الدستور..العلمانية..الشريعة…الحدود..حقوق الانسان

ضيعتنا النخب السودانية في نقاش عقيم طوال سنوات الدولة السودانية منذ استقلالها وتركوا قضايانا الملحة تستفحل لتتحول إلى سدود منيعة يصعب تخطيها. وصار اختلاف النخب خلافا تعمق عبر السنين التي عاشها هؤلاء القادة الشيوخ الذين جاوزوا السبعين جميعا وكاد بعضهم ان يتخطى الثمانين. والغريب في الأمر ان هذه النخب جميعها في اليسار واليمين متفقة في رؤاها ومختلفة في الحواشي وتفسير الرؤية الخاصة بكل منهم، إما مغالاة في الكيد السياسي وإما اثباتا للاختلاف عن الآخر، حتى وصلوا الى مرحلة انسدت فيها مداخل الحوار بينهم وتمسكوا بالقشور التي تفرقهم ولا تجمعهم.
يدور معظم الخلاف بين النخب السودانية حول مفاهيم الدستور والعلمانية والشريعة والقوانين (الحدود) وقضايا حقوق الانسان. والاختلاف اذا تم تفكيكه بشرح مبسط لهذه المفاهيم ستجدهم جميعا يدندنون نفس الأغنية
الدستور بكل بساطة لا يمكن أن يكون اسلاميا أو غير اسلامي، ولا يمكن أن يكون علمانيا أو غير علماني. فهو مجرد عقد بين الناس يوضح الحقوق والواجبات في إطار الدولة القطرية. أي محاولة لصنع دستور لا يحظى بالمقبولية والشرعية ويحوز الرضا بين الناس هو مجرد ورقة لا قيمة لها.
أن تكون الشريعة الاسلامية مصدرا من مصادر التشريع فهذا أمر بدهي مثلها مثل الاعراف والتقاليد. فالتشريع أمر يقوم به الناس ويجب أن يرتكز على موروثاتهم جميعا. وكون الشريعة مصدر من مصادر التشريع فهذا يضع جهدا اضافيا على الناس للنظر في النصوص من أجل استنباط الأحكام التي تنفع الناس، هذه الأحكام تخضع للدستور أو للعقد العام الذي تراضى عليه الناس. وبهذا فعلى من يريد أن تسود الشريعة أن يجتهد أكثر ليستنبط الأحكام التي تكون نافعة للناس في معاشها ومعادها وتحوز على رضاهم، وعلى من يرى أنه يستطيع أن يستنبط أحكاما أهدى مما جاء في الشريعة الاسلامية أن يقدم بضاعته للناس وأن يخضع اجتهاده أيضا للدستور او العقد العام.
أجد غرابة في من يرفض الحدود وتضمينها في القانون جملة وتفصيلا…والحجة في ذلك أنها عقوبات تنتهك حقوق الانسان. ولكن بهذا المنطق لن تستطيع ان تجيز أي عقوبة مهما صغرت على انسان…فبالنظر للعقوبات نجد أنها كلها تنطلق من منطق واحد ولكن تختلف درجة شدتها بحسب النظرة الخاصة لكل شخص. والمنطق الذي يرفض الحدود يجب عليه ان يرفض العقوبات جملة وتفصيلا وهو ما لا يقول به عاقل.
والمهم في الأمر ان كل هذه القضايا هي قشرة حجبت الشعب السوداني عن النظر في قضاياه الحقيقية طوال هذه السنين. فقضايا بناء أمة سودانية موحدة متعايشة، وقضايا بناء نهضة اقتصادية مستدامة وقضايا الشفافية ونظم الادارة وقضايا التنمية البشرية والتعليم..وقضايا النهضة كلها ضاعت في ثنايا الحوار العقيم الذي أثمر بلدا مفككا يعيش الصراع ويرفع أبناءه السلاح في وجوه بعضهم البعض
بقلم فائز حسين دقوم
[email][email protected][/email]
أحسنت يا أستاذ فائز ..
في تعريف الأستاذ محمود محمد طه للدستور قال: اننا نعتبر الدستور في جملته عبارة عن المثل الأعلي للامة، موضوعا في صياغة قانونية، تحاول تلك الامة أن تحققه في واقعها بجهازها الحكومي، بالتطوير الواعي من امكانياتها الراهنة، على خطوط عملية يقوم برسمها التشريع والتعليم، وبتنفيذها الادارة والقضاء والرأي العام.
راجع المصدر في الرابط أدناه تحت العنوان الجانبي (ديباجة):
http://www.alfikra.org/book_view_a.php?book_id=4
ان اغلب الشعب السوداني مسلم بالفطره ،وجاهل بكل تفاصيل الشريعه ،وكيف تتمشي مع الزمن الحاضر؟ تلويث الدين بالسلطه هذا مبدا مرفوض لدّي، والسبب في ذالك يجب علي كل سوداني ان يتطلع علي التاريخ الاسلامي بفهم وليس بحفظ كما عهدنا، متأكد ستجد اسباب تخلفنا اليوم ،اصبحنا كالمجتمع البدائي كسكان استراليا الا صليين وسكان غابات الاستوائيه البدائيين وفي امريكا الاتنيه. فالاسلاميون مصرون بأن نعيش حياه الخلفاء الراشدين، حياه الماضي قبل اربعه عشر قرنا.
كثيرا ما اقول لاخوانا العلمانيون ان موضوع الشريعة موضوع مضخم وانه لا دولة دينية بالاسلام وتتقارب وجهات النظر مع الكثير منهم، ولكن ياليت الامر بهذه البساطة، فهناك في الطرفين اصحاب الاجندات الخاصة الدين يخدمهم هذا الجدال والصراع، ففي اليمين ستجد الكيزان واشباههم ممن يرضعون من صدر السلطة، واما في اليسار فهناك العديد من اصحاب الافكار المسمومة التي لا يستطيع اصحابها الجهر بها الان فيخفونها تحت ستار العلمانية، ولمن اراد التفصيل ان يدخل الى موقع من يسمون انفسهم “سودانيون لا دينيون” على الفيسبوك ليرى تمجيد هؤلاء للعلمانية وركوبهم سرجها لنشر امراضهم!!
أعتقد أن مشكلتنا في السودان هي قلة الوعي في العامة و تفرد النخبة في ظل غياب النقد الهادف او ما يمكن ان نسميه الرقابة على النخبة و من الامثلة على ذلك أن الكتب و الدراسات النقدية نادرة في الثقافة السودانية لدرجة ان البعض منا يعتبر اراء و اقوال بعض الرموز الادبية و العلمية من المسلمات التي لا تقبل النقد او التمحيص
سياسيا مثلا نجد ان اغلب الاحزاب المؤثرة في السودان بنيت على خلفية دينية و لكن بالرغم من ذلك تجد الاحزاب اليسارية او العلمانية اكثر نشاطا
و مما ابتليت به الحياة السياسية في السودان ان خطابات بعض الرموز السياسية اهم ما فيها تضمين مفردات غريبة للفت انتباه العامة فتردد العامة تلك الكلمات و لا تهتم بالمضمون
مثال على ذلك مفردة ( العدالة الناجزة) في عهد نميري حيث استعملت كلمة ناجزة في غير محلها و كان الناس يرددونها من دون التفكر في معناها