الروائي معتصم الشاعر : بدأت الكتابة بمغازلتي حتى أصابتني عدوى العشق فتزوجتها مبكراً

في بداياتك تحتاج لتنشر على نفقتك الخاصة لقاء نسبة ضئيلة من المبيعات تكتب في العقد.. ويتم استلامها في الدار الآخرة!
الكتابة علاج لأمراض كثيرة تسببها جراثيم كثيرة لا تدرّسها كليات الصيدلة
الربيع العربي أعجب الناس لأنه كان انقلاباً في دراما الركون.. فاعتقدوا أن قطع رأس الفيل يكفي مع أن الأسطورة تقول بأن قطع رأس الغول لا يقتله لأنه سيحيا برأس جديد
الروائي “معتصم الشاعر”، طبيب صيدلاني يكتب القصة القصيرة والرواية والمقال.. صدرت له روايته الأولى ” أهزوجة الرحيل” عن مؤسسة القلم العربي بمصر عام 2011م، كما صدرت له رواية ” في انتظار السلحفاة” عن دار إي كتب اللندنية في العام 2012م، وأعيد نشرها في العام 2013 ورقياً عن الدار العربية للعلوم ناشرون بلبنان، بعد فوزها بمنحة الصندوق العربي للثقافة والفنون، أما روايته الثالثة ” ادفنوني في تل أبيب” فصدرت عن دار مومنت- لندن.. تناول الشاعر في كتاباته الربيع العربي، مما أعطى كتاباته شهرة عربية واسعة. (الصيحة) أجرت معه هذا الحوار..
حاورته: نجاة إدريس إسماعيل
*أولاً أنت طبيب صيدلاني.. كيف بدأت جرثومة الكتابة عندك؟
هذا سؤال صعب يتخفى خلف ثوب أنيق من البساطة، ولذلك لا يمكنني أن أجيب عنه إجابة مباشرة، أنا صيدلاني، هذه مهنتي- أو بالأحرى- مجال دراستي الأكاديمية، لكن المهنة شيء والهوية شيء آخر، المهنة لا تحتم علينا سلوكاً معيناً أو نمط تفكير لا يمكن تجاوز إطاره، كثيراً ما يطرح عليّ الناس سؤال يتعلق بالعلاقة بين دراستي ومجالاتي الأخرى التي لدي فيها عطاء وربما تميز، إن صدق ظني، فعندما كنت أكتب الشعر، سألني أحدهم: لماذا لا نجد الصيدلة في أشعارك؟، فقلت له ممازحاً:” من تعتقد أنه من كتب: البنسلين يا تمرجي؟، وعندما كتبت الرواية كان السؤال عن العلاقة الجدلية بين الإبداع والتخصص ما زال قائماً، وأخيرًا جاء الاختراق الكبير، حيث أضفت مجال التدريب إلى قائمة اهتماماتي وصرت مدرباً أعلِّم الناس التنمية الشخصية وفنون الإنجاز والأداء الرفيع، فبرز السؤال القديم مرة أخرى، كأن الناس يشعرون بالذنب نيابة عني، لتجاهلي تخصصاً استغرق أجمل سنوات عمري، أنا أتبع شغفي، ولذلك لا أتحسر على ما ضاع بقدر ما أترقب ما سيأتي.
وماذا عن جرثومة الكتابة؟
وأما عن “جرثومة الكتابة”، فأنا أعتقد أن الكتابة علاج لأمراض تسببها جراثيم كثيرة، وللأسف كليات الصيدلة لا تدرِّس هذا لطلابها، وربما لذلك انتظرت أكثر من عشر سنين حتى أتخرج، إنني أستطيع أن أكتب وأنا مريض، لا أشعر بالمرض، ربما لأن الإندروفين المسبب للسعادة يتم إنتاجه في ذلك الوقت بكميات كبيرة، ولذلك حين أقول الكتابة علاج لا أعني ذلك بصورة مجازية. أما عن البداية، فعلاقتي بالكتابة قديمة، ربما بدأت قبل أن أولد، يربطني بها عشق غريب، لا أعرف من بدأ بمغازلة الآخر، ولكن غالباً ما تكون هي، أقول هذا بناءً على جاذبيتي التي لا يمكن مقاومتها، فلدي براءة طفل وشخصية رجل وحنان امرأة، ولذلك بدأت الكتابة بمغازلتي حتى أصابتني عدوى العشق، فتزوجتها في سن مبكرة جداً، رغم معارضة المنظمات الأممية للزواج المبكر، وكبرنا معاً، وأنجبنا أطفالاً، ولا يخطر على بالنا أبدًا فكرة “سن اليأس”.
*روايتك (في انتظار السلحفاة) صدرت منها نسخة إلكترونية.. لماذا لجأت للنشر الإلكتروني؟.
لجأت إلى النشر الإلكتروني لأنه لا يكلف شيئاً، كنت وقتها طالباً في الجامعة، وفي بدايتك ككاتب تحتاج لتنشر على نفقتك الخاصة، لقاء نسبة ضئيلة من المبيعات تكتب في العقد، ويتم استلامها في الدار الآخرة، أقول ذلك لأن دور النشر تعتقد بأن الكاتب يجب أن “يبوس إيدو وش وضهر” لمجرد أن يرى اسمه مكتوباً على غلاف الكتاب، وإذا كان في الغلاف صورة له فهذا أشبه ببناء تمثال من الذهب الخالص في ساحة عامة، إنه فهم عقيم، بعض الشركات تشتري النفايات من أجل إعادة تدويرها، أما تحويل أفكار الكاتب من صور ذهنية إلى وسيط ورقي لا يستحق أن يُدفع فيه مليم، وإذا كان صناع الثقافة يتعاملون مع الإبداع على أنه أرخص من النفايات، فلماذا يشتكون من ضعف شراء القارئ العربي للكتاب، لماذا أدفع مالاً في شيء يعتقد صانعه أنه أرخص من النفايات ولا يستحق مالاً؟ يرى بعض الناس بأنني ساخر، ولكنني لا أعتقد ذلك، أنا فقط أقول الأشياء بوضوح.
*هل تعتبر النشر الرقمي يمكن أن يحل محل النشر الورقي خاصة في دول العالم الثالث التي تعاني من الأمية التقنية؟
لا يمكن للنشر الرقمي أن يحل محل النشر الورقي، ليس في دول العالم الثالث وحسب، بل وحتى في الدول المتطورة، لأن المطابع ما زالت تطبع ملايين النسخ من كتاب واحد. أنا شخصياً أشتري كتباً لديَّ منها نسخ إلكترونية، للورق رائحة كرائحة الخبز الحار في الصباح، عندما تصحو من نومك على معدة خالية.
* كان لك موقف محدد من ثورات الربيع العربي خاصة وأن روايتك (أهزوجة الرحيل) تنبأت باللحظات الأخيرة لحياة القذافي.. أضف إلى ذلك، أن هناك من ينظر إلى الربيع العربي، بعين الغبن بعد أن أصبح الواقع أشد إيلاماً عما كانت عليه الشعوب قبيل انتفاضتها؟
الربيع العربي كان حدثاً مفاجئاً، وكان إعجاب الناس به، يعود إلى أنه كان انقلاباً في دراما الركون، الدراما التي استمرت عقوداً، لكن الشعوب اختارت الطريق السهل في التغيير، الطرق السهلة غالباً ما تجعل الحياة صعبة، ليس هناك فكر وراء الربيع العربي، لم تلتفت الشعوب إلى أمراضها الفكرية والاجتماعية، ولم يتغير مفهومها تجاه المعرفة، واعتقدت بأن قطع رأس الغول يكفي، مع أن الأسطورة تقول بأن قطع رأس الغول لا يقتله، لأنه سيحيا برأس جديد.
* اتهمت روايتك الأولى “أهزوجة الرحيل” ? بحسب مراقبين- بأن بعض مقاطعها أقرب للشعر منها إلى الرواية.. هل الشعرية الزائدة نتجت عن شاعرية الكاتب المتدفقة أم لأن الفوارق اختفت بين الأنماط السردية والشعرية؟
لقد تعمدتُ أن أبدو شاعرياً في الأهزوجة، لأنني تناولت واقعاً معاشاً، كانت تفاصيله في متناول الأذهان، لم أرد أن أكرر ما يراه الناس في وسائل الإعلام، كانت الشاعرية ضرورة فنية من أجل التكثيف الذي يعطي القارئ فرصة للتفسير وإعادة خلق العمل الفني.
* الهجرة المتزايدة إلى إسرائيل.. كيف تنظر إليها وقد ناقشت الأمر من خلال روايتك (أدفنوني في تل أبيب) خاصة وأن هناك الألوف من الشباب تمت إعادتهم لأرض الوطن بعدما حاولوا التسلل إلى إسرائيل؟
هذا الموضوع محيِّر، أو الأمر معقد بلغة فيسبوك، الهجرة إلى إسرائيل ظاهرة جديدة، تُظهر انقلاباً في الوعي، إذ كيف يلجأ إنسان إلى مغتصب أرض ليست له، كيف يلجأ إنسان ما إلى كيان يدنس مقدساته؟، إنه انقلاب خطير في وعي الشباب، وفي وعي المجتمع الذي بات يتسامح مع هذا أو لا يرى فيه أمرًا خطيراً، لا أريد هنا أن أتحدث عن روايتي ادفنوني في تل أبيب، ولا عن بطلها منتصر الظافر الذي هاجر إلى “إسرائيل” لا ليعيش بل ليُدفن، حديثي سيجعلني أعطي تفسيراً لعملي الفني، وتلك مهمة القارئ، ما أريد قوله هنا: علينا التفكير في جذور هذا الانقلاب، فإن الحل في معرفة الجذور وقطعها، أما إعادة الشباب، فلن يمحو دوافع الهجرة من قلوبهم ولا مبرراتها من عقولهم، علينا أن نفكر في الأسباب التي جعلتهم يفكرون في الارتماء على حضن عدو تاريخي.
* روايتك (في انتظار السلحفاة) فازت بمنحة الصندوق العربي للثقافة والفنون للعام 2013.. هل توقعت الفوز خاصة وأنت الوحيد من السودان ضمن المتقدمين؟
نعم، توقعت الفوز، إنه لا معنى للمشاركة في مسابقة وأنت تتوقع الخسارة، كما أن كوني الوحيد من السودان ضمن المشاركين قد يكون ميزة تنافسية، لا أعرف ذلك، لكنني فزت على أية حال، وأعطى الفوز الرواية قيمة جعلت أقلاماً كبيرة تكتب عنها، وجعلت الدكتور المقداد يدرج اسمي في بحثه عن تاريخ الرواية العربية، وجعلت الناقد نبيل الغالي يُدرج اسمى والرواية في كتابه ببلوغرافيا الرواية السودانية، هذا فضل من الله، وأنا سعيد بذلك وشاكر له.
*هل تعتقد بأن الجوائز والمسابقات حولت الكتابة الإبداعية إلى كتابة تجارية من أجل الفوز؟
المسابقات والجوائز مفيدة، إذ تجعل للكتابة زخماً، فهنالك ترويج للأعمال الفائزة، وفعاليات تحرك بركة الثقافة الراكدة، وتُلقي الضوء على المبدعين، وتُخرج أوراقاً نقدية، بعد أن كاد النقد أن يُدرج على لائحة الكائنات المهددة بالانقراض. ولكن الجانب السلبي يأتي إذا كانت الجهة المنظمة تتسم ببعض الهيمنة فتوجه الأقلام نحو ما تريد، أو إذا كانت لجنة التحكيم غير نزيهة أو كانت تُقصي الأفكار التي لا تتفق مع توجهاتها بغض النظر عن القيمة الفنية.
* إلى ماذا تعزو ضعف المشاركات السودانية في المسابقات السردية العربية مثل جائزة البوكر وجائزة كتارا وجائزة مجلة دبي الثقافية وغيرها؟
هناك مشاركون على أية حال، أما فوزهم من عدمه فتلك قضية أخرى، الكاتب السوداني عموماً انعزالي، وقد سألني الصحفي السوري عبد السلام شلبي في حوار لنا لصالح موقع الجزيرة توك، سألني عن ضعف حضور الأدب السوداني عربياً، قلت ربما هناك أسباب أخرى، لكن ما أراه هو انكفاء الكاتب السوداني على نفسه، وإحساسه بأنه نصف عربي، ولذلك يعتقد بأن العربي الكامل العروبة لن يلتفت إليه، وهذه مغالطة للواقع، هناك أسماء كثيرة لها وجود عربي، كما أننا عرفنا الطيب صالح بعد أن عرفه العرب.
* من خلال تجربتك الروائية.. هل لديك تعامل مع من سبقوك من الكتّاب الكبار.. وهل تعتقد بأن هناك تواصل أجيال بين الكتاب؟
ليس لدي تعامل مع الكتُّاب الكبار، لقد حاولت الدخول إلى عالم بعضهم، لكنهم أعطوني البشاشة بدل الدعم، وأنا لست في حاجة إلى البشاشة، لأنني الإنسان الوحيد الذي يستطيع أن ينافس البقرة الضاحكة “لاباش كيري”، إنني أضحك في السراء والضراء، ولذلك لم تضف بشاشتهم لي شيئاً، أما عن تواصل الأجيال فالجهاز الذي يُمكنني من رؤيته، لم يتم صنعه حتى الآن.
*هناك ملاحظة بأنك معروف بالخارج أكثر من الداخل.. ما السبب في ذلك؟
هذا السؤال يعتبر من الأسئلة الأساسية في حواراتي مع الصحفيين السودانيين، إنهم يعتقدون أن هذا الوضع محيِّر، يرون فيّ ضحية التجاهل المحلي، ثم يطلبون مني أن أكون القاضي لأصدر حكمًا في هذه القضية، لكن هذا ليس صعباً، في هذا الحوار يمكن أن أجيب بناءً على كوني مدرباً في التنمية البشرية والتطوير الشخصي، الإجابة التي تتفق مع ما أدرسه للناس، هي أن هذا الوضع لا يتحمل مسؤوليته أحد غيري، فوفقًا لقانون السبب والنتيجة الذي أدرسه، هذا الوضع نتيجة لعدم قدرتي على تسويق نفسي داخياً، لم أتواجد في الأماكن التي من شأنها أن تُعرِّفني بالناس، لم أسع إلى التواجد الإعلامي، وهو مسؤولية مشتركة بين الإعلامي والمبدع خصوصاً في مرحلة البدايات كحالتي، فالمبدع المتقوقع على نفسه، لا يمكن الوصول إليه، هذا التفسير مفيد لي، لأنه سيجعلني أفعل شيئاً، أما لوم الآخرين أو الحكومة فهو سبيل اليائسين، إنني أعتقد بأن الإنسان لن يكون مواطناً صالحاً، إلا عندما ينسى تماماً أن هناك حكومة يجب أن ترعاه.
*كيف تنظر للمشهد الثقافي الحالي؟
للأسف الشديد، لا أستطيع أن أرى المشهد الثقافي كاملاً بوضوح، هناك كتاب أعرفهم عن كثب مثل حسام الدين صالح، وآخرين أتواصل معهم مثل عماد البليك ومنصور الصويم، هؤلاء وقليل غيرهم أتابع تجاربهم، أما باقي المشهد فلا أعرف عنه شيئاً يستحق الذكر، لقد انشغلتُ كثيراً في الفترة الأخيرة، وبتُ شديد التركيز على نطاق ضيق، لا يستطيع شخص مثلي لا يعرف من هو وزير الثقافة الحالي، أن يحكي عن المشهد الثقافي الحالي، هذا ليس حطاً من قدر الوزير، بالتأكيد هو أيضاً مشغول لدرجة أنه لم يسمع أبداً باسمي، وأنا لا أعتبر هذا أبداً، إساءة لي.
الصيحة