قصة طباعة كتاب “مذبحة الضعين ? الرق في السودان” ونشره وتوزيعه

سعاد إبراهيم أحمد. الراحلة، لم تمهلنا. سعاد الشيوعية العظيمة. بضحكتها الجميلة في دار أساتذة جامعة الخرطوم. وبسيجارتها الطويلة في العلن. المهمومة بقضايا التعليم الأساس. علمتنا عن المرأة المناضلة بالتفكير وعن الشيوعية السودانية ما لم ينطو عليه كتاب ماركس الذي لم نقدر على إكمال قراءته أو فهمه رغم المحاولات المستميتة. كانت تسألني، أنت متفق معنا فلماذا لا تنضم للحزب؟
لها الرحمة، أتذكرها ويتذكرها كل من عرفها.
كانت سعاد المسؤولة عن مطبعة الزهراء حين ذهبتُ إليها في معية صديقي د. الواثق كمير. لطباعة كتاب مذبحة الضعين – الرق في السودان. فوافقت دون أي تردد، بعد القراءة. ووجهت الموظف المسؤول، شيوعي اعتقلته الإنقاذ كنا معه لاحقا في سجن شالا. له التحية. وجهته بالشروع فورا في إنجاز طباعة الكتاب، حتى قبل دفع أي مبلغ من المال.
بعدها بيومين أو ثلاثة، عرفت أن “رجال” الحزب من أولاد العرب، وبحكم العلاقة بالمطبعة فيما يبدو، رفضوا رفضا باتا طباعة الكتاب في مطبعة الزهراء. فاعتذرت سعاد. مع تبيين موقفها أن الكتاب يجب أن يتم نشره بأية طريقة أخرى. وسلمتني مجانا جميع لوحات الطباعة المعدة كاملة ولم يبق بعدها إلا تمرير الورق عليها لتخرج كتابا. ذات اللوحات الطباعية من مطبعة الزهراء هي التي تم استخدامها لطباعة الكتاب في مطبعة النور.
كانت مطبعة الزهراء حددت قيمة الطباعة للكتاب بـأربعة عشر ألف جنيها. لم يكن هذا المبلغ في حوزتي. ولم يكن عند سليمان بلدو الذي كان في فرنسا في ذلك الوقت. فلجأت إلى نقابة أساتذة جامعة الخرطوم. بطلب لإقراض المبلغ، على أن يتم تسديده في دفعات شهرية من مرتبي ومن مرتب بلدو. وتوجد وثيقة صادرة من نقابة الأساتذة تبين هذا الأمر لا أجدها بين أوراقي اليوم. لكنها موجودة عندي.
انعقد اجتماع عاصف للجنة التنفيذية لنقابة الأساتذة. التي كان مسيطرا عليها بالكامل من قبل القوى الديمقراطية واليسارية والشيوعية.
كان هنالك انقسام حاد في اللجنة التنفيذية، بين مؤيد ومعارض للقرض ولنشر الكتاب أصلا. ورفض بعض أعضاء اللجنة رفضا باتا أي قرض لنشر كتاب مذبحة الضعين ? الرق في السودان. قال لي أحد أعضاء اللجنة التنفيذية، فلكأنك يا عشاري تقول لنا بعنوان كتابك إنه عن “……. في السودان”! (النقاط بعدد الحروف)
لكن الأغلبية الضئيلة بواحد فقط، خمسة إلى أربعة، كانت مع توفير المبلغ كسلفية يتم اقتطاعها من مرتبي ومن مرتب بلدو.
وبدون ذلك القرار من قبل اللجنة التنفيذية بإعطاء قرض، ما كان ممكنا طباعة الكتاب. خاصة بعد أن كانت جميع الصحف العربية بما فيها جريدة الأيام رفضت نشر المقالات المتسلسلة. ففقدت الأمل، وفكرت في إصدار نشرة خاصة بالرونيو في “الحقيقة”! مثل تلك التي كنت نشرت فيها خطاب جون قرنق لرئيس وزراء الانتفاضة الجزولي دفع الله، المنسِّق تِحِت تِحِت مع الجبهة الإسلامية. نشرة الحقيقة التي كنت نشرت فيها مقالي عن “المؤامرة العنصرية” المفبركة من قبل اللواء السر أب أحمد والإسلاميين ودكتور الجزولي دفع الله.
لكن الدكتور الواثق كمير. لم يفقد الأمل. ظل مثابرا يسعى بجميع الطرق الممكنة إلى نشر الكتاب. اتصل بأحد معارفه من الشباب في الخرطوم. مدير مطبعة النور. شاب لم يتجاوز السادسة والعشرين. لا علاقة له بالسياسة بمعناها الساري. أبدى حماسة رائعة لنشر الكتاب، بعد قراءته لمسودته. أمل السودان الوحيد في شبابه، لا في هؤلاء المكنكشين بأشكالهم القبيحة من كل نوع. لم يكن هذا الشاب الذي سأُثبت اسمه لاحقا مدفوعا بأية دواعي مالية أو ربحية. ورغم أنه كان صدر حكم قضائي سابق بعدم محاسبة الطابع على محتوى ما يطبعه من أقوال وكتابات الآخرين، كان الخطر ماثلا على الطابع في سياق الحكم الدكتاتوري برئاسة الصادق المهدي.
قال لي هذا الشاب صاحب المطبعة «إذا وضعوني في السجن، فأنا متأكد أني سألقاك هناك قبلي»!
وأصدر توجيهاته بطباعة ستة ألف نسخة من النص باللغة العربية. وتم التوزيع المباشر على الأكشاك أغلبها باعت الكتاب واحتفظت بالقيمة. وجرى توزيع مجاني للكتاب على نطاق واسع، كالمائة نسخة للأستاذ جمعة عبد القادر للتوزيع المجاني في منطقة جبال النوبة.
أما النسخة الإنجليزية، فقد كانت بسبب حصول د. سليمان بلدو على موافقة الأستاذ بونا ملوال على النشر إذا تمت ترجمة النص العربي. فأكملتُ الترجمة ملخصة في يوم واحد. وصححتْها مجانا الأستاذة البريطانية الأصل السودانية عاشقة السودان والمنفعلة مع قضاياه، جوديث النقر. فتم نشرها في حلقات في سودان تايمز، الجريدة الوحيدة التي وافقت على النشر.
بعدها، تمت طباعة الكتاب الإنجليزي في مطبعة النور أيضا. وهي النسخة التي أُرسلت مائة نسخة منها إلى الحركة الشعبية فوزعها جون قرنق على الرؤساء الأفارقة المجتمعين في أديس أبابا. ثم نشرتها الحركة الشعبية في كتيب صححت فيه الأسماء الجنوبية وأضافت رسومات لم تكن في الأصل.
ألف وخمسمائة قتيلا من المدنيين المصنفين على أنهم أفارقة. في يوم واحد. 27-28 مارس 1987. في حضور القاضي والجهاز التنفيذي وشيوخ القبيلة، وفي حضرة حكومة رئيس الوزراء والبرلمان “الديمقراطي”.
أما آن الأوان للإسلاميين أولاد العرب أن يغسلوا هذا العار؟ بالتحقيق في هذه الجريمة ضد الإنسانية لا تنتهي بالتقادم؟ وللانتصاف لأسر الضحايا؟ هذه صورة بعض الناجين في معسكر في مدينة كاس تقدم لهم المناصرة الإنسانية الموظفة البريطانية في منظمة أوكسفام (تصوير سليمان بلدو في مايو 1987).
ذلك من كتابي الذي يصدر قريبا عن “قصة كتاب مذبحة الضعين ? الرق في السودان”، مع إصدار نسخة منقحة للكتاب الأصلي. انظر قريبا [url]www.ushari.net[/url]

عشاري أحمد محمود خليل
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يا عشارى انت مشكلتك مش عارف الحاصل شنو وحكاية رق دى غير موجودة البته فى مناطق العرب عموما فى كردفان ودارفور وكل حنوبى كان موجودا كراعى للمسيرية او الريقات او غيرهم ممن ينتمون الى اثنيات عربية كان يعمل باجر وياخذ سنويا بقرة مع كامل التكفل باكله وكسوته ويعامل كما يعامل الاخرون ياكل مع الناس فى قدح واحد فى الضرا وليس هنالك اى فروق بينه وبين بقية القوم واحيانا كثيرة هنالك من خلفتهم حرب الجنوب ياتون بانفسهم للعمل كرعاة ويصبحون كابناء الفريق وفيهم من يتزوج من المسيرية او غيرهم اذا دخل الاسلام حيث انه لايكره عليه وانما يدخله برغبته اذا اراد .ولكن ما كتبه الدكتور عشارى انا ما عارف جاب الكلام دا من وين . هو افتراء على القبائل العربية غير كاملة الدسم حيث ان سحنات القبائل التى تنتمى الى العروبة هى فى بعض الاحيان اقرب الى السحنات الافريقية .

  2. المذابح التي تمت في السودان كثيرة يا اخى ومنها مذبحة الضعين ومذبحة يامبيو ومذبحة المتمة التي قتل فيها عشرة الاف نفس من الجعليين ومذابح الشمالية التي قتل فيها اكثر من عشرين الف من أولاد البحر واحراق عشرات القرى أيام الخليفة عبدالله التعايشى واخيه يعقوب وكذلك مذابح الدفتردار الانتقامية وبطشه بعرب الحسانية والكواهلة والبقارة ……فلنتعلم من ما حصل ..استحضار الماضى يقيدنا عن استشراق المستقبل وسنظل في دوامة التخلف الى قيام الساعة ..

  3. يا دكتور موقف الحلفاوية الشيوعية من طبع الكتاب هو وموقف واحد لكل البشر الذين يسكنون شمال الخرطوم لا فرق بين الاخ المسلم او الشيوعي

  4. we are waiting for the second edition. omer Albasir will not go down alone there were accomplices .
    I had an honour to have your first edition .in 1988.glad you are still upholding this case.

  5. عشاري نرجسي من عينة الشيوعيين البيكرهوك في الشيوعية حتى تصدق نقمة الاسلاميين عليها ، اطلعت على الكتاب وقتها في الثمانينات واتضح لي حسب معيشتي في مناطق التماس انوا اول مرة شكلهم يشوفوا عينة الصدامات والمجازر دي رغم ان المسيرية والرزيقات كانوا ضحايا مزابح على يد الدينكا اسوأ بالف مرة وكشاهد لها يمكنيي تاليف الف كتاب لكن لن يجدوا تعاطف فقط عندما يصورهم امثال عشاري بانهم الطرف المجرم لانتمائه للحركة وقتها وهي تحارب في نفس الحكومة التي انتخبها الشعب ويسميها عشاري حكم دكتاتوري!!!

  6. يا دكتور عشاري يا محترم إنت حرمت إبنتك زوان من رؤية أمها طليقتك سنين عديدة و لا زلت. هذا الفعل ليس من الرجولة و الأخلاق في شئ. خاف الله و أسمح لطليقتك برؤية ابنتها يا دكتور يا كبير يا بتاع حقوق الإنسان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..