مقالات سياسية

حكاية دكتور أكرم التوم

ياسر عبد الكريم

الدكتور أكرم التوم واحد من الدكاترة السودانيين عمل في منظمات دولية مختلفة وحائز على جائزة منظمة الصحة العالمية لأفضل مدير إقليمي عام 2015 وهو ملتزم بالنهوض بالتنمية المستدامة وتقييمها ولديه خبرة متميزة في برامج الصحة الإيجابية وعمل في بلدان مختلفة رواندا / إثيوبيا/ أذربيجان/ البوسنة / كازخستان/ اندونيسيا/ تايلاند / أفغانستان/ مصر / الصومال / فيتنام / الأردن./ اوزبكستان.

ويضيق المجال عن ذكر الجوائز التي حصل عليها ومن أهم انجازاته في صياغة إستراتيجية الصحة للقارة الأفريقية عام 2016 مما يجعل انجازاته مفخرة حقيقية للسودانيين جميعاً.

وانه يتمتع باحساس عميق بالواجب العام هذا بالاضافة الى نبوغه المهني فهو يعتقد ان المعرفة ترتب مسئولية نحو الانسانية ويعتقد دائما انه تعلم في جامعة الخرطوم على حساب فقراء السودان فمن واجبه ان يكرس علمه لمساعدتهم بقدر الامكان وتحمس الدكتور أكرم وترك وظيفته في منظمة الصحة العالمية تلبية لنداء الوطن وكله حماس وتفاؤل ومنذ ايامه الاولى ترك مكتبه الخاص فى الوزارة وسافر إلى الاقاليم ليشرف على حملة مكافحة الكوليرا والملاريا في كسلا ودارفور وكان للزيارة تأثيرها على الشارع الذي افتقد مثل هذه الروح الشعبية بين المسؤولين.

استمر العمل على قدم وساق وكان كل شىء يبشر بنجاح مشروع دكتور أكرم لمساعدة المرضى الفقراء وتوفير العلاج المجاني لهم بدل من كان يقتلهم النظام البائد بالاهمال لكن الرياح تغيرت فجأة وبدلا من كلمات التقدير والثناء، تحول دكتور أكرم الى عدو لبعض فسدة النظام السابق ولكن رفض اكثر من تسعين إستشاري في وزارة الصحة ما جاء في توصية السيادي والتي اوصت بإقالته ليكتبوا تقارير يشيدون باجتهاد دكتور اكرم ،والسبب المعلن هو عدم وجود الرؤية في كبح جماح الجائحة كورونا !!والتي هددت أعتى الانظمة الصحية في العالم فماذا يكون نظام متهالك موروث من النظام البائد بالنسبة للنظام الصحي في بريطانيا او امريكا او ايطاليا.

إن حكاية دكتور أكرم بقدر ما هى محبطة فإنها مفيدة، وأنا أهديها إلى كل من لا يزال يعتقد أنه بالإمكان إحداث النهضة فى بلادنا بعيدا عن الإصلاح السياسى.. لا يزال بعض الناس الطيبين يتصورون أنه لو اجتهد كل سوداني فى عمله فإن السودان سيتقدم بدون الحاجة إلى تغيير ديمقراطى حقيقي..

هذا التصور حسن النية لكنه مفرط فى السذاجة لأنه يفترض أن الاستبداد الموروث والذي كان جاثما ثلاثين عاما يقتصر تأثيره فقط على فئة معينة مثل الحكومة الساقطة وجماعتها والحق أن الاستبداد، مثل مرض السرطان، يبدأ فى السلطة السياسية ثم ينتشر بسرعة فى كل أجهزة الدولة ثم في كل المجتمع فيصيبها بالعطب والعجز.. ويحتاج الى وقت حتى يتعافى ويؤدى حتما إلى فساد الدولة وسرعان ما يؤدى إلى نشوء عصابات جهنمية تكون ثروات طائلة من الفساد وهى مستعدة للقتال بضراوة وتحطيم أى شخص أو فكرة أو مشروع للحفاظ على مكاسبها ودكتور اكرم شكل خطورة على عصابة او مافيا الدواء ومستثمري الامراض في السودان وهم يعتبرونه وكل من كان فى كفاءته ونزاهته ، منافسا خطيرا قد يؤدى إلى تهديد مصالحهم …وهكذا يتم استبعاد النوابغ وتضطهدهم وفى نفس الوقت تجتذب الفاشلين ومعدومى الكفاءة والضمير والحرامية ماداموا يحافظون على مصالح العصابات.

إن ما حدث للدكتور أكرم، هو بالضبط ما كان يحدث من قبل مع كل السودانيين النابغين الذين حاولوا أن يفعلوا شيئا لمساعدة بلادهم. كل ذلك يؤكد مرة أخرى أن خلاص السودان من كابوس الفقر والتخلف الجاثم عليه لن يأتي أبدا بالمبادرات الفردية مهما بلغ إخلاص وحماس القائمين بها.. إن أية محاولة للإصلاح بعيدا عن التغيير الديمقراطى الحقيقي وإكتمال فروع السلطة التشريعية ليست سوى مضيعة للجهد والوقت.

ياسر عبد الكريم
[email protected]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..