مقالات وآراء

السودان ساحة اختبار للإرادة الدولية، مصر تراهن على الجيش، وأمريكا تُراهن على الشارع

علاء خيراوي

في العاصمة الأمريكية واشنطن، وعلى هامش مؤتمر يُعنى بإحياء مسار “حل الدولتين”، التقى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بنظيره الأمريكي ماركو روبيو في اجتماع لم يمر مرور الكرام، خاصة في ما يخص الملف السوداني الذي احتل حيزًا بارزًا في جدول المباحثات. ورغم حساسية اللحظة وتعقيد الملفات، فإن غياب بيان مشترك عقب اللقاء بدا لافتًا، ما فُسِّر على نطاق واسع بأنه انعكاس لتباين جوهري في مواقف الطرفين إزاء الأزمة السودانية.

البيانات المنفصلة الصادرة عن وزارتي الخارجية في البلدين كشفت اختلافًا في الأولويات والمقاربات. فبينما شددت واشنطن على ضرورة الانتقال إلى حكم مدني في السودان، بما يعني استبعاد العناصر العسكرية والمليشيات من مستقبل السلطة، تمسكت القاهرة بموقفها التقليدي الداعم لمؤسسات الدولة السودانية، مشيرة إلى أهمية احترام السيادة ووحدة الأراضي السودانية، في إشارة غير مباشرة إلى دعمها لبقاء الجيش كفاعل رئيسي في المشهد.

هذا التباين ليس طارئًا، بل هو امتداد لمواقف راسخة منذ اندلاع الثورة السودانية عام ٢٠١٨، ومرورًا بانقلاب أكتوبر ٢٠٢١، وصولًا إلى اندلاع الحرب في أبريل ٢٠٢٣. الولايات المتحدة، وعلى لسان مسؤولين في الإدارة وأعضاء نافذين في الكونغرس، ظلت تدفع باتجاه انتقال مدني كامل، مدعوم بتشريعات ومشروعات قوانين تهدف إلى محاسبة معرقلي العملية الديمقراطية ومقترفي الانتهاكات من جميع الأطراف.

من بين هذه التحركات، يبرز مقترح السيناتور كريس كونز الذي يدعو إلى محاسبة كل من يعرقل الانتقال السياسي، سواء من الجيش أو من قوات الدعم السريع، في مقابل مشروع قانون آخر طرحه السيناتور تيد كروز يصب في اتجاه تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي، بما يشمل الحركات المرتبطة بها في الإقليم، وعلى رأسها التيارات الإسلامية السودانية.

في المقابل، ترى القاهرة أن السودان يقع ضمن المجال الحيوي لأمنها القومي، وأن الاستقرار فيه لن يتحقق إلا من خلال مركز قوة موحد، تراه متجسدًا في الجيش السوداني، حتى وإن كان مؤدلجًا أو متورطًا في تجاوزات. ومن هذا المنطلق، تسعى مصر إلى الحفاظ على هيكل الدولة السودانية القائم، وتخشى أن يؤدي أي فراغ ناتج عن إقصاء الجيش إلى تفكك السلطة وبروز قوى يصعب احتواؤها، لا سيما في ظل حالة السيولة السياسية التي يعيشها الإقليم.

في ضوء ذلك، فإن التحركات المصرية في واشنطن، بما في ذلك لقاءات عبد العاطي مع أعضاء بارزين في مجلس الشيوخ، تُفهم في سياق سعي القاهرة لإعادة صياغة الفهم الأمريكي تجاه السودان، أو على الأقل تقليل اندفاع واشنطن نحو إقصاء المؤسسة العسكرية كليًا. لكن المؤشرات حتى الآن لا توحي بحدوث تقارب حقيقي بين الطرفين، بل تكشف عن تصاعد في التباين، قد تكون له آثار مباشرة على مآلات الحرب في السودان وشكل التسوية الممكنة.

يبقى أن الموقف النهائي من الأزمة لن يُصاغ فقط في غرف المفاوضات، بل في ميدان الواقع السوداني، حيث تبدو الأطراف المدنية حتى اللحظة عاجزة عن فرض رؤيتها أو تقديم بديل وطني موحد يحظى بثقة الداخل ودعم الخارج.

في هذه المساحة الرمادية، تتجاذب القوى الإقليمية والدولية المشهد السوداني، كلٌّ وفق حساباته، وكلٌّ بحسب ما يراه مصلحة أو تهديدًا.

وإذا كان المشهد الإقليمي والدولي يتنازع مستقبل السودان وفقًا لمصالح متقاطعة، فإن السؤال الأكثر إلحاحًا ينبغي أن يُوجَّه إلى الفاعلين السودانيين أنفسهم، مدنيين وعسكريين، حزبيين ومستقلين، ثوريين وتكنوقراط، إلى متى سيُترك مصير الوطن رهينة لتجاذبات الخارج؟

فإنّ تَرْكَ القرار السوداني يُصاغ في العواصم الأجنبية، مهما كانت نواياها أو أجنداتها، هو تفريط في السيادة ونسف لما تبقى من إمكانات النهوض الوطني. لا سلام يُفرض من الخارج دون إرادة داخلية، ولا دولة تُبنى على موائد التفاهمات الدولية دون مشروع وطني جامع. وقد آن الأوان أن يدرك الجميع أن السودان ليس ملفًا دبلوماسيًا يُتناول على الهامش، بل وطن يتطلب من أبنائه موقفًا حاسمًا، يسترد به قراره، ويصوغ به مستقبله، قبل أن يُكتب تاريخه بيد غيره.

[email protected]

‫3 تعليقات

  1. اي شارع امركا عندها شارع هنا ماذا قدمت امركا للشارع عندما سحل وفض الاعتصام ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مذا قدمت امركا لحكومة الثورة بخصوص فك الحصار دفعت حمدوك اموال هذا الشارع الذي تتحدث عنه ياخي انت مصبق دقنك وشنبك ولسه ما ما بتعرف الحاصل كلام المراهقين دا امركا خلت شنو من دوار ظهرها لا نريد تدخل لاي طرف بهذه الارض الحل سوداني ومن يريد الحل بالاجنبي يذهب غير ماسوف عليه

  2. لا مجال للارادة الدولية فالاوراق كلها تلعب بها دولة الامارات العربية المتحدة فلا واشنطون او القاهرة تملك قرارا فاصلا حول الشان السودانى وقد تسربت انباء من العاصمة الامريكية ان الامارات قد اعترضت على عدة مقترحات بشان اضافة اطراف ( كبريطانيا) الى المشاورات التى تستضيقها واشنطون ولكن الامارات اعترضت على ذلك كلها بما فيها ان يكون الجيش مشاركا بالرغم من رغبة الطرف المصرى على ذلك ولكن الفيتو الاماراتى اجهض ذلك,,, كما ان الامارات اعترضت على مشاركة المملكة المتحدة فى المشاورات واعترضت الامارات كذلك,,,, بصراحة ظهر خلاف مكتوم بين القاهرة وابو ظبى على خلفية الرغبة المصرية فى تعميق وصايتها على السودان وهى ذات علاقة بمياه النيل…. المصالح الامريكية والمصرية والاماراتية ومن طرف خفى مصالح الدولة العبرية كلها تتناقض فيما بينها.. وهناك محاوف حقيقية من تحالفات يعقدها الجيش مع اطراف لتريدها بعض او كل اطراف المشاورات ومن خلفها حليفاتها.. مثلا العلاقات معى ايران وتركيا…. سيدو ان الخارج عاجز عن ايجاد مخرج للمعضلة السودانية المتعمقة وسجب على السودان اخذ المبادرة بايديهم فهم اولى بمصير وطنهم… فالخارج يتنازع على مصالحه لا هلى مصالح الشعب السودانى وترابه الوطنى

  3. أطلق تحالف “صمود” نداءً طالب فيه بتصنيف حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية “جماعة إرهابية”، لإصرارهم على استمرار الحرب ووقوفهم ضد الحل السلمي
    وهي خطوة مهمة تحتاج دعمها من أجل الدفع بها الي الامام.

    الدعوه لكل احرار بلادي .
    فليكن هاشتاق الساعه كالتالي او ماترونه مناسبا.

    المؤتمر الوطني والحركه الاسلامويه جماعه ارهابيه والعدو الأوحد للشعوب السودانيه .!!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..