أخبار السودان

الوثيقة الدستورية وفرص الإصلاح القانوني 

كثيرون أصيبوا بالإحباط وخيبة الأمل  لخلو الوثيقة الدستورية الموقعة أخيراً بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير من آلية ناجزة لتعيين رئيس القضاء والنائب العام، ذلك أنَّ المادة (28) من الوثيقة الدستورية جعلت ترشيح رئيس القضاء أمراً منوطاً بمجلس القضاء الأعلى الذي لم يبرز إلى حيز الوجود بعد، كما أن المادة (32) من الوثيقة جعلت ترشيح النائب العام أمراً منوطاً بالمجلس الأعلى للنيابة العامة الذي لم يبرز هو الآخر إلى حيز الوجود، وهذا ما جعل كثيرٌ من الناقدين يصبون جام غضبهم على المفاوضين من المدنيين، إلى حدٍ نشر اليأس بين الحالمين بالدولة المدنية، الذين رنت أشواقهم إلى الإصلاح القانوني الشامل في البلاد.
غياب الآلية الناجزة لتعيين رئيس القضاء والنائب العام، هو بالفعل نقصٌ وثغرة في الوثيقة الدستورية، قد يتأثر بها الظرف الآني، لكن مع ذلك يُحمد للمفاوضين حرصهم على الإصلاح القانوني الشامل، حتى على المدى القصير، فالوثيقة على ضمور حجمها، إلا أنها حفلت بنصوص تضمن الإصلاح القانوني الشامل، وهو ما يدعو للتفاؤل بأن الأجهزة العدلية ستعبر إلى بر الأمان عبر بوابة المجلس التشريعي ومجلس الوزراء الانتقاليين.
فالمادة (28/1) من الوثيقة نصت على إنشاء مجلس للقضاء العالي ليحل محل المفوضية القومية للخدمة القضائية الحالية، ويتولى مهامها، وأكدت نفس المادة على أن القانون هو الذي يحدد تشكيل مجلس القضاء الأعلى واختصاصاته وسلطاته، وبما أن المجلس التشريعي هو الجهة المنوط بها سن القوانين بموجب الوثيقة، وأن لقوى الحرية والتغيير ثمانيةً وستين في المائة من عضويته، فضلاً عن نسبة الثلاثة والثلاثين في المائة من الأعضاء الذين ستشارك مجلس السيادة في اختيارهم،  فإنه ليس هناك ما يدعو للقلق بشأن مسألة الإصلاح القانوني المنشود، خاصةً أن نفس المجلس التشريعي بأغلبيته المعينة من قبل الحرية والتغيير هو الذي يُصدر القوانين التي تشكل بموجبها المفوضيات المستقلة وفق ما نصت عليه المادة (28/1) من الوثيقة، ومن هذه المفوضيات مفوضية الإصلاح القانوني التي خولت المادة (28/5/ا)  من الوثيقة  مجلس الوزراء الحق في تكوينها بمفرده من غير تدخل من أي جهة أخرى، ولا شك أن في ذلك ضمانة كافية لعملية الإصلاح القانوني في ظل سيطرة المدنيين – المعينين والمرشحين بمعرفة الحرية والتغيير- على مجلس الوزراء، وحتى لو أنَّ تشكيل المجلس التشريعي  تأخر لأي سبب من الأسباب فإن المادة (24/1/3) من الوثيقة تسعف القوى المدنية في عملية الإصلاح القانوني، ذلك أنها أناطت مهمة التشريع وإصدار القوانين بمجلس السيادة ومجلس الوزراء مجتمعين، وأكدت على سبيل الجزم، أن القرارات في هذا الصدد تتخذ بالتوافق، أو بأغلبية ثلثي أعضاء المجلسين، وهو أمر بلا شك تترجح فيه الغلبة لكفة القوى المدنية المعينة من قبل الحرية والتغيير، فأعضاء مجلس الوزراء هم في حدود عشرين وزيراً، يضاف إليهم خمسة أعضاء مجلس السيادة المعينين من قبل الحرية والتغيير، وهذا بلا شك فيه ضمانة تشريعية لمصلحة الإصلاح القانوني المطلوب، حتى قبل تشكيل المجلس التشريعي، فإذا صدقت النوايا وجعلت الإصلاح القانوني من الأولويات فإن السبيل إليه في الحقيقة أمرٌ عبر الوثيقة ممهد وجواده مطهم ولن يثني القوم عن بلوغه إلا عجز الراكب، لذا فعلى من كان  شوقه الدولة المدنية تجاوز الوقوف عند محطة اللغط الذي أثير مؤخراً بشأن مسألة تعيين رئيس القضاء والنائب العام، وعلى من كان حلمه تحقيق شعار (حرية، سلام، وعدالة) أن ينهض مع أبناء وطنه الكرام لبناء دولة المؤسسات التي طالما انتظرها السودانيون طويلا، بدلاً عن ندب الحظوظ وشق الجيوب على أمرٍ يُلتمس للمفاوضين فيه الأعذار في ظل ظروف التفاوض المعقدة، فالسياسة عرفها الدهاة من فقهائها الواقعيين بأنها فن الممكن، وبالممكن أن صدقت العزائم يكون صنع المستحيل، وبالله التوفيق.

خليفة السمري
[email protected]

 

‫2 تعليقات

  1. مين خليفة السمري أكيد لست بسوداني ولا نعني بذلك تقليلا من الشأن وإنما لدينا مثل سوداني يقول الجمرة بتحرق الواطيها والايدو في الموية الباردة ما زي الايدو في الحارة،،، يعني يا سيد خليفة ننتظر إلى يتم تشكيل المجلس التشريعي وحتى يقدم له مشروع قانون ويناقشه في المراحل الثلاث ويجيزه وننتظر بدأ سريانه ثم نبتدي الإصلاح القانوني ولا كيف!؟ ياخي قبل الإصلاح عندنا مشكلة في الكادر الفني في القضائية والنيابة العامة أغلبهم بل جلهم عينهم النظام البائد وفق مقاييسه وسياسة حزبه الكان حاكم وهم أعضاء فيه أو كانوا ولكن قطعاً ما زالوا يوالونه ولو نمطيا فهم لم وليس لهم استعداد نفسي أن يتشربوا روح الثورة وحرياتها وعدالتها ومساواتها وسيشكلون عائقا في وجه التغيير المنشود كما أن مجرد بقائهم يشكل حاجزا نفسياً وتوجسا منهم في محاكمات أباطرة الفساد والإجرام من الفلول. لذلك نريد اليوم مراجعة كل الكادر الوظيفي بالقضاء والنيابة العامة وتفويض الأمر لمن يؤمنون بشعارات الحرية والتغيير والمساواة بالذات والعدالة وفي هذا خير لهم قبل غيرهم فالعدالة والحرية والمساواة وكافة هذه الشعارات لا تتجزا وهي تشملهم كغيرهم ولو استحالة وضع الثقة فيهم بعد سيرة الثلاثين عاماً التي كانوا فيها يد عدالة النظام التي بطش بها وتجبر وعلا في الأرض، لقلنا اتركوه‍م لعلهم يكونوا قوما صالحين بعد زوال النظام الذي كانوا يخدمون. وعلى كل فهذه ثورة التغيير ولابد لها أن تبدأ بالكادر البشري ثم تبني صروح العدالة وهياكلها التي تصون شعارات الثورة وتمنع الظلم إلى أن يرث الله الأرض.
    وعليه نقترح أن يتوافق طرفا مجلس السيادة في البدء على تعديل المادتين المشار إليهما في الوثيقة الدستورية التي صنعاها وهما قادران على تعديلها وفق رغبة الشارع الذي هو الجهة الرقابية الشعبية المباشرة وطالما أن التعديل لمصلحته العامة فسيبارك الشارع ذلك بكل اريحية ونخشى إن لم يتم التعديل المطلوب أن يعتبر الشارع رفض التعديل ثورة مضادة يتم التعامل معها على هذا الأساس!

  2. لو انك استاذ اسماعيل قرات هذه الفقرة من المقالة بتمعن لانتهيت الى إمكانية اعادة هيكلة القضائية فور تشكيل مجلس الوزراء وقبل تشكيل المجلس التشريعي والفقرة هي القول : ((، وحتى لو تأخر تشكيل المجلس التشريعي تأخر لأي سبب من الأسباب فإن المادة (24/1/3) من الوثيقة تسعف القوى المدنية في عملية الإصلاح القانوني، ذلك أن هذه المادة أناطت مهمة التشريع وإصدار القوانين بمجلس السيادة ومجلس الوزراء مجتمعين، وأكدت على سبيل الجزم، أن القرارات في هذا الصدد تتخذ بالتوافق، أو بأغلبية ثلثي أعضاء المجلسين، وهو أمر بلا شك تترجح فيه الغلبة لكفة القوى المدنية المعينة من قبل الحرية والتغيير، فأعضاء مجلس الوزراء هم في حدود عشرين وزيراً، يضاف إليهم خمسة أعضاء مجلس السيادة المعينين من قبل الحرية والتغيير، وهذا فيه أيضاً ضمانة تشريعية لمصلحة الإصلاح القانوني المطلوب، حتى قبل تشكيل المجلس التشريعي)) وامل ان تتذكر اننا في عهد ديمقراطي يكفل حرية التعبير فكان يمكنك الإدلاء برأيك من غير إساءة للآخر ولا أظنك احرص من الكاتب على اعادة هيكلة جميع الأجهزة العدلية ولاسبيل لذلك الا ان تتم الهيكلة بالوسائل القانونية والا فاننا سنصبح مثل الكيزان تماما الذين طردوا الناس من الخمة تحت الشعار الكاذب الذي أسموه الصالح العام .. وأخيرا اقول ان من تم طرحه في المقال هو اقرب سبيل لإعادة هيكلة الجهاز القضائي ..يعني فورا بعد تشكيل مجلس الوزراء وحتى قبل قيام المجلس التشريعي ولَك السلام .. احترم رأيك واذكرك مرة اخرى اننا في عهد ديمقراطي وليس في عهد الكيزان الذي يصادر الرأي الآخر

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..