أخبار مختارة

الخطابة الوَعٍرة

د. وجدي كامل

لا ريب أن الخطابة  فن، وهي فصيل أدبي له تاريخه المضئ ووجهه الوضاح منذ الجاهلية مرورا بصدر الاسلام، والدولة العباسية، الى الراهن المعاصر الذي ازدهرت فيه الخطابة وفتحت أبوابها ونوافذها لهواء الفلسفة ،وأفكار العلوم السياسية والاقتصادية فأصبح الخطيب المفوه مٌرسٍلا نافذا ومؤثرا  في أغراض الإقناع، والاستمالة، وقبول الأفكار، وأسواق الرأى.

والسودان وان عرف الخطابة على أرفع درجاتها ارتباطا بتطورات الحركة السياسية والجماهيرية منذ  اشتعال المقاومة الوطنية للاستعمار الانجليزي الى ما بعد الاستقلال فبزغ فيها نجوما وشخصيات سياسية مثل محمد احمد المحجوب، ومبارك زروق، وعبد الخالق محجوب، وقاسم امين، ومحمد ابراهيم نقد، وعمر الحاج موسى،ومحمود محمد طه، والشريف حسين الهندي، وحسن الترابي، والصادق المهدي، وحاليا يوسف الدقير.

طريقة الخطابة الجماهيرية المرتجلة التي اعتدنا  عليها من رجال النظام السابق وعلى رأسهم الرئيس المخلوع لا يستحقها الشعب السوداني مرة ثانية.

انها خطابة سوقية، عدوانية، و بائسة لم تخدم الوعى بل سعت الى رعى القطيع واعتبرت أن في ذلك جوهر الرسالة التي ارادت نشرها وتوصيلها.انها رمى الكلام على عواهنه ،والعبارات بشحومها، وندوبها، وثقوبها وما تحمله من عاهة وكدمات. أكثر من ذلك فإن خطابتنا في الثلاثين عاما المنصرمة قد أصيبت بذات أمراض الوعي الثقافي العام وانحدرت وانحطت الى أرذل المستويات بأن غدت تعمل على تعريف عمل كونه مجرد انفعالات مرسلة، وان الأقلام والرتب العسكرية لا تزيل البلم الذي من الحمق والحماقة كما عَرفَتها قواميس العربية الفصحى. 

نتمنى من المسؤولين الحاليين من عسكريين ومدنيين وفي هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا عدم اتخاذ ذلك كمثال يقتدى ويحتذى به. كما نرجو مخلصين التخلص من بعض المظاهر السالبة مثل حمل العصا، والهز بها، كما ضبط لغة الجسد، واتقاء الله في العباد المساكين من حجارة الكلام التى يرمون بها في رؤوسهم ووجوههم دون أدني ذنب اقترفوه سوى مجيئهم للاستماع  للمسؤول المحروس بالبنادق، والمسدسات، وحفنة من رجال الأمن – الأدوات التي تمنعهم من التبرم والتذمر والاعتراض على ما تسمعه آذانهم.

  لقد صار المسؤولين على العهد البائد يضطرون للهروب بخطاباتهم لأماكن ريفية نائية عادة ما توصف بمناطق الوعي المنخفض لبث سمومهم الخطابية واجراء تمارين السب واللعن وارسال الشتائم ذات الدفع الرباعي من ألحس كوعك إلى غير الزارعنا ما بقلعنا 

 كما نلتمس راجين اتباع سياسة التباعد اللفظي قدر الامكان من مفردات مناداة موروثة وغير لائقة مثل: يا اخوانا، وياجماعه وغيرها من مفردات خطب الود في الأسواق الشعبية ودلالات العربات، كما عبارات التهديد والاتهام  بعبارات من شاكلة: من تسول له نفسه و أعداء الوطن والله.

 بيننا وبينكم حسن الأدب و سمو الآداب، ورفعة الخطاب، وصالح الأفعال والأعمال، والسلام عليكم، وعليكم السلام.       

د. وجدي كامل
[email protected]

تعليق واحد

  1. انت ذاتك ارحمنا وراجع قبل تكتب
    – فبزغ فيها نجوم وليس نجوما
    – لقد صار المسؤولون وليس المسؤولين
    – هو لم يقل “غير الزارعنا ما بقلعنا” وإنما قال “الزارعنا غير الله اليجي يقلعنا.”

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..