مخلفات التعدين..اكتناز الموت
وزير المعادن : وجود الخلاطات في أي موقع مخالفة يجب إزالتها

مبارك اردول : المسؤولية المجتمعية إزالة الخطر وليس إيرادات فقط
مدير شرطة نهر النيل : أسواق التعدين بها كل أنواع الجرائم والمخالفات
شركة سودامين : يمكننا لمعالجة المخالفات وإزالة آثارها بالولاية
الخرطوم: النذير دفع الله
نتيجة لانتشار ظاهرة معالجة مخلفات تعدين الذهب بواسطة الخلاطات – وهي ظاهرة حديثة نوعاً ما – في المناطق السكنية والمزارع في ولاية نهر النيل، ولخطورة هذا النشاط على صحة الإنسان والبيئة، قام فريق من الباحثين في جامعة النيلين بالاتصال بالجمعية السودانية لحماية البيئة والمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية، ومن ثم تم تكوين فريق عمل للقيام بالآتي:
زيارة المواقع ذات الصلة بهذا النشاط في ولاية نهر النيل، بالإضافة لتنوير الجهات المختصة في الولاية بخطورة هذه الأنشطة ودق ناقوس الخطر، على أن يتم اتخاذ التدابير اللازمة حفاظاً على صحة الإنسان والحيوان والبيئة.
بحيث تهدف الدراسة لقياس مستويات التلوث بالزئبق في الإنسان والحيوان ومكونات البيئة في منطقة الدراسة ودراسة الأثر لمخلفات التعدين على صحة الإنسان والحيوان. فضلاً عن تنوير متخذي القرار بخطورة معالجة مخلفات التعدين في المناطق السكنية والزراعية توطئة لإصدار قرارات بمنعها وتقوية التشريعات واللوائح المنظمة لهذا النشاط، ولفت نظر الولايات الأخرى بخطورة هذه الأنشطة، ومن ثم رفع الوعي البيئي للمواطنين من خلال وسائل الإعلام والوسائط المختلفة.فيما شملت الدراسة جملة من المبررات، منها خطورة التلوث بالزئبق للإنسان والحيوان، وذلك لوجود كميات كبيرة من مخلفات التعدين الملوثة بالزئبق وانتشارها في المناطق السكنية والزراعية مما يزيد من معدل تعرض الإنسان والحيوان والبيئة لها.
وتتمثل خطورة هذه الظاهرة في انتقال التربة الملوثة بواسطة العوامل الطبيعية المختلفة مثل السيول والفيضانات والرياح، مما يساعد على انتشار التلوث في نطاق واسع. أما العائد الاقتصادي السريع لهذا النشاط قد يؤدي لانتشاره إلى مناطق أخرى، وإلى هجر الأنشطة الاقتصادية الصديقة للبيئة مثل الزراعة وتربية الحيوان، وانخراط أعداد كبيرة من صغار السن والشباب في هذا النشاط لمردوده السريع، مما يشكل خطورة على صحتهم. أما الأخطر من هذا هو التأثير السالب على جودة وسلامة المنتجات الزراعية والحيوانية والأغذية، مما يشكل خسائر اقتصادية فادحة، ولفت الانتباه والامتثال لمتطلبات اتفاقية ميناماتا.
ملخص الدراسة
أجري هذا البحث لدراسة الآثار البيئية والصحية لظاهرة انتشار استخلاص الذهب من مخلفات التعدين الملوثة بالزئبق (الكرتة)؛ بواسطة الأهالي باستعمال مواد كيميائية أهمها مادة الثيوريا في المزارع والمناطق السكنية بولاية نهر النيل بين مدينتي عطبرة وبربر. وتم عمل مسح ميداني عن طريق استبانات للمواطنين وأصحاب خلاطات استخلاص الذهب، كذلك أخذت عينات من مكونات البيئة في المنطقة شملت الكرتة والتربة والمياه والنباتات، كما أخذت عينات من (دم وبول وشعر) من المواطنين وألبان البهائم. واستخدمت في هذه الدراسة صور الأقمار الصناعية عالية الإيضاحية لتحديد وإحصاء مواقع استخلاص الذهب في منطقة الدراسة. تم التحليل عن مستوى الملوثات الكيميائية وأهمها الزئبق بالمعمل المركزي بجامعة الخرطوم، كما حللت البيانات إحصائياً باستعمال برنامج SPSS. أدى ملخص الدراسة إلى وجود انتشار العشوائي لأكوام الكرتة الملوثة بالزئبق في ولاية نهر النيل، بلغ في جملتها (أكثر من 700 كوم) والتي يتركز معظمها حول (السلمة ودار مالي) مما يصعب السيطرة على الحد من تلوث البيئة في الولاية. بل وظهور مستوى عالٍ من عنصر الزئبق في عينات التربة والكرتة، يؤكد مما لا يدع مجالاً للشك أن الكرتة هي المصدر الأساسي لتلوث المنطقة بالزئبق. وجود أكوام الكرتة وأحواض الغسيل حول الخلاطات وبصورة مكشوفة يجعل الإنسان والحيوان أكثر عرضة للتلوث والتسمم وتزداد هذه الآثار مع مرور الوقت.
وأوضحت الدراسة عن جملة من التحديات التي تواجه الوضع البيئي في المنطقة، هو ترك مخلفات التعدين في المناطق السكنية والمزارع بعد استخلاص الذهب، خصوصاً أن أصحابها ليس لهم نية لإزالتها. كما لاحظت الدراسة والبحث تراجعاً ملحوظاً في النشاط الزراعي والحيواني من قبل الأهالي في المنطقة، وتفضيلهم إيجار مزارعهم لأصحاب الخلاطات وذلك للمردود المادي السريع وقلة الوعي بالمخاطر المترتبة على هذا الأمر. كما تسببت عملية فرض العقوبات من قبل السلطات الولائية على ممارسي هذا النشاط في القرى المحاذية لنهر النيل الى انتقاله الى القرى المنتشرة حول نهر عطبرة، مما يوسع من دائرة انتشار التلوث في تلك المناطق؛ خاصة أنها مناطق إنتاج زراعي وحيواني. كما أظهر التحليل الكيميائي لمياه الشرب؛ وجود نسبة عالية من عنصر الزئبق تحديداً في منطقة (بانت) التي وجد بيها كميات كبيرة من أكوام الكرتة، وقد تجاوزت هذه النسبة الحد المسموح به من منظمة الصحة العالمية.
أثبتت نتائج التحليل المخبري لعينات البول والدم ظهور نسب عالية من الزئبق في الأطفال الذين هم أكثر حساسية للتسمم بالزئبق ويعتبر هذا مؤشراً خطيراً جداً للمجتمعات في المناطق المشابهة.
معدلات نسب التلوث التي رصدت تعتبر مرتفعة جداً مقارنة بقصر الفترة الزمنية التي وضعت فيها الكرتة.
كما أوصت الدراسة والبحث بالعمل الفوري على إزالة وترحيل الكرتة الى أماكن مدروسة ومتفق عليها من الجهات ذات الصلة، وذلك بترحيلها إلى جهات مؤهلة بغرض استخلاص الزئبق منها.
قيام حملات توعوية للمعدنين والمواطنين في كل الأجهزة والوسائط الإعلامية لضرورة منع تكرار هذا النشاط في المناطق والولايات الأخرى. وشددت الدراسة على تقوية التشريعات اللازمة واتخاذ إجراءات فورية لوقف هذا النشاط في المناطق السكنية والزراعية.
زيرو خلاط..
قال وزير المعادن ابومحمد بشير ابو نمو ان إزالة الخلاطات والآثار السالبة للتعدين التقليدي بدأ قبل أكثر من شهرين, من خلال تكوين لجنة، مضيفاً أن وجود الخلاطات في أي موقع من المواقع غير قانوني ولا يسمح بوجودها أو التعامل معها، واتهم ابو نمو – خلال اجتماعه مع لجنة أمن ولاية نهر النيل – بعض جهات لم يسمها – بأنها تمتلك عدداً من الخلاطات وأحواض الغسيل مما يعيق عمل اللجنة في إزالة الخلاطات مطالباً تلك الجهات بالتعاون مع اللجنة التي أظهرت نسبها الأولية تقدماً ملحوظاً في عملية الإزالة وأكد أبو أن الإنتاج والإيرادات العالية لنهر النيل يمكن أن تذهب جلها في معالجة آثار هذه الظواهر السالبة والأمراض التي تسببها هذه الخلاطات من السرطانات وغيرها، موضحاً أن الولاية متعاونة جداً في هذا الأمر، كما أنها معنية بطريقة مباشرة في إزالة المخالفات، وأضاف ابونمو.. أتيت للولاية كمواطن سوداني بلغ به الهم ما بلغ من هذه الكارثة التي تحدق بأهالي نهر النيل والسودان جراء استخدام هذه الخلاطات والمواد، موضحاً أن السلطات القضائية تعمل بكل جهد من خلال عدد من المحاكمات التي تتعلق ببلاغات الإزالة والتي بلغت حتى اللحظة أكثر من (19) من المحاكمات، كما نترجى السلطات القضائية الإسراع في المحاكمات الأخرى تقديراً للمخاطر التي يواجهها الناس من هذه الخلاطات، وشدد ابونمو بضرورة إزالة جميع الخلاطات وإعلان الولاية والمنطقة (زيرو خلاط) كاشفاً عن وجود ورشة معروفة يمتلكها شخص معروف، تقوم بتصنيع هذه الخلاطات مما يستدعي التعامل مع هذه الورشة بالقانون والتعاقد مع جهات أخرى لصهر جميع الخلاطات المصادرة، كما أن وجود هذه الورشة حتى اللحظة يمثل كارثة حقيقية أقر أبو نمو بانتشار الخلاطات داخل المنازل والمزارع، مما يستدعي إقامة حملة إعلامية للتوعية بمخاطر الخلاطات وآثارها الصحية والبيئية.
سيادة القانون
ومن جانبه؛ قال مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك اردول: يجب إزالة جميع الخلاطات والأحواض، وكل التشوهات المصاحبة للتعدين التقليدي وغير المصرح به، مضيفاً أن وجود وزير المعادن على رأس الحملة هي أكبر دافع يؤكد بأن الوزارة والشركة السودانية تولي القضية أكبر اهتمام لما تمثله من كارثة ستمتد آثارها لكل السودان، وأوضح اردول أن التشدد في إزالة الخلاطات هو ضمن المسؤولية المجتمعية للشركة تجاه المواطنين والأهالي فالأمر ليس إيرادات فقط وإنما محافظة على البيئة وعدم تأثر المواطن والحيوان والزراعة من خلال التعامل مع المواد الكيمائية، مشدداً بضرورة تطبيق القانون على أنفسنا والالتزام بالمعايير والسلامة، وأكد اردول أن أي نشاط غير مصرح به يجب إزالته فوراً، ولا كبير في المخالفات ولا كبير على إزالة المخالفات، لسنا ضد المنفعة، ولكن بطرق غير مضرة للآخرين، مشيراً إلى أن الحدود مع ولاية البحر الأحمر والشمالية أدت لتسرب الخام من الكرتة الى ولاية نهر النيل، منادياً بضرورة التوعية الإعلامية وكشف اردول عن أن عدد الخلاطات بلغ 2000 خلاط في العام 2019 وفي هذا العام سيكون أكثر من 3500 خلاط، ولكن تظل الولاية هي شريك في إزالة هذه الخلاطات والوصول لـ(صفر) خلاط لحماية المجتمع . موضحاً أن الأصل والأولوية في الكرتة لحكومة الولاية، وبعدها يؤول للشركات الحكومية، مبيناً أن شركة سودامين التزمت بمعالجة مخلفات التعدين وإزالة الأثر المتبقي لهذه الخلاطات، سيما أنها الشركة التي آلت إليها توفير جميع خدمات التعدين واستيراد مدخلات الإنتاج بالطرق المثلى، كما أنها كانت في العام 2019 تعالج ما يزيد عن 500 طن في اليوم، كاشفاً عن إصدار قرارين خلال هذا الشهر؛ يمنح سودامين حصرياً استيراد مدخلات الإنتاج من الكربون النشط والزئبق وضبط العمل واستخدام بدائل الزئبق لإنقاذ السودان من نهر النيل، مبرراً أن معالجة المخلفات مع سودامين فيه يراعي نصيب الولاية من الإنتاج.
حدود مفتوحة
أما مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية بنهر النيل، أسامة الماحي، قال إن وقف نشاط الخلاطات ومحاربتها يتطلب استمرار الحملة من جميع الأجهزة الأمنية، بالإضافة لمحاربة مصدر الكرتة والحل السليم للمشكلة، مضيفاً أن نسبة الكرتة في الولاية لا تتجاوز 5% من جملة الإنتاج، وأشار أسامة إلى أن كل الكرتة المستخدمة في ولاية نهر النيل تأتي من ولاية البحر الأحمر، مبيناً أنه مهما اجتهدنا بتكثيف الحملات فإننا لا يمكننا محاربة الكرتة والتعامل معها إلا إذا قمنا بقفل الحدود مع ولاية البحر الأحمر، وأكد أسامة وجود شركة واحدة ومعروفة تأتي بالكرتة من البحر الأحمر، موضحاً أن الحملات ما زالت مستمرة لإزالة جميع الخلاطات من منطقة دار مالي، وقال أسامة : جميع الشركات التي تأتي للولاية بغرض التعدين الكبير والصغير تأتي عبر وزارة المعادن، وأقر أن أكبر مشكلة توجه عمل الشركة السودانية بنهر النيل هو عدم تنظيم الأسواق.
إنذار بالخطر
مدير شرطة الولاية اللواء الطاهر على محمد بلولة، قال : إن عمليات الضبط المتعلقة بإزالة الخلاطات تكلف الشرطة كثيراً من الناحية المادية واللوجستية وارتفاع تكلفة التشغيل العالية، مضيفاً أن الشرطة هي رأس الرمح في عمليات الإزالة، ويقع عليها عبء كبير وطالب بلولة ببناء عدد من أقسام الشرطة بمناطق التعدين والأسواق.
كاشفاً أن أسواق التعدين تتوفر فيها كل أنماط الجريمة، داعياً لضرورة الحماية العالية لمكاتب الشركة بالأسواق، وأقر بلولة بوجود عدد من جرائم القتل وغيرها بمناطق التعدين مع حدود البحر الأحمر، ولكن لقرب المسافة تتحمل نهر النيل هذا العبء الإضافي، وطالب بلولة بأن يتم تخصيص نصيب من عائد الذهب لشرطة نهر النيل لمزيد من الحماية ومنع الجريمة والمخالفات .
حقوق الأجيال
ومن جانبه؛ كشف والي ولاية نهر النيل محمد البدوي ابوقرون عن عدد من حالات الإجهاض وسط الفتيات حديثي الزواج بمدينة بربر، والتشوهات والأمراض التي سببتها آثار معالجة مخلفات التعدين بالولاية وبالتحديد منطقة دار مالي، مما يستدعي التدخل الفوري والعاجل لإزالة جميع الخلاطات التي تسببت في هذه الأمراض، مشدداً بعدم التراخي والمجاملة في إزالة الخلاطات، و التعامل بالحسم من خلال أوامر محلية للولاية لمعالجة جميع الإشكالات، ورحب ابوقرون بالحلول التي وضعتها شركة سودامين حول معالجة المخلفات وإزالة آثارها الصحية والبيئية في وقت قصير
وأوضح ابوقرون أن الولاية أخذت عدداً من العينات المتعلقة بالـ(دم والبول والشعر) لإجراء مزيد من الفحوصات ومعرفة الأمراض الأخرى لسرعة معالجتها وإنقاذ الأهالي والأجيال القادمة والمنطقة من كارثة حقيقية، وهو أمر يستحق تضافر كل الجهود.
معالجة وفائدة..
المدير العام لشركة سودامين دكتور سليمان احمد حامد قال ل (اليوم التالي) عملية معالجة مخلفات التعدين سابقاً كانت حصرياً على شركة سودامين التي تعتبر إحدى الشركات الحكومية بنصيب 99% لوزارة المالية و1% لصالح بنك السودان، مضيفاً أن العملية الاستثمارية كانت لا تضمن نصيباً للولاية، ولكن خلال مقابلتنا لوالي نهر النيل أكدنا له ضمان نصيب الولاية من عملية معالجة (الكرتة)، وبناء على القرار رقم (2,1) الصادر من وزارة المعادن والذي يعطي سودامين حصرياً العمل في مدخلات الإنتاج للعملية التعدينية بالإضافة للضوابط إذا كانت معالجة هذه المخلفات تتم بهذه المواد الحصرية يجب أن تأخذ الولاية نصيبها، والمحلية التي تنتج منها الكرتة، بالإضافة للمجلس الأعلى للبيئة والشرطة والأجهزة الأمنية والجهات المصاحبة، كل هذه المؤسسات تستحق نسبة في الكرتة بعد معالجتها، حيث وافق والي الولاية على هذا المقترح، عليه سنقدم خطتنا للولاية التي ستستفيد مباشرة من هذه الخدمة .
اليوم التالي