد تعرض إبان حياته لأطوار مؤلمة، كانت كفيلة بأن تجعله يبتعد عن مهامه الحزبية لولا عزيمته وصموده وشجاعته في تجاوز المحن التي ألمت به، فقد رحلت عنه زوجته الأستاذة … وأبنته خلال حوالي شهر واحد، ثم تعرض لحادث سير وأصيب بنزيف في المخ تعافي منه بمجهود مقدر من كادر الأطباء الشيوعيين والديمقراطيين، برغم ذلك ظل سوداني في الطليعة من كادر الحزب العامل في جبهات العمل السري وغيرها، دائم الحضور والتواجد بالمركز العام ملبيا، بروح ثورية وإخلاص عميق للواجبات التي يكلف بها. اختار سوداني أسم (الرشيد) أسما حركيا له طوال حياته الحزبية. وصدف أن كان هناك زميلا أخرا في الكادر المتفرغ يحمل ذات الأسم(الرشيد)، وهو الأسم الرسمي للرفيق الرشيد محمد الحسن، وللتفرقة بينهما في عمل الحزب، عرف سوداني ب (الرشيد الكبير)، والرشيد محمد الحسن ب (الرشيد الصغير ).

في أحدي مراحل النضال تعذر عمل مكتب الطباعة المركزي بالخرطوم، لظروف التأمين وغيرها، فتم تكليف (الرشيد الكبير) لينضم إلي ( الرشيد الصغير ) لتشغيل عمل ومهام الطباعة من ودمدني.وقد تم هذا العمل بإمتياز وقدرات فنية وتأمينية عالية، وظلت أعمال الطباعة من هناك حتي توفرت الظروف وعاد مكتب الطباعة ليباشر مهامة من المركز بالخرطوم.

* ظل سوداني وفيا ومخلصا لمهنته الحزبية ومهامها، لكأنه لا يري في الدنيا غيرها، شرفا قد ناله منها وحياة ذات جدوي، فجعل كل حياته وقفا علي خدمة حزبه وقضايا الطبقة العاملة، وفي المهنة والواجب الذي عرفه وأتقنه: الطباعة. وكما أشرنا سابقا فقد كان حضورا بهيا، بصورة يومية تقريبا، في المركز العام للحزب، ينشرح فؤاده ويأتنس بمرأي الرفاق/ت وهم يأتون ليقوموا بأداء الأعمال الحزبية ثم ينصرفون، ذلك المشهد، مشهدهم، كان يسعده لا شك، فيجعله في جدوي الحياة المضيئة التي تستحق أن تعاش علي قول درويش، فواظب وداوم عليها. ظل سعيدا جدا، فرحا كطفل وجد ضالته، بالثورة وبالديمقراطية، فيطيل النظر، مبتسما، إلي رفيقاته ورفاقه فيري، فوق هاماتهم الجليلة، الرايات الحمراء في الأعالي ترفرف في سماوات البلاد التي أحبها.

عزاء لأسرته وأهله، لشقيقه عبد الله، وشقيقته فائقة، ولأبنه معتز، للحزب الشيوعي السوداني ولرفاقه ومعارفه والأصدقاء الخلص من حوله. ولتكن في الخلود وفي ضمير شعبنا، ودعنا، الآن، نوقد لروحك الشموع ونضئ دروب مسيرتك النضالية وسيرتك في العمل السري بعد أن خرجت إلينا، بكل مجدك، في العلن.

——————————–
هوامش:
——–
* ( الدورة )، هي الوثيقة الحزبية التي تسجل أعمال دورات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني.
* ( الشيوعي )، المجلة الداخلية لأعضاء الحزب.
* ( الميدان )، صحيفة الحزب الشيوعي السوداني.
* ( المختفون )، كتبت لمناسبة رحيل الرفيق عبد الحميد علي، القائد الشيوعي في العمل السري رفيق العمل الحزبي لمنعم سوداني، استعرناها لمناسبة رحيل سوداني.
* إفادة بالهاتف من الرشيد محمد الحسن مساء الأحد10/5/2020م.

رأيت أن أثبت هنا، لمناسبة رحيل كادر الطباعة، ما كنا قد كتبناه عن كادر الطباعة الشيوعي الراحل عبد المجيد بطران، بعض ضوء علي هذه السلالة النبيلة من كادر الحزب.

عبد المجيد بطران، أهذا أوان الرحيل؟!*
————————————

( آه،
ثم آآه!
في ذلك الليل البهيم المدلهم،
يتمزق الصمت الحدادي اللئيم
علي مسارنا
والليل يمر منتحبا بأطراف المدينة
يجتاحنا هم ثقيل أنها اقتربت …
فماذا ستخبرنا الأيام وهي تحوزنا
والليل أثقل وأفصح ما يكون!
لكأن طير الموت لا يزال يهشنا بجانحيه الأسودين،
يخضها خضا هدوءنا
و رغبتنا في الصراخ وفي الصمود
تشخص حولنا الأشياء،
ثم تميل ساقطة وتمعن في الأفول!
أشد صاحبتي ونرحل في زحام الناس نبتغي رؤية
الوجه الذي في ضمير الحزب مدخرا لما يأتي…
لكننا،
لا ندري غدا ماذا يكون
يا بطران،
وكيف تشرق شمسه فينا
ولست علي المدينة؟!
تري،
هل نفتش عنك في أحيائها؟!
لا، ثم لا…
أنت الآن نجما وناقوسا في علاها يا حبيب)!
-ج/ح –

جابر حسين
[email protected]

تعليق واحد

  1. لله دره من نبيل ، كرس حياته لما آمن به ، لم يسعى لمغنم ، ولم تفت عضده الشدائد والمحن ، حرفته الوعى ومشغله الطباعة ، هو جدير وقمين بأن ينحت له تمثال العامل المجهول على غرار الجندي المجهول ،أمثاله هم من يجعلون للحياة معنى ، وهم من يلهمون الآخرين لعيشوا الحياة من اجل الفكرة والقيم العليا ، وكما قيل ليست المهم ان تصل لمحطتك الأخيرة بل المهم الرحلة اليها ، هذا مثال لفارس آخر رحلته كانت معبئة بالاستقامة والوفاء لمبادئه ، من مثله وقيمه يمتح السائرون في طريق الوعى بانسانية الانسان والمثابرة لترقية حياته .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..