وصفة أزهري: أسئلة مُتتابعه.. من هو مصطفى سيد أحمد؟

الخرطوم – محمد غلامابي
القراء الأعزاء هذه سلسلة من الأسئلة المتوالية – من التتابع لا التوالي – نطرحها على من نظن أنهم يملكون جزءاً من الإجابة لا الإجابة كلها، وبالتالي أنا لا أطلب الإتفاق مع إجابات من سألتهم لكن على الأقل يمكن لإجاباتهم تلك أن تولّد الرغبة لديكم في البحث عن الحقيقة بدلاً عن هذا الصمت الذي يلفنا.
سؤال اليوم: مطروح على الشاعر أزهري محمد علي:
من هو مصطفى؟
لا يحتاج الشاعر أزهري محمد علي مني لتقديم، فقد قدّم نفسه من خلال أشعاره، والشعر موقف، وبالتالي يعرف الناس أن يقف أزهري محمد علي الآن، غير أن الذي جعلني أختار أزهري للإجابة عن السؤال أعلاه أمران الأول: رغبتي في فتح حوار حول تجربة الفنان الراحل المقيم مصطفى سيد أحمد الغنائية، فمصطفى برأيي فنان صاحب فلسفة غنائية واضحة تنطلق من مظلة تحقيق العدالة الاجتماعية، الأمر الثاني هو مساهمة الشاعر أزهري محمد علي نفسه في هذه التجربة، وبالتالي كلاهما ساهم في تقديم الآخر، وقد أدهشني أزهري، وهو يعترف بملء فيه “لقد قصرنا في حق مصطفى، نحن وأسرته”. وتلا شعراً:
سامحنا نحنا مقصِّرين
إيدين بتاخد بالشمال
حاجات تمدّها باليمين
والأيادي اللوّحت
حزنانه يوم ذكرى الحسين
دي الأيادي البشّرت
فرحانا يوم مات الحسين
ما المفاتيح البتفتح
هي المفاتيح البتقفل
وهي البتعرف كيف
تدير لعبة الموت في إتجاهين
سألت أزهري بداية: هل للفنان الراحل المقيم مصطفى سيد أحمد مشروع غنائي مغاير؟
مشروع مصطفى ليس فقط في المغايرة، بل هو برأيي صاحب مشروع غنائي متجاوز، فالتجاوز أكبر من المغايرة، فإذا كانت المغايرة تعني أنه مختلف عن الآخرين، فمشروع مصطفى متجاوز لكونه عمل على إحداث نقلة في الأغنية السودانية في كافة عناصرها وبالتحديد من حيث النصوص، إذ أن مصطفى نفسه كان شاعراً، ولـ (شوفو) العالي للنصوص التي تغني بها أنتج أغنيات متجاوزة لما هو سائد باختياره لأشعار ذات دلالات وصور شعرية مختلفة، وإتيانه بألحان لأغنيات عصية مثل (مريم الأخرى)، (الرحيل في الليل)، (حاجة فيك)، و(عم عبد الرحيم)، وغيرها من الأغنيات المتجاوزة في الكلمة واللحن، مما يعطينا الجرأة على وصف مشروع مصطفى الغنائي بالمتجاوز.
كيف يمكن إثارة غنائية مصطفى المغايرة.. أعني فتح حوارات ونقاشات حولها؟
للأسف، بعد رحيل مصطفى انشغلنا بالحالة البكائية أكثر من انشغالنا بمشروعه الثقافي، وحان الوقت للتعامل مع مشروع مصطفى سيد أحمد منتجاً ثقافياً إنسانياً به من القيم العالية، كما يمكن أن يكون به بعض الثغرات التي حجبتها هذه المحبة المتدفقة لمصطفى، وهي دعوة للفنانين والموسيقيين والنقاد وغيرهم للنظر في هذا المشروع، بل هي دعوة للشعراء على وجه التحديد لأن مصطفى حرّض كثيراً من الشعراء للكتابة بشيء من الجرأة والتأمل والمعرفة، وتحولت تلك الكتابات إلى مشروعات للتنوير الثقافي والمعرفي.
هل تجد تحقيق العدالة الاجتماعية هدفاً في مشروعه هذا؟
في تقديري أي عمل ثقافي أو فني أو أدبي هو وسيلة لتحقيق أهداف فاضلة، فمشروع مصطفى – من ناحية اجتماعية – أعلى من قيم العدالة الاجتماعية باهتمامه بطبقات المجتمع المختلفة، والتركيز على المضهدين والمهمشين والفقراء والمعدمين والعناصر الضعيفة في المجتمع، فهو اهتم أكثر بالمرأة والأطفال لما يعانيانه في أي مجتمع من اختلال في ميزان العدالة الاجتماعية، خذ مثلاً نص مثل “إنتي ياحضن الصحارى، شفع العرب الفتارى، البفنو الشايلا إيدم ويجروا كايسين القطارا”، وكذلك نص (عم عبد الرحيم) لحميد لما حواه من أسئلة وجودية عميقة، وهذا ما يؤكد فعلاً أن مشروع مصطفى اهتم بموضوع العدالة الاجتماعية وسعى لتحقيقها، ونظلم مصطفى إن وضعناه مترافعاً وحيداً عن قضية بهذا الحجم، لكنه واحد من الوسائل الضرورية التي يمكن أن تحدث حالة من الوعي تساهم في إحداث التغيير الاجتماعي الذي يمكن أن يحقق قدراً وافراً من العدالة الاجتماعية.
لماذا توارى الشعراء الذين كانوا حول مصطفى؟ أعني هل بإمكانهم بعث مصطفى جديد؟
هذا يقودني لما ذكرته عن أن مصطفى حالة متجاوزة، بدليل فشلنا في إيجاد شخص متجاوز يعمل على تطوير مشروع مصطفى، فإذ وضعنا في البال أن أي مشروع قيمته الحقيقة تكمن في الانفتاح على حركة التطور في الحياة، فإذا انكفأنا على تجربة واحدة تبقى هزيمة كبيرة للمشروع، لذلك كنت أوجه دعوتي في العديد من المنابر لكل الرواد في حركة الحياة بضرورة الانتباه إلى أن المشروعات العظيمة يكمن تميزها في قدرتها على إنتاج مشروعات عظيمة جديدة أيضاً، وبالتالي لا يمكن أن نقول إن مشروع مصطفى مشروع مكتمل، لأننا بذلك نكون ظلمنا مصطفى نفسه وأغلقنا الباب على المقدرة على وضع إضافات جديدة، لكننا يمكن القول أن مشروع مصطفى منفتحاً، قابل للإضافة والتطور، وأن يصحب معه مشروعات وبساتين مجاورة كثيرة، فإذا تنبهنا إلى ذلك يمكننا القول إننا نسير في طريق الكمال، لا الكمال نفسه لأنه مستحيل
[COLOR=#FF0000]وصفة أزهري: أسئلة مُتتابعه.. من هو مصطفى سيد أحمد؟ 2[/COLOR]سؤال اليوم: مطروح على الشاعر أزهري محمد علي:
* إلى أي مدى يلتزم شعراء مصطفى بفلسفته الغنائية، التي هي موقف من الحياة؟
التجارب العظيمة دائماً يمكن أن تهزم أصحابها، والنصوص العظيمة أيضاً، فالهزيمة لمن كتب لمصطفى تحدث إذا قلنا إنه جفت الأقلام وطويت الصحف برحيل مصطفى، صحيح أن تجربة مصطفى كبيرة، لكن يجب ألا نستصغر تجارب الآخرين بألا نتعاون معهم باعتبار أننا كتبنا لمصطفى، والسؤال مردود علينا جميعاً يجب ألا تهزمنا فكرة “بعد مصطفى منو الممكن يغني؟”، بل الوفاء لمصطفى أن يغني الآخرون، وأن تستمر المحاولات بالارتقاء بتجربة مصطفى لأنها تجربة تطلب الحقيقة، والحقيقة توجد في هذا المطلق لا التقييد.
* قال الشاعر الراحل المقيم محمد الحسن سالم حميد في تأبين مصطفى الأول بودسلفاب إن تجربة مصطفى سيد أحمد تحتاج لوقت طويل حتى تتم الإحاطة بها، ثم نزلت منه – أي حميد – دمعة حرّى في لقاء تلفزيوني معه، فقال أنا لا أبكي على رحيل مصطفى، لكنني أبكي على عدم قدرتنا على التبشير بمشروع مصطفى واستمراريته.. ما تعليقك؟
– نحن كلنا قصرنا في حق مصطفى، ففي واحدة من احتفالات الذكرى برحيله قلت شعراً:
يا مصطفى المقبول سلام
سامحنا نحنا مقصرين
إيدين بتاخد بالشمال
حاجات تمدها باليمين
والأيادي اللوحت
حزنانة يوم ذكرى الحسين
دي الأيادي البشرت
فرحانا يوم مات الحسين
ما المفاتيح البتفتح
هي المفاتيح البتقفل
وهي البتعرف كيف
تدير لعبة الموت في إتجاهين
كلنا قصرنا في حق مصطفى..
أولاً، أسرة مصطفى قصّرت تقصيراً واسعاً جداً في حق مشروع مصطفى الثقافي، بمحاولة حجب منتج مصطفى عن الآخرين لأي سبب من الأسباب الذاتية أو الاجتماعية، لأن هناك العديد من النصوص والألحان التي أنجزها مصطفى لم تجد حظها من الانتشار، ثانياً نحن أصحابه أيضاً قصَّرنا لأننا تعاملنا في كثير من الأحوال مع التجربة باعتبارها منتوجاً يخصنا ولا يخص الآخرين، فكلنا يحتفظ بأشرطة لها الخصوصية مع مصطفى، وهي خصوصية لا تحرم الناس من الاطلاع على هذه التجربة، قصرنا أيضاً في حق مصطفى بأننا لم نتأمل حركة التطور الطبيعي التي يمكن أن تحدث للنص الشعري، فكثير من الشعراء الذين كتبوا لمصطفى بدأت كتاباتهم تتنازل عن حالة التسامي التي كانت لنصوصهم مع مصطفى لتلتقي في منطقة وسطى مع فنانين آخرين، وبالتالي حدثت حالة من التنازل عن الارتقاء الذي كان ينشده مصطفى، وهذه رسالة أوجهها لنفسي ولأصدقائنا من الشعراء ألا نشغل بالنا كثيراً بأن ما نكتبه من نصوص يمكن أن يتغنى اليوم أو الغد، سيأتي ذلك اليوم حين يرتقي سلّم التلقي لحركة الكتابة واللحن والموسيقى، وهناك العديد من الأغنيات المتجاوزة تغنت في غير زمانها، خذ مثلاً (اقتراح) لعاطف خيري، فهي كانت – في تقديري – سابقة لزمانها.
* من هو مصطفى؟
مصطفى سوداني صادق، تعامل مع سنوات عمره القليلة بصدق وتفانٍ عالٍ، تعامل مع تلك السنوات التي عاشها من خارج الأنا، تعامل معها باعتباره صاحب دور واعٍ جداً تجاه وطنه وحركة الثقافة والاستنارة، مصطفى انتبه أيضاً لاستخدام الأدوات التي كانت تحت يده من الرسم وعلاقته الجيدة بالمسرح، وفي وقت قصير خلق كل هذه الحالة من الالتفاف حول مشروعه، كل هذه الحالة من المحبة، لكن أعود لأقول إن المعيار الحاسم في كل ذلك هو صدق مصطفى وقدرته على القول والفعل معاً، يرحمه الله.
اليوم التالي