
“`~عندما تقوم القبيلة مقام الدولة~“`
لقد إعتدنا في الشارع العام على مفهوم القبيلة ، لا حرج أن يستوقفك أحدهم ليتعرف على إسم قبيلتك وبعدها يصنفك حسب نظرته لتلك القبيلة ، هذا الأمر هو مرض إنتشر بعد أن تم تسييس القبيلة والزج بها في حسم الصراعات على السلطة لتصبح القبيلة هي الدولة والملاذ الآمن من بشاعة الحروب الأهلية ووحشيتها .
وفي ظل الظروف الراهنة التي تشهدها دارفور وبعض أقاليم السودان الأخرى نحن بحاجة إلى إعادة النظر في دور المثقفين والمهتمين بالشأن العام ووضع منهجية للبحث عن المصالح والقواسم المشتركة بين جميع المكونات الأجتماعية ومحاولة جعلها أرضية لتمهيد الطريق نحو الخروج من نفق التعصب القبلي وتأسيس نظام مستقر قابل للصمود ضد أي مشاكل أو خلافات مستقبلية ، علينا أن ننظر حولنا ونعود إلى دروس التاريخ لكي نبحث عن مخرج لهذه المشكلة ، ولا حرج في التعلم من تجارب الآخرين فمشاكلنا ليست نادرة بل هي صنع الحالة التي نعيشها والمخرج منها هو في تعطيل دور القبيلة بالكامل أو إضعافها في الحياة بحيث لا يكون لها قيمة وان تدير الدولة شؤونها خارج إطار الفصل القبلي والإجتماعي بين أبناء الشعب الواحد .
عبر التاريخ ، قامت الحروب حول العالم بسبب الرغبة الجامحة في السلطة ، للإستيلاء على مكتسبات الآخر ، وعليه فكان على الضعيف أن يتعايش مع القوي ويرضخ لحكمه أو أن يتعلم وبسرعة كيف يكون أقوى منه ليهزمه ويسترد حقوقه ، الأمر الذي يؤدي الى صراع مستمر ، ومع مرور الوقت يضعف أحد الطرفين وينتهي ليتفرد الآخر بالسلطة ويقيم سبل الحكم التي تروق له بدون أي مراعاة للحقوق والمسؤليات.
هذه الوضعية لا تتماشى مع مفهوم الدولة الحديثة التي ترسخت فيها قيم نبيلة للحفاظ على حقوق المجتمع ، فكانت الدساتير والمعاهدات وإستقلال القضاء وفصل السلطات ليعم الإستقرار والامان
لكن للأسف كل الحكومات التي تعاقبت على سدة الحكم في السودان عمدت إلى تقسيم المجتمع الى مجموعات قبلية مختلفة وعملت على دمج هذه الفكرة في الحياة السياسية كطريقة لتقاسم السلطة فيما بينها الأمر الذي أعاد إنتاج مفهوم القبيلة ونشرها كالسرطان في كل بقاع الدولة.
الآن نجد قيمة القبيلة في حياة الأفراد في كثير من بقاع السودان متطابقة مع ما كان ينبغي للدولة إن تقدمه لشعبها ويتضح ذلك من خلال النقاط التالية :
١- الأمن : في أي صراع ينشب بين شخصين، تقوم القبيلة بالوقوف مع أبنائها بغض النظر عن كونهم ظلمة أو مظلومين ، والقبيلة هي أيضا من تدفع الدية في حال قتل أحد أبنائها فردا من قبيلة أخرى . الأمر الذي يحفظ حياة هذا الفرد ويزيده ولاء للقبيلة وتماديا في جرائمه وجوره في بعض الأحيان حيث لا رادع.
٢- السياسة : لا مكان للخبرات والشهادات العليا لأن القبيلة هي مصدر القوة والأولوية تكون دائما لأبناء أصحاب النفوذ في القبائل المتسيدة الأمر الذي جعل مناصب الدولة معظمها لأشخاص غير جديرين بها.
٣- فرص العمل : تمكن القبيلة الطامحين من أبنائها من تسلم أعلى المناصب المرموقة بفضل ترابط أعضائها وتواجدهم في مناصب سياسية مهمة في الدولة ، الأمر الذي يكون طبقة من الأفراد الذين يحاولون تكوين دولة داخل الدولة يكون ولائها للقبيلة.
في ظل هذه العقبات وغيرها يصبح الشخص غير قادر على طرح أفكار مغايرة لفكر القبيلة بدون خطة واضحة وحلول عملية يمكن تطبيقها على أرض الواقع ، فلا يمكن لشخص يخشى على نفسه وأهله وماله أن يتخلى عن قبيلته التي تمثل له الضمان الوحيد لحياة مقبولة في ظل دولة متهالكة غير قادرة على تأمين حياة مواطنيها . لإيجاد هذه الحلول العملية علينا أن ننظر الى غيرنا من الدول لفهم الدروس والعبر التي تمكننا من معالجة هذه المشكلة الإجتماعية.
وعلى الحكومة الآن:
١- أن تبنى دولة قوية تحفظ حقوق المواطنين وتجعلهم متساوين أمام القانون وتحمي أرواحهم وممتلكاتهم عبر جهازي شرطة وقضاء نزيهين.
٢- أن تمنح فرص عمل كريمة لجميع مواطنيها بدون محاباة أو تمييز .٣- فرض هيبة الدولة وإلزام المواطنين على التكيّف مع متطلبات الدولة القاضي بحصر السلاح بيد مؤسساتها الأمنية فقط لأن استمرار ظاهرة انتشار السلاح خارج إطار الدولة يقضي على كل الآمال والفرص بتحقيق نهضة كبيرة في الميادين كافة ، وليس هناك مستفيد من هذه الظاهرة سوى الافراد والجماعات التي تستغل ضعف الدولة لكسب المزيد من الامتيازات على حساب المنفعة العامة للشعب لذلك لابد للدولة أن تسعى بكل امكانياتها للقضاء على ظاهرة انتشار السلاح خارج إطار الدولة وبشتى الطرق سواء كانت السلمية أو حتى سبل القسر والاكراه .
واخيرا من اهم السبل التي من الممكن ان تعتمد عليها الحكومة لتحقيق هذا الهدف هو تجاوز حالة الضعف في مؤسسات الدولة الامنية التي تعاني من غياب المهنية في ظل تعدد الجهات الأمنية فلابد من توحيد القوات النظامية وإعادة هيكلتها ليشعر المواطنين جميعا بان مؤسسات الدولة قادرة على حمايتهم من اي تهديد .
وهذا ما ينادي به الكمراد عبدالعزيز آدم الحلو منذ زمن طويل .. علمانية الدولة وأساس المواطنة بعيدا عن القبيلة ، العرق أو الدين ..الدولة تحترم وتقف على مسافة واحدة من جميع الأديان، الدولة مسئولة فقط عن رفاهية ، أمن وسلامة مواطنيها وليس عن معتقداتهم .. والآية تقول ولكم دينكم ولي دين..