مقالات وآراء سياسية

السلام حاجة البشرية اليوم

د. بتول مختار

(ونريد أن نمن على الذين اُستضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين )

 

السلام والعدل هما وعد الله للبشرية بالغد المشرق بعد فترات الظلم الذى

عاشته (وأشرقت الأرض بنور ربها ) ،( وعد الله لا يخلف الله وعده …)

بالعدل يتحقق السلام فى الأرض فالمظلوم لا يصالح .. السلام أصبح حاجة

البشرية اليوم وهى حاجة حياة أو موت . الحاجة للسلام أصبحت ملحة

ذلك لأن البشرية اليوم قد اكتشفت من أفانيين الحرب و أنتجت من أنواع

السلاح ما إذا اُستعمل سيكون به دمار الحياة البشرية على هذا الكوكب أو

دمار الحضارة وكل ما تحقق من التقدم العلمي المادي .. بالعدل يتحقق

السلام على الأرض . من اجل العدل تحركت ثورات الشعوب فى كل أنحاء

المعمورة  فقامت ثورة فنزويلا ، الجزائر ،فرنسا  ، تونس واليمن وغيرها .

هذه الثورات توجتها ثورة الشباب المجيدة فى بلادنا التى أخرجت الأمة من

أطول نفق مظلم ، امتد لمدة ثلاثين عاما ، من الظلم  والفساد والاضطهاد

والتعذيب والقتل بأبشع صورة .. فالسلام الذى ننشده لا يتحقق الا باعتناق

مذهبية السلام .. فكرة السلام تقوم على المساواة بين الناس كافة ، بصرف

النظر  عن الدين ،العقيدة،  اللغة ، الجنس  واللون . فى هذه المذهبية

يبدأ السلام داخل  كل نفس بشرية ، حيث يقوم الفرد بفض التناقض القائم بين

ما يخفيه و ما يعلنه للناس ، بإنهاء الحرب الداخلية فى بنيته يتصالح معها

ثم ينشر السلام بين الناس.  لأن فاقد الشىء لا يعطيه  يبدأ أولا  بالأسرة

ثم الجار وعلى الناس أجمعين  بنشر مذهبية السلام الآية الكريمة : ( إن

الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ).

وقد  عاش السودان فى ماضيه على الفطرة السليمة فى المحبة والتواصل بين

جميع الناس فى الوطن على مختلف الوانهم وأديانهم ،  كان  ذلك قبل إعلان

ما سُمى بالشريعة الإسلامية التى سميت زورا وبهتانا بالإسلامية والإسلام

منها برئ.  فقد قامت  على إذلال الفرد و إهانته ، على عكس ما أتى به

الاسلام من تكريم للإنسان قال تعالى : ( ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى

البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا

..) و لبعد هذه القوانيين عن الإسلام أطلق عليها الأستاذ محمود اسم

قوانين سبتمبر 1983 و قال عنها في مواجهة قضاة المحكمة المهزلة:

( أنا أعلنت رأيي مراراً في قوانين سبتمبر 1983 من أنها مخالفة للشريعة

وللإسلام ، أكثر من ذلك ، فإنها شوهت الشريعة وشوهت الإسلام ، ونفرت عنه

..يضاف إلى ذلك أنها وُحسب واُستغلت لإرهاب الشعب ، وسوقه إلى الإستكانه

عن طريق إذلاله ، ثم أنها هددت وحدة البلاد .. هذا من حيث التنظير ، وأما

من حيث التطبيق ، فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين

فنيا ، وضعفوا أخلاقيا عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة

السلطة التنفيذية تستعملهم لأضاعة الحقوق وإذلال الشعب و تشويه الإسلام )

ألى أن أكد أن المسيحى سوف يتضرر من هذه القوانيين وقد كانت تلك حقيقة .

فقد قسمت البلاد وانفصل الجنوب المسيحى .

أما المسحيين الذين عاشوا فى الشمال فقد عاشوا أسوا فترات حياتهم حيث

عانوا كل أنواع التفرقة ..

أما المرأة السودانية فقد كانت أكثر مَن عانى من تلك القوانيين . فقامت

قوانيين الأحوال الشخصية التى اُستغلت لإجبارها على الحياة  مكرهة تحتها.

فقد قال د. الترابى فى ندوة له فى قاعة الامتحانات عام 1976 فى جامعة

الخرطوم  : ( من لا تريد القوامة فلا تتزوج ) !! وقد فرضوا عليها   زيا

هو من أقبح الأزياء على وجه الأرض ( العباءة السوداء ، و رباط الرأس ،و

أحيانا غطاء اليدين-قفاز- وشرابات على القدمين ) وكان رجال النظام العام

يتابعون الشابات و يقومون بضربهن و جرجرتهن إلى نقاط البوليس حيث يتعرضن

للإساءة و الضرب !!على عكس قول النبى الكريم : ( ما أكرمهن إلا كريم وما

أهانهن إلا لئيم ) . وفى القضاء حُرمت المرأة من الوظائف العليا. ففى

القضاء الشرعى مُنعت القاضيات من القضاء ونقلن إلى المكتبه  ليقبعن فيها

حتى يُحرمن من ممارسة  المهنة . هذه مجرد أمثله وما فُعل بالنساء  أكثر..

الآن وعندما هبت ثورة الشباب المجيدة – التى لم يتفق مثلها فى التاريخ

-شاركت المرأة السودانية فيها بشجاعة وجدارة فايقه فاستطاعت هذه  الثورة

أن تُعيد  للمرأة بعض حقوقها فعُينت سيدتان فى مجلس السيادة وإحداهما

مسيحية .  و ننتظر الكثير بعون الله و توفيقه وهمم الشباب الذين أذهلوا

العالم .

أما الإخوة المسيحين فقد كانو أكثر الفئات التى تضررت من الفهم الخاطىء

للدين ، و الذى  تمثل فى تطبيق قوانين سبتمبر 1983 ، التى قسمت البلاد

وفصلت الجنوب المسيحى . أما بقية المسيحيين الذين بقوا فى الشمال فقد

عاشوا أسوأ فترات حياتهم حيث عانوا من العزلة والذل والاضطهاد.

فقد احتملوا التجريح والإساءة لدينهم ولنبيهم ، وحُرموا من الأمان فى

احتفالات أعياد الميلاد ، وعانت المراة المسيحية من حملات البوليس

والنظام العام  حيث كن يُتابَعن  ويُعتقلن ويُوضَعن فى الحراسات بدعاوى

الزى . و كما طبقت القوانيين على المسلمين فكذلك طبقت على المسحيين فاعدم

جرجس ومجدى وآخرون ..  نتيجة لهذه الضغوط  تشرد الكثيرون منهم فى أنحاء

العالم الأوربى وأستراليا، وظهرت الهجرة  الدينية ، حيث فتحت لهم دول

العالم المسيحى أبوابها وافتقدهم السودان بعد أن كانوا خيرا وعطاءً له ،

فقد أنشاوا فيه الشركات والأعمال التجارية الناجحه التى أسهمت فى نهضة

الاقتصاد.

التحية لهم على صبرهم وروحهم العالية ، ولإيمانهم بالرسل والوطن الواحد

واحترامهم للأديان والتعايش السلمى .الآن بحمد الله فقد ردت لهم الثورة

كرامتهم فعُينتْ السيدة رجاء نيكولا عبد المسيح عضواً فى مجلس السيادة ،

وسيتوالى العطاء على وعد السيد المسيح :( طوبى للحزانى لانهم  يتعزون.. )

كذلك فقد السودان العديد من الكفاءات حيث خسرهم السودان واستفادت منهم

دول أخرى مثل د. صلاح موسى وأزهرى بلول والمهندس أبوبكر بشير والمهندس

صديق دالى الذى كتبت عنه إحدى الصحف الأمريكيه قائلة عن هجرته من السودان

الى أمريكا : (A benefit  to America A loss to the Sudan .)  كما فقدت

البلاد أيضا قدرات عالمة القانون الفذة والانسانه الرفيعة البروفيسور ة

دينا شيخ الدين

كل هجرات العقول وتفكك البلاد الذى عانينا منه كان سببه سياسة التمكين

والكراهية والتفرقة والفهم الخاطىء للإسلام الذى نشره الإخوان المسلمون

وسيطروا به على البلاد .

قبل سيطرتهم على البلاد عاش السودانيون فى سلام ووئام على مختلف ألوانهم

وأديانهم ومعتقداتهم ، يباركون الأفراح والأعياد لبعضهم البعض ، ويشاركون

فى احتفالات أعياد الميلاد ، وكان السودانيون يبدعون فى الفن والشعر

والأدب وكل ما يثرى الحياة دون تفرقه لدين أو جنس فقد كتب التجانى يوسف

بشير قصيدته الشهيرة ( لا تثأري من فؤادي) و التى اجتزى جزءا منها هنا :-

آمنت بالحُسن بردا

و بالصبابة  نارا

و بالكنيسة عقدا

منضدا من عذارى

و بالمسيح ومن طاف حوله

واستجارا إيمان من يعشق

الحُسن فى عيون النصارى

 

‎ومثيلتها – ياظبية المسالمه- وغيرها كثير مما نشر وما لم ينشر

 

د.بتول مختار

[email protected]

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..