الألغام التي تسير وسطها لجنة الأستاذ نبيل أديب، وما يمكن أن تُفضِي إليه..
علي مالك عثمان

(١)
في الذكرىٰ الأولىٰ لواقعة فض الأعتصام الأليمة على النفوس، وجدت لجنة الأستاذ نبيل أديب، التي تحقق في هذه الواقعة، نفسها في مأزقٍ كبيرٍ بعد مضي أكثر من نصف العام على بدء عملها. فاللجنة تحمَّلت على عاتقها مهمة تنوء عن حملها الجبال، لأنَّ الألغام مزروعة تحت أقدامها في جميع الجهات، وأول هذه الألغام هو عامل الزمن الذي أصبح يحاصرها ويضغط عليها بشدة، وبَدَتْ معه عاجزةً عن تبرير كل هذا التأخير، الذي يُلازم عملها، للرأي العام، لأن التلطِّي خلف تجويد الأداء، وبناء ملفات اتهام ذات بيِّنات قوية لا يمكن دحضها في المحاكم، وعدم العجلة في توجيه الإتهامات، أو التعذُّر بجائحة كورونا، لم يعد مقبولاً، لأن الغضب الذي أحدثته تلك الجريمة لا يمكن أن يظل حبيس النفوس لفترة أطول مما مضىٰ دون أن ينفجر في وجه اللجنة إذا لم تقل كلمتها.
(٢)
في تقديري أيضاً أن الخطوط العريضة التي تحدد ملامح صورة الجاني بدأت تتشكل أمام لجنة الأستاذ نبيل أديب بعد مرور كل هذا الوقت على عملها، كما أن الرأي العام في المقابل لديه أيضاً خطوطه العريضة التي تحدد صورته للجاني، ولن يقبل أبداً من اللجنة تباين كبير في الملامح بين الصورتين، وهذه ثاني التحديات أو الألغام أمام اللجنة، لأنه مهما حاولت اللجنة أن يأتي تقريرها مبهماً ولا يشير بأصبع الإتهام لجهة محددة، فلا يمكن له أن يستثني كل عسكر الطبقة الحاكمة الآن، لأن مشاركتهم في تلك الجريمة لا يمكن القفز عليها مهما حاولت اللجنة التجديف بعيداً عنهم.
(٣)
أيضاً الواقع السياسي المعقَّد جداً حالياً، والذي لا يغيب عن ذهن لجنة الأستاذ نبيل أديب، هو لغمٌ آخر، فاللجنة تَعِي جيداً التبعات السياسية التي يمكن أن تترتب على نتائج عملها، وما يمكن أن تُحْدِثه من هزات زلزالية قد لا يتحمَّلها الواقع الحالي، لذا في تقديري أن اللجنة تراعي الظرف السياسي الذي يجب عليها فيه إخراج نتائج عملها للعلن، حتى لا يؤدي تقريرها لإنفجار في الأوضاع يصعب احتواؤه.
(٤)
اللجنة أيضاً يبدوا لي أنها تراعي رئاسة العسكر للمجلس السيادي، وبالتالي هي تنتظر إنتقال رئاسة المجلس السيادي للمدنيين حتى تمتلك الجرأة الكافية لإصدار تقريرها..
(٥)
نقطة أخيرة، ولكنها في تقديري هامة جداً، أتىٰ على ذكرها د. عبدالله حمدوك في لقائه اليوم على الفضائية السودانية، يمكن أن ترسم النهايات المحتملة لعمل لجنة الأستاذ نبيل أديب. فقد ذكر د. حمدوك أن أحد أهداف البعثة الأممية التي طلب السودان من مجلس الأمن مؤخراً حضورها إليه، تحت الفصل السادس، سيكون الإستفادة من تجارب الأمم المتحدة الثرة في معالجة آثار النزاعات الداخلية، وتحقيق العدالة الإنتقالية، ونقْل تجارب الدول التي حدثت فيها مذابح على نطاقٍ واسع، مثل تجربة جنوب أفريقيا أو التجربة الرواندية. فإنتظار حضور هذه البعثة ومباشرة عملها قد يكون في تقديري أحد الأسباب التي قد تُفسِّر كل هذا البطء الذي تتحرك به لجنة الأستاذ نبيل أديب حالياً، وتقطيع الوقت الذي تمارسه الآن، وقد يكون أيضاً سيناريو تحقيق العدالة الإنتقالية هذا هو السيناريو الذي ستنتهي عليه عمل هذه اللجنة. وفي ظنِّي هو السيناريو العقلاني، والمتاح، والذي يُمكن أن يحقق عدالة معقولة، تُرضِي ذوي الضحايا، دون أن تَدْخُل البلد معه في نفقٍ مظلم من الحروب والنزاعات الداخلية، قد يأتي على ما بَقِيَ فيها من وحدة داخلية، لأنه من الخطأ جداً في ظني فصل الجانب القانوني عن السياسي في هذا الملف الشائك.. والله أعلم.
علي مالك عثمان
[email protected]