هل نحن في قرن رحيل الدكتاتوريات أم عودتها؟

فوزي مهنا – المحامي
كلما سقط طاغية كلما ازدادت البشرية سعادةً، من علي عبدالله صالح، إلى روبرت موغابي في أفريقيا، التي ودّعت برحيله آخر الطغاة، بعد أن تربّع على عرش زيمبابوي أكثر من ثلاثين عاماً، مثله مثل بقية الطغاة جاهد موغابي وناور كثيراً لتوريث مزرعته الكبيرة لزوجته، إلا أن فئة من أفراد حزبه والمؤسسة العسكرية، اختارت أن تكون لا بجانبه، بل بجانب الأوطان.
كان لسقوط موغابي قبل حوالي إسبوعين من سقوط الطاغية الآخر صالح، ارتدادات وصلت صداها إلى الخرطوم، الذي ما أن تبلّغها “عمر البشير” حتى طار إلى موسكو مذعوراً، ليستنجد بحامي الدكتاتوريات ، ومتعهدها الحصري “فلاديمير بوتن” طالباً منه حمايته من الملاحقات الأمريكية، فيما واقع الحال يقول حمايته من ملاحقات شعبه الغاضب.
ما حصل في سورية من تدخل عسكري روسي، وغطاء سياسي في جميع المحافل الأممية، لمنع سقوط النظام الحاكم، هو ما دعى البشير لطلب الدعم الروسي، كما يقول الخبير العسكري “أليكسي ليونيكوف” وبالتالي هو ما سوّغ طلبه من موسكو تشييد قاعدة عسكرية لها في السودان، أسوة بقواعدها التي أقامتها في سورية، لأن الحضور الروسي ، استنادا للتجربة السورية ، سيعني إحلال السلام في الإقليم” وفقاً لتصريحات البشير.
شعوب هائمة على وجوهها ، وأوطان يضعها الحاكم في مهب الريح ، ماذا سيكون الثمن، مقابل حماية كرسي السلطان؟ يُجيبنا على ذلك بوتن نفسه، بأن المقابل هو شراء القمح الروسي ، الذي عبّر عن أمله في زيادة صادراته إلى السودان، لتصل هذا العام إلى مليون طن، إلى جانب العديد من صفقات الأسلحة بالطبع، تماماً كما كان يفعل الأمريكيون في بديات القرن الماضي، بدعمهم الأنظمة الدكتاتورية ،الخادمة للمصالح الخارجية في جمهوريات الموز بأمريكا الوسطى.
الغريب في الأمر أن السودان سبق له أن رفع في عهد البشير، شعار “السودان سلة غذاء العالم” باعتباره من أهم بلدان العالم التي تتوفر فيه المياه والأراضي الزراعية، والتي تزيد عن 17 مليون هكتار، هذه الزراعة التي تُشكِّل مصدراً حيويا للجزء الأكبر من الشعب السوداني، تفوق نسبته 80% من القوى العاملة.
لم تكن المرة الأولى التي يقايض فيها البشير بين رحيله عن السلطة أو بيع الأوطان، فعندما لوحق من قبل محكمة الجنايات الدولية، وصدرت بحقه مذكرة توقيف في العام 2009 لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لم يجد البشير بداً من التنازل عن ثلث مساحة السودان، وثلاثة أرباع إنتاجه النفطي، ونصف إيراداته الحكومية، وثلثي احتياطاته من العملة الصعبة، ليصبح السودان بعد ذلك سودانين، مجرداً من معظم مقوماته الإستراتيجية.
تقول الباحثة “ناتاشا إزراو” من جامعة “إيسّيكس البريطانية” إن أغلب الخبراء الذين يدرسون الأنظمة السياسية، يرون أنه “عندما لا تُستبدل السلطة التنفيذية ، عندها نكون أمام دكتاتورية مُطلقة”.
تماماً كما هو حال الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، الذي سبق لولي العهد البريطاني تشارلز في عام 2014 بأن شبهه بهتلر، بوتن الذي يتربّع على سدة السلطة، منذ سبعة عشر عاماً، وكشف منذ أيام عن نيته بالترشح لانتخابات 2018 والتي ستستمر حتى العام 2024 وبذلك سيبلغ مجموع حكمه فقط 24 عاما، هذا إذا لم يبادر لترشيح نفسه مرة أخرى أو أكثر.
لم يرغب بوتن في إزعاج البرلمان الروسي للنظر في تأبيد السلطة دستورياً، بعد أن وجد ضالته بـرفيقه، ورئيس أول حملة انتخابية رئاسية له بالعام 2000 “ديمتري ميدييدف” الذي اقترح على البرلمان في عام 2009 تعديل الدستور، لتصبح مدة الحكم ست سنوات، بدلا من أربع، وأخذ يتناوب معه على منصب الرئيس، ومنصب رئيس الوزراء، للالتفاف على النصوص الدستورية، التي تقضي بعدم جواز انتخاب الرئيس أكثر من مرتين متتاليتين.
كذلك هو حال رفيق دربه الكسندر لوكاشينكو، آخر دكتاتور في أوروبا، كما يصفه الغرب، والذي يحكم روسيا البيضاء منذ عام 1994 ومثلهما أيضاً الوريث الآخر لكوريا الشمالية “كيم يونج أيل” الذي حوّل هذه الجزيرة لبلاد الجراد، بل بلاد المحنطات، ثلاثين ألف تمثال، تمجد جميعها “كيم إيل سونغ” مؤسس الجمهورية الديمقراطية الشعبية.
ومثلهم أيضاً “رمضان قاديروف” حاكم الشيشان سلاح بوتن السري، أو عيدي أمين القوقاز كما يوصف، الغارق من جهته في ملفات الفساد والجريمة المنظمة حتى أذنيه، وفقاً لمؤسسات حقوق الإنسان، عندما يكون الحاكم هو الدولة ، هو مصارعها، وهو فريق كرة قدمها، عندها من الطبيعي أن يقوم بتبذير أموال الشعب يمنةً وشمالاً، فقط مليونا يورو دفعها للملاكم الشهير مايك تايسون، ليتصارع معه، ومليون يورو للاعب الشهير مارادونا لموافقته على لعب كرة القدم معه، ومليون يورو للفنانة الأمريكية هيلاري سوانك لحضور حفلة عيد ميلاده، و 350 ألف يورو لمصمم موضة ليقيم حفلا لعرض الأزياء.
رئيس دولة لا يوجد بقاموسه محاكم ولا ويوجد عدالة، عندما سأل أحد الصحفيين الرئيس قاديروف عن قتلة والده، أجاب بكل فخر:?لقد قتلتهم جميعا، وسوف أطارد كل من كان يقف وراءهم حتى أقتلهم، وعن المعارضين له قال: أنهم مجرد قطاع طرق، أما عن بوتن فيقول: أنه يستحق أن يبقى رئيساً مدى الحياة، “أني على استعداد للموت من أجله، نحن بحاجة لقيادة قوية ، والديمقراطية مجرد تلفيق أمريكي”.
الطيور على أشكالها تقع، ففي حين يُزنِّر بوتن نفسه بعدد من الأَنظمة الاستبدادية، من رفاق الأمس في الحزب الشيوعي من حكام دول آسيا الوسطى، التي لا تعرف أَي اعتبارات لحقوق الإنسان ولا لسيادة القانون، نراه يتحالف مع كل الأنظمة المستبدة في العالم، وليس أدّل على ذلك من تحالفه مع إيران، أقرب حلفائه اليوم، حيث أسوأ أنواع الدكتاتوريات (الدكتاتورية باسم الدين) ثم تحالفه مع كوريا الشمالية، التي تعاني أشد الكوارث، في حرياتها واقتصادها وفي تعليمها، والكارثة الأكبر هي في طاغيها، الذي جوّع شعبه وحوّله مثله مثل بقية الأنظمة المستبدة، لمجرد ريبوتات تبايع وتتوعد، وتؤيد وتهتف باسم القائد.
تقول المستشارة أنجيلا ميركل، ابنة جمهورية ألمانيا الديمقراطية، التي كانت تخضع يوما لعسس الرفيق بوتين، ٍ”إن أي سعي بشري لا يتضمن طلب الحرية، إنما هو سعي لا قيمة له” من بوتن لنتنياهو إلى ترامب، إلى البشير وأمثاله من طغاة، مروراً بمرشحة الرئاسة الفرنسية السابقة مارين لوبان، زعيمة حزب اليمين المتطرف، التي لم تجد في هذا العالم من أشخاص تُعجب بهم أكثر من بوتن وترامب والجنرال ميشال عون.
لم تجد ماري لوبان في هذا العالم من يمدها بقرض قيمته 9.8 مليون دولار أميركي لمتابعة عملها السياسي المتطرف، سوى بنك روسي، بحجة أن بنوك فرنسا لن توافق على منحها هذا القرض، كما أن الحزب كان قد صرّح بوقت سابق أنه ينوي التقديم على قرض من روسيا بقيمة 29.3 مليون دولار أميركي، في حال لم توافق البنوك الفرنسية على منحه، لاستخدامه في حملته الانتخابية الرئاسية السابقة.
إلى أين يأخذون هؤلاء وأمثالهم البشرية اليوم؟ لقد سبق أن سمي القرن الثامن عشر بقرن علم المنطق وإعمال العقل، خرج على أثرها الفكر من بين الأساطير إلى عالم الحقائق، في حين سمي القرن العشرين بأنه قرن الخلاص من الدكتاتوريات، فمع بدايته كان هناك حوالي 46 دكتاتورية في العالم، لم يتبقَّ منها مع نهايته أكثر من أصابع اليدين سوى القليل، والذين أخذوا يتساقطون مع بداية هذا القرن كدمى الواحدة بعد الأخرى، بدءاً من أمناء القومية العربية، إلى كاسترو ، فشافيز، إلى بن علي إلى مبارك إلى القذافي، فموغابي، إلى علي عبدالله صالح.
لكن ما أن تساقطت تلك الدكتاتوريات حتى عادت من جديد، فبدلا من صدام حسين، جاء صاحب دولة القانون نوري المالكي، وبدلاً من مبارك، جاء محمد مرسي، ثم السيسي، وبدلاً من أوباما جاء ترامب، وبدلاً من صالح، جاءت عصابة الحوثي، وبدلاً من أن تتراجع الأحزاب العنصرية المتطرفة في أوروبا، أخذت تكتسح ساحتها السياسية، خصوصاً بعد فوز ترامب، وما تبع ذلك من تصريحات وقرارات فاشية.
في سورية لم يكن الوضع أحسن حالاً، فبدلا من أن تأخذ العدالة الانتقالية طريقها، لما من شأنه كشف مشاكل الماضي بهدف معالجتها والتصالح معها، للانطلاق نحو المستقبل، وضمان عدم ارتكاب انتهاكات جديدة، كجسر يمكن للشعب السوري أن يعبر من خلاله، من حالة عدم الاستقرار والفوضى، إلى حالة الأمان، وصولاً للدولة المدنية الديمقراطية.
ها نحن أمام عدالة انتقائية، تتمثل في الدور الذي لعبه ويلعبه الجانب الروسي في محاولة تبديد قوى المعارضة وتشتيتها، بهدف خلق معارضة وهمية تابعة، لدفن ما تم التوصل إليه من مقررات وتوصيات تتعلق بمؤتمرات جنيف السابقة، واستبدالها بمؤتمرات “سوتشي.
أخيراً ، هل تصدق نبوءة “أوفيري” التي أطلقها بمنتصف القرن الماضي؟ أنه خلال القرن القادم ستحصل أزمات حادة ، لا أعتقد أننا قد رأينا نهاية عهد الدكتاتوريات أكثر مما شاهدنا في نهاية الحرب” والسؤال الأهم، هل سيعيد التاريخ نفسه؟ فيشهد هذا القرن عودة الدكتاتوريات البغيضة؟.
خصوصاً مع التَفرُّد الروسي في قضايا التغيير التي تحاول بعض شعوب هذه المنطقة إنجازها اليوم، وما تعانيه روسيا تاريخياً من فوبيا الثورات الديمقراطية، الذي يلاحقها منذ ربيع بوخارست عام 1956 عندما قام الاتحاد السوفيتي، بسحقه بالدبابات والأسلحة الثقيلة، بوحشية مفرطة، كذلك ما فعله مع ربيع براغ 1986 في تشيكوسلوفاكيا السابقة، عندما أطاح بالحركة المنادية بالإصلاح، مما دفع بالكثيرين للانتحار حرقاً.
ثم هل تعود البشرية من جديد مُحمّلة بتعاستها، قرناً كاملاً إلى الوراء؟ في عام 1945 كتبت مجلة التايم الأمريكية أنه ” إذا رحل هتلر بالفعل، فقد عاد الأمل إلى معظم البشر” فهل يزول الطغيان؟ كي يعود الأمل من جديد إلى بشر اليوم؟.
[email][email protected][/email]
الدكتاتوريه ممكن تخلص من العالم كلو الا عندنا ما اظن تخلص