دعوة لتحالف معارض جديد بعيداً عن الترابي والسيد الصادق المهدي

التصريح الذي أدلى به السيد فاروق أبوعيسى رئيس قوى الاجماع الوطني بتأجيل التوقيع على الميثاق المتفق عليه مع الجبهة الثورية والذي كان مقرراً أن يتم في 21 اكتوبر جاء مخيباً للآمال وشكل صدمةً لقوى التغيير التي ظنت وبعض الظن اثم أن قوى الاجماع الوطني قد اتفقت أخيراً على برنامج يكون أساساً للعمل على اسقاط النظام وقيادة الشارع الذي خرج شبابه بكل جسارة كاشفين صدورهم للرصاص الذي أطلقته قوات الأمن وميليشيات المؤتمر الوطن متجاوزين السبب المباشر للقضية وهو الأزمة الاقتصادية إلى أسبابها الجذرية وهي أزمة الحكم ليستشهد أكثر من 220 من خيرة شباب السودان خلال 10 أيام.
وبمقتل هؤلاء الشباب وصل الغضب مداه وأصبحت الجماهير جاهزة للتحرك ضد النظام حتى اسقاطه. فخروج الشباب رغم تعرضهم للرصاص ومقتل العشرات ثم المئات، وأحاديث أمهات الشهداء وأباء المعتقلين والمعتقلات ضد النظام وبكل شجاعة لأجهزة الاعلام، وجسارة وكتابات الصحفيين الشرفاء كل هذا إن دل على شيء فإنما يدل على حدوث نقلة نوعية في الحراك الجماهيري نحو اسقاط النظام. ولكن تظل المشكلة هذا الاجماع الوطني الذي فشل في حشد الجماهر وعنما بدأت الجماهير في الخروج لا زال يقدم رجلاً ويؤخر الأخرى في التحرك لقيادة الجماهير وتنظيم حركتها.
لا زال القوم منغمسين في خلافاتهم العقيمة، مختلفين حول الفدرالية التي لا يقبلها البعض باعتبارها رديفاً للانفصال حسب فهمهم لها، بينما يرفض البعض الآخر الدولة المدنية ويصرون على المرجعية الاسلامية التي أودت بالبلاد والعباد وأدت الى فصل الجنوب.
قناعة الكاتب أن فشل قوى الاجماع الوطني يعود في الحقيقة إلى خلل بنيوي يتمثل في وجود السيد الصادق المهدي والدكتور الترابي ضمن تشكيلته. وذلك لأن رؤية هؤلاء تختلف عن باقي القوى المنضوية تحت لواء التحالف. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فان السيد الصادق والترابي لا يريدون ولا يرغبون في سقوط النظام بانتفاضة يقوم بها الشعب لأن في ذلك خسارة كبيرة لكليهما وسقوط لبرنامج ومشروع المؤتمر الوطني الذي هو أصلاً مشروع الترابي. وعوضاً عن ذلك يريدون بقاء النظام مع اجراء عملية ترقيع وتحسينات وتغيير في الوجوه. تغيير لا ينفذ إلى الجوهر لأن الجوهر هو فكر ومشروع الترابي الذي لم يقل لنا حتى هذه اللحظة أنه قد قام بعملية نقد ذاتي ومراجعة فكرية لفكره ومشروعه الذي هو أساس النظام القائم وأبلغ دليل على هذا الكلام موقفه من الذي حدث في مصر.
لقد اصبح هذا الثنائي عبئاً وعقبة في طريق التغيير، وقد دلت تجربة الاجماع الوطني أن محاولات الخلط على أساس ان التركيب بين المتناقضات سوف يؤدي إلى تجميع محاسنها قد أدت بنا في الحقيقة إلى تجميع مساوئها والى تعطيل عمل التجمع واضاعة الوقت في نقاشات لا جدوى منها حول الفدرالية والمرجعية الاسلامية وغيرها من القضايا محل الخلاف بدلاً من الاتفاق على برنامج سياسي يرتكز على ويتضمن مبادئ عامة وأهداف لا يمكن الاختلاف حولها مثل اسقاط النظام، واستعادة الديمقراطية، والالتزام بقواعدها، واحترام حقوق الانسان، ووضع حد للانهيار الاقتصادي، ووقف الحرب الدائرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، واعادة اللاجئين وتعويضهم، والبدء في اجراءات العدالة الانتقالية بعد سقوط النظام، وعقد مؤتمر دستوري لمناقشة كيف يحكم السودان مع تأجيل النقاش حول الايدلوجيا والقضايا غير المتفق عليها. هذا البرنامج كان يمكن أن يشكل أساساً جيداً وفعالاً وحتماً كان سيؤدي إلى التفاف الجماهير حوله وإلى تسريع الحراك الجماهيري حتى اسقاط النظام فالسودان اليوم بين أن يكون أو لا يكون والقضية لم تعد مسألة دستور ومواثيق وانما قضية بقاء أو فناء.
ولكن وكما ذكرت فان السيد الصادق والترابي يصرون على الحديث بدلاً عن ذلك عن قضايا المرجعية الاسلامية ورفض العمل المسلح الذي تقوم به الجبهة الثورية والبديل وغير ذلك من القضايا الانصرافية. وهذا هو السبب الأساسي في أن قوى الاجماع الوطني أصبحت تنظيماً كسيحاً وعاجزاً عن قيادة الجماهير وسيظل كذلك إذا أصر القوم على وجود السيد الصادق والترابي ضمن المنظومة.
التحالف المطلوب في هذه المرحلة والقادر على قيادة وتصعيد الحراك الجماهيري لا بد أن يكون معبراً عن نبض الشارع وتطلعاته ومن الواضح أن الشعب لن يقبل بغير اسقاط النظام وتفكيك دولة الانقاذ القائمة على التفرقة بين السودانيين على أساس الدين والعرق والثقافة الأمر الذي أدى إلى الفشل في إدارة التنوع والتعدد فكانت النتيجة فصل الجنوب واشتعال الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق بينما لا تزال الحرب مشتعلة في دارفور.
هذا التحالف لا بد أن يقوم على مبدأ اعادة هيكلة الدولة السودانية بصورة تلغي المركزية القابضة، وتضع حدا للتهميش، وتحقق المساواة التامة بين كل السودانيين على أساس المواطنة كما تحقق العدالة في توزيع الثروة والسلطة بين المركز الذي يجب أن يكون فيه التمثيل جامعاً وعادلاً وبين الاقاليم التي يجب أن تعطى استقلالية تامة في ادارة شؤونها بنفسها. فهل يمكن أن يقبل السيد الصادق والترابي بمثل هذه المبادئ؟؟ سؤال نوجهه للسادة ممثلي الأحزاب في قوى الاجماع الوطني وقناعتنا أن كلاهما لا يومن بالديمقراطية ويريدون المحافظة على مركزية الدولة وعلى الشريعة الاسلامية التي تم فصل الجنوب بسببها.
نواة هذا التحالف موجودة داخل قوى الاجماع الوطني وعلى رأسها الحركات الشبابية والحركة الاتحادية وحزب المؤتمر السوداني وحركة حق والتحالف الوطني وبعض منظمات المجتمع المدني بالإضافة إلى أعداد هائلة من المثقفين والمتعلمين غير المنظمين حزبياً وقد آن الأوان لكي تتوحد هذه القوى وتعمل بعيداً عن السيد الصادق والترابي لأن هؤلاء وكما أسلفنا لا يريدون اسقاط النظام بل يريدون تغييراً يحافظ على الشريعة وعلى مركزية الدولة ويضمن لهم موقعاً في الخارطة السياسية الجديدة بعد اسقاط النظام.
وربما من المفيد أن نعقد مقارنة بتحالف الدول التي هزمت الفاشية والنازية في الحرب العالمية الثانية حيث كانت قوى الحلفاء مختلفة اختلافات تناحرية حول كل شيء تقريباً ، ولكنها اتفقت على شيء واحد فقط هو مواجهة ودحر النازية والفاشية، باعتبارها تمثل تهديداً ماحقاً لها جميعاً. كان اتفاق هذه القوى على هزيمة النازية والفاشية، هو الحد الأدنى الذي توصلت إليه، ولكن اتفاقها حول هزيمة النازية والفاشية كان اتفاقا كاملاً، ولأن اتفاقها حول الهدف كان كاملاً فقد حشدوا الطاقات ووحدوا الجهود ومن هنا توفرت الثقة، وحسن النوايا، وتم التنسيق، وبذلت المساعدات المختلفة من هذه الدول لبعضها البعض، فاستطاعت خلال أقل من أربع سنوات من هذا التحالف أن تحقق الهدف وتهزم النازية والفاشية.
وإذا ما قارنا ذلك بقوى الاجماع الوطني لوجدنا أن السيد الصادق دائم النقد للقوى الأخرى إلى درجة أنه قال أنها طرور وهو في حالة تثبيط دائم للهمم وفي حالة اتصالات دائمة مع النظام اضافة بالطبع لوجود ابنائه داخل النظام. ولا ندري صحة الاتهامات بأنه يستلم أموالاً بصورة منتظمة من النظام.
أما الترابي فقد ظل يناكف داخل المنظومة ويرفض الدولة المدنية ولم يبدي هو وجماعته أي استعداد حقيقي للعمل على اسقاط النظام، والصحف مليئة بتصريحات من شاكلة خلوها مستورة بدلاً من كشف نقاط الضعف في النظام لقوى المعارضة. ونعيد ونذكر أن ذلك يعود لغياب الرغبة والارادة لإسقاط النظام بثورة شعبية.
هذه ليست دعوة لإقصاء الترابي أو السيد الصادق ومنعهم من العمل المعارض كما سيقول البعض بل هي دعوة لفرز الكيمان. فهذا الخلط بين القوى الراغبة في اسقاط النظام وتلك الراغبة في تغيير غير جوهري يؤدي إلى استمرار النظام مع اجراء عمليات ترقيع وتحسين هنا وهناك، هذا الخلط لن يؤدي الى اسقاط النظام ولا تغييره بل سيؤدي الى استمرار النظام بصلفه وقمعه كما برهنت التجارب السابقة. وتظل مشكلتنا أننا لا ندرس ولا نقيم تجاربنا الماضية لكي نستلهم منها الدروس والعبر فتجربة التجمع الوطني الديمقراطي كانت كفيلة بأن لا نكررها في هذا الاجماع الوطني ولكننا فعلنا والله من وراء القصد..

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. تحليل علمي وموضوعي يا دكتور بابكر
    فقط اذاعايز تعمل فرز بدون تحرج زول
    اجمع الناس حول “الرؤية التي لا تموت” التي شخصت مشاكل السودان وعالجتها وما في داعي تبدا من الصفر
    وهي اتفاقية نيفاشا والدستور الانتقالي والقرار 2046
    التمسك بالدستور الساري مهم جدا جدا حتى لا يتم “تصفير العداد” بدستور جديد ليستمر ابوسفيان يحكم البلد الى الابد وهذه هي مناورة المؤتمر الوطني المكشوفة التي يتبادلها مع احزاب السودان القديم بنظرية الدستور الجديد يجب ما قبله وجلدعم ما بجروا فيه الشوك حتى ولو انتهى السودان كلو وبقى جمهورية العاصمة المثلثة بس..وايام لها ايقاع وذلك مبلغهم من العلم والاقاليم كانت ماشا بي خير الانجليز ساكت..لحدي ما قوضها التشريد والفصل للصالح العام وتردي الخدمات في الدولة المركزية المشوهة القائمة على ايدولجية الاخوان المسلمين..الميتة سريريا الان..
    هؤلاء الذين يستخفون باتفاقية نيفاشا والدستور الانتقالي الحالي من نخب المركز واحزاب السودان القديم التي تحدث عنها بسبب الحسد والجهل ليس الا ويمكنك قراة ماضيهم المشين بالتفاصيل المملة في كتاب منصور خالد الاخير -السودان تكاثر الزعازع وتناقص الاوتاد
    لذلك نزل البرنامج بتاع نيفاشا ومواد الدستور الانتقالي للشعب وللقوى الانتخابية ستج الفزر تم بصورة طبيعية ويجب التخلي عن غكة مؤتمر وطني دستوري وتجميع ناس من اجل اشياء تم حسمها من 1955 ولا يلتزم بها الموقعين
    نيفاشا هي خارطة الطريق الوحيدة للسودان الذى يسع الجميع
    والامر ببساطة اضحى
    سودان جديد× سودان قديم
    والفرز يتم على هذا الاساس

  2. يا دكتور

    عنوان مقالك ناقص المفروض يكون هكذا:

    دعوة لتحالف معارض جديد بعيداً عن الترابي والسيد الصادق المهدي والميرغنى

  3. رأى صحيح…والإختلاف في وجهات النظر لا يفسد القضية وهو القضاء على عدو الوطن أولاً ولكن كل على حسب أدواته ….أتفق معك في أن الذين ذكرتهم لا يخدمون قضايا الوطن المصيرية وأولها قيام دولة مدنية على أنقاض هذه الدولة الدينية الفاسدة وهذا ما لا يعمل عليه المهدى والترابى سوس الثورة السودانية

  4. اتفق معك اخي في هذا الطرح مع اعترافنا بوجود كيانات شبابية معارضة كتمرد و قرفنا وابينا وغيرها .. ولماذا لا يتم توحيد هذه الكيانات في جسم واحد طالما الهدف مشترك .. ونترك الاحزاب الكلامية في غرورها بانها صاحبة السند الجماهير والذي لم نراه في الاحتجاجات الاخيرة .. وهل شهداء مظاهرات سبتمبر ينتمون للاحزاب الكبيرة .. الاجابة لا طبعا . فلماذا ننتظر هذه الاحزاب

  5. الترابي و الصادق ( أبو كراع برة و كراع جوة ) و مولانا ( الذي خلنا ) و إذا كان الصادق كراع برة و كراع جوة فإن مولانا الكراعين جوة

  6. كلام في الصميم أخي العزيز على وده الدايرنو يحصل ولابد من فرز الكيمان فالناس في سودان اليوم صارت تخلط الأوراق بشكل واضح وهذا ما مكن المؤتمر من تحقيق أهدافه غير النبيلة.. السادة الثلاثة بإضافة الميرغني لن ينفعونا في شيء.. ودمت

  7. الشيخ حسن عبدالله الترابي مخطط الانقاذ التي وأدت الديمقراطية وصار ماصار من خراب بالبلاد وبقية القصة التي يعرفها الجميع والان بعد ان اختلف مع حيرانه في تقسيم الكيكة هل يغفر له هذا الاختلاف لكي يجعله معارض هل يخرج نظام الانقاذ من الباب لكي يعود من الشباك .

  8. الأخ [الزول الكان سمح]
    لم أذكر مولانا السيد محمد عثمان الميرغني في العنوان لأنه اختار أن يصبح جزءاً لا يتجزأ من هذا النظام الهالك باذن الله مع ولم يعد جزءاً من المعارضة مع خالص التحايا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..