مقالات سياسية

ما نوع التغيير الجذري الذي أؤمن به؟

ما نوع التغيير الجذري الذي أؤمن به؟

صديق الزيلعي

سأتوقف مؤقتا عن مواصلة المقالات التي وعدت بها وتتعلق بتجارب الشعوب الأخرى حول انهاء حكم العسكر. سبب التوقف الاضطراري، انه ورغم العديد من الرسائل الذي أشادت بالمقال، الا ان رسالة واحدة اثارت قلقي. الرسالة من صديق عزيز ومناضل صلب، عملنا معا منذ سبعينات القرن الماضي، بل تقاسمنا حجرة السكن في داخليات جامعة الخرطوم. لم يعجبه نقدي للتغيير الجذري، بل سألني بلهجة حزينة: هل جنيت؟

نعم جنيت، وجن كلكي كمان ولابس عقلانية. والعقلانية مبنية على سلطة العقل. العقل يتبني مقولة جوته الشهيرة: ” النظرية رمادية وشجرة الحياة في اخضرار دائم”. وهذا هو جوهر الديالكتيك، حيث لا شيء ثابت، والكل في حالة حركة مستمرة. فالعالم يتغير باستمرار، وكذلك الدول، والأحزاب، ووسائل التواصل، ومناهج المعرفة. الحياة تقدم لنا تحديات يومية ومستمرة. والعقل يجتهد ويبحث لتقديم أجوبة لها. وكلما تخطينا عقبات ظهرت أخرى جديدة. هذا المنهج لا يقبل السكون، ولا يقبل القوالب النظرية الجاهزة. ويتبنى التجديد والتجدد باستمرار، لا نهائي.

ما قيمة الكلام أعلاه لحديثي عن التغيير الجذري؟

المقولات أعلاه ترتكز عن لا شيء ثابت. لذلك ما طرح كتغيير جذري في عام 1917، أو بعد الحرب العالمية الثانية. يصبح ذلك ارثا وتجارب يدرس لتحديد جوانب قوتها ونجاحها أو نقاط ضعفها وأسباب فشلها. لك لا يمكن إعادة تطبيقها كاملة وبحذافيرها. في السودان ما كان يطرحه الحزب الشيوعي، عندما كان اسمه الحركة السودانية للتحرر الوطني أو الجبهة المعادية للاستعمار، لا يصلح لظروف ما بعد الاستقلال. ومواثيق المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي الذي انعقد في عام 1967، بكل زخمها، لا يمكن تبنيها بكلياتها اليوم. وقس على ذلك، ليس بمنهج عدمي يلقي كل الماضي بجرة قلم، ولا بمنهج ماضوي ينكفئ على الماضي تماما.

كتب عبد الخالق محجوب، في كتابه أفاق جديدة، الصادر في 1957 (قبل أكثر من نصف قرن)، ما يلي:

” جرت في الفترة الأولي دراسات واسعة وتوجت باستكمال الاشتراكية العلمية التي وضعها ماركس وانجلز. وفي الفترة الثانية التي أعقبت التطور السلمي للرأسمالية وتحولها الى الاحتكار والاستعمار، جرت دراسات قام بها لينين وتوصل الى ان الفترة الجديدة هي عهد الثورة البروليتارية. وفي هذا السبيل استبعد لينين القيم التي وضعها ماركس ولم تعد ملائمة للفترة الجديدة. والفترة الراهنة لا تقل في وزنها عن الفترتين السابقتين. ومن الطبيعي ان تذهب الدراسات والبحوث الى حدود بعيدة لإعادة النظر في معظم القيم الاشتراكية بهدف الاحتفاظ بكل ما هو ملائم منها واستبعاد كل ما أصبح ميتا لا يتمشى مع الظروف الجديدة. ”

كتب هذا قبل أكثر من نصف قرن، وحدث بعده ما حدث. انهار الاتحاد السوفيتي، وتشتت دول المعسكر الاشتراكي، وتطورت الثورة العلمية والتكنولوجية، بما لا يقارن بعهد كتابة ذلك النص. بعد كل ذلك هناك من يتمسكون بالقوالب القديمة حرفيا، ويحاولون إعادة عجلة التاريخ للوراء، ويجربون المجرب.

هذا على المستوى النظري. ماذا على المستوى العملي:

شعبنا يواجه قضية إيقاف الحرب ثم مواجهة قضيته المركزية وهي تفكيك النظام الشمولي وبناء نظام ديمقراطي مستدام. وكان هذا هو جوهر كل الاتفاقات والتحالفات والمواثيق، التي تمت، منذ بداية الانقلاب وحتى ثورة ديسمبر. ولايزال هو هدفنا الأساسي لأنه لم ينجز بعد. لذلك الاولوية هي لتفكيك دولة الحزب الواحد وإقامة دولة الوطن. وهو ما يجمع كل أطياف قوى الديمقراطية والوطنية السودانية.

أنجاز هدف إقامة النظام الديمقراطية هو الاولوية القصوى. وبعدها نعمل وسط الجماهير لإقناعها بالتغيير الجذري. وهنا من الضروري التأكيد، وبقوة، ان كل محاولات تطبيق التغيير الجذري من أعلى انتهت الى فشل ذريع. وما نريده ان تقتنع الجماهير بنوع التغيير الذي سنطرحه وبحوار جاد معها ،ثم نعمل جميعا لتحقيقه.

من يريد فرض التغيير الجذري على شعبنا فهو واهم.

تعليق واحد

  1. كويس انك تعتمد التفكير العقلاني لكن هذا التفكير العقلاني الذي استخدمته في حالة التغيير الجذري لو استخدمته لنقد اطروحات قحت او تقدم ستجد ان الامر تعدي حدود المعقول في الهوس الدكتاتوري(لا اريكم الا ما أرى).

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..