مقالات سياسية

بُؤْس السياسة

شكري عبدالقيوم

في التسعينات ،محطة البيارة كانت هي آخِر محطة في الحاج يوسف شارع واحد.. وبعدين كانت  فيها جنبات المريسة وكُلُّ حاجة ..ف يوم أنا كنتَ هناك ،وخلاص بقيت مارق.. شقَّيت حي الشروق ال هسي ده،  والمقابر ، وحلة العرب ، لغاية ما جيت محطة 16.. ومشيت على البيت ..لما جيت قدام البيت رأسي اتخلبط ، وبقى لي زي كأنّو البيت فاتح شمال جغرافي ..( البيت فاتح جنوب.).. ف مشيت قدام شوية وتاني جيت راجع جنب البيت.. في زول قاعد في المصطبة ..{ اتضح فيما بعد إنو ده عبد الرحمن أخوي .}. سألتو ; ياخ لو سمحتَ ، بيت الغاز وين هنا.?  .( بيتنا كان مشهور ببيت الغاز لأنو جدي كان الوكيل الوحيد للغاز في المنطقة .).

فقال ; أيْوااااااا.. انت داير بيت الغاز ، وما عرفتو .?.طيب .. أمشي بالشارع ده وعد واحد اتنين لغاية خمسة شوارع .. بعداك خُد يمينك .المربوع الأوَّل التاني التالت خُد شمالك لغاية نهاية الشارع ..أسأل هناك أيِّ زول بوريك البيت.
وفعلاً ، مشيت على حسب وصفو ، لغاية ما قرَّبتَ لنهاية الشارع ال قالو.. عاينتَ لقيت في بنت ماشة في نفس اتجاهي .. قلتَ ليها ; سلام ..لو سمحتِ بيت الغاز هنا وين.. قالت ; ناس عمو دياب.?. ده لكن في 16 .. ما هنا.
– ودي محطة كم ..?!.

= دي 12.   لكن كدى تعال..

ورجعت عكس اتجاهنا ، وأنا وراها..ماشين وماشين .. لغاية ما قالت لي,  يا هو البيت وسلِّم لي على عنايات عليك الله.قلتَ ليها , شُكراً تسلمي ،وطوالي فتحْتَ الباب .. فعلاً ده ياهو البيت .. عاينتَ في المصطبة .. عبد الرحمن قااااااعد..
عندما أتذكَّر هذه الواقعة فأنا أتساءل ; لماذا يا تُرَى تركت هذه البنت طريقها التي كانت تسلُكُه،وضَحَّت بوقتها وطاقتها في سبيل أن تقود هذا الغريب الذي لا تعرفه من محطة 12 وإلى غاية محطة 16 .?!.أنا لا أنفي أن يكون في هذا الطبع سماحةٌ وكرمٌ ولُطْفٌ فيَّاض ..ويسرُّني أن يُفَسِّر الناس ويفهموا سلوكها هكذا ..لكن هل يا تُرَى كانت هذه البنت عندما صادفتُها ذاهبة حقاً إلى جهةٍ ما محددة.? .
أم أنها كانت ماشة وخلاص ..?

إلى أين ..لا يهم.. لأنّه قد يحدث جداً وفي حالات كثيرة أن  لا تجد الواحد ذاهباً إلى جهةٍ ما محددة ، لأنّه ليسَ لديه مشروع أو رسالة أو برنامج ..وإنَّما يخرج إلى الحياة ليرى إن كانَ في حياة الآخَرِين ما يملأ حياتَه قليلاً ، ويعطيها معنى ما..وهذه النقطة هي تحديداً , مع الجهل , هي الساحة التي تستثمر فيها السياسة والدين .. بالعكس تماماً من الفكر ..فالسياسي ورجل الدين يعملان على جعل الحياة مضطربة كي يمكنهما العمل .. بينما الفكر هو سابق على السياسة وينتمي إلى ما تحت أرضِها ..والمفكر هو كعامل المنجم يتطلَّع لايضاح الأمور قليلاً ، عكس السياسي ورجل الدين اللذان يعملان على تشويشها وتغبيشها، ثُمَّ الصيد في المياه العَكِرة.

“شُكْرِي”

[email protected]

‫2 تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..