فشلو قراط..اا

فشلو قراط..اا
د. هاشم حسين بابكر
[email protected]
ما كان غريباً أبداً أن يلد جملنا فأراً فقد تعودنا على ذلك طيلة عقدين من الزمان، ولكن هذه المرة وبعد مخاض دام قرابة النصف عام اتضح أن حمل جملنا هذه المرة كان كاذباً.. لم يدهشنا النظام؛ لأنه فقد القدرة على القيام بما يدهش ولم نندهش؛ لأننا فقدنا القدرة على الاندهاش.. التشكيل الوزاري في بلادنا التي أصبحت مثلها مثل أية شركة خاصة قابضة يتحكم فيها مجلس إدارة خفي، تجرى الإصلاحات السطحية في بعض الوجوه أما مجلس الإدارة، فهو خط أحمر يمنع الاقتراب منه أو التصوير.. يدرك المراقب لأحوال السودان ـ من خلال الانتخابات والأحزاب والطوائف والتشكيلات الوزارية ـ يدرك أن الدولة ومفهومها يغيبان تماماً، وأن السودان كما جعل منه الإنجليز مجرد إدارة تحكموا فيها لتبقى وتدر عليهم المنفعة ونجحوا في بقاء هذه الإدارة لأكثر من نصف قرن، ولكن بعد خروج الإنجليز لم يفكر أحد في تحويل هذه الإدارة إلى مشروع دولة، بل ظلت الإدارة طوال المدة منذ الاستقلال وحتى اليوم وتردت هذه الإدارة حتى تحوَّلت من إدارة ناجحة «بمقاييس ما قبل الاستقلال» إلى إدارة فاسدة فاشلة لم تتطوَّر ولم تتجدَّد بل سارت من سيء لأسوأ.. وأهم ما يكشف عن غياب مشروع الدولة أظهرته «عبقرية» اتفاقية السلام المعروفة بنيفاشا، تلك الاتفاقية التي تم البصم عليها لتقتطع مساحة كبيرة من مشروع الدولة الغائب، فالاتفاقية وافقت على سحب الجيش من الجنوب وهو رمز السيادة، ثم أعطت حق تقرير المصير، وخلال ست سنوات كان الحكم في جنوب السودان مستقلاً تماماً.. وما يهدِّد مشروع الدولة الغائب أو حتى الإدارة الكسيحة هو ترسيم الحدود الذي أصبح أمراً مجهولاً حتى بعد الانفصال والذي سيؤدي إلى توترات وحروب لا تقضي على مشروع الدولة الغائب فحسب إنما تقضي على ما تبقى للإدارة الحالية من سودان!!.. إن الإدارة الواهمة تواجِه الواقع بافتراضات غير واقعية، فمع نيل الجنوب استقلاله منذ التاسع من يناير 2005م افترضت الإدارة أن ما يُعرف بالوحدة الجاذبة سيعيد الجنوب إلى رحاب الإدارة مرة أخرى، إنه افتراض واهم في مواجهة واقع جديد رضي به أهل الجنوب، الذي بدأ لعابه يسيل لضم مساحات أخرى في الشمال نظراً لعدم ترسيم الحدود ونظراً للمناطق الثلاث، وما وراء المناطق الثلاث دارفور وشرق!!. فالإدارة لا تدار بالافتراضات الوهمية ودائماً تعتمد على الواقع والتجارب وتراكم الخبرات.
وبذا أصبح حال البلاد أقرب للتفكك والتهالك الإداري للنظام، وهكذا تبدأ الشركة القابضة «النظام» في الضعف والتيه، فإن ساءت الأحوال في إقليم أو ولاية فنموذج نيفاشا جاهز للتطبيق فهو النموذج الوحيد الذي سيفرض علينا. أمريكا فطنت لضعف الإدارة «النظام» فأرسلت رسالة تطمينية رقص لها البعض فرحاً، إن السودان ليس من ضمن الربيع العربي، أو بمعنى آخر أن أمريكا تبارك الإدارة المتهالكة التي تقبض على زمام الأمور في السودان، وقد قصد الأمريكان بقاء النظام ليخرب بيته بأيديه دون أن تبذل أمريكا أدنى جهد من جانبها.. والتشكيل الوزاري شيء من هذا، والغريب فيه زج أحد الوزراء ووصفه بممثل الحركة الشعبية فهل هذا يعني أن الإدارة «النظام» اعترف بالحركة الشعبية لدرجة أن مثلها بوزير، لماذا إذن تذهق الأرواح في جبال النوبة والنيل الأزرق، وخسارة أي فرد تعني بجانب الخسارة المعنوية والاجتماعية خسارة اقتصادية، هل الحركة الشعبية من الأحزاب المعترف بها والمسجلة في السودان! وزير المالية الجديد القديم يصرِّح بأن الوضع المالي للبلاد «عال العال»، رغم فقدانه ما يربو على التسعين في المائة من ميزانيته العامة بفقدان البترول الذي اعتمدت عليه البلاد بصفة أساسية ولا أدري إذا كانت الحالة الاقتصادية مطمئنة كما يقول فلماذا الزيادات في الأسعار التي بلغت حد الجنون؟. ولعلي أتساءل كيف لوزير المالية أن يصرِّح بهذا التصريح ويجلس وزير زراعته بلا محصول زراعي ونهضته الزراعية تحتاج لمن ينهض بها هي قبل الزراعة، ولعله يجلس في مقابل وزير الصناعة الذي لا صناعة وصنعة يباهي بها بعد إغلاق المصانع أبوابها، أم كيف يتصرف مع وزير الثروة التي أصبحت أسعارها خرافية، وهي في دولة الإنتاج، كم ستدر الصناعة والزراعة والثروة الحيوانية على الميزانية العامة ليصبح اقتصادنا كما افترض وزير المالية واهماً أنه عال العال.. أسوأ ما في الأمر إنكار أن هناك أزمة؛ لأن الإنكار يؤدي لأمر واحد هو عدم مجرد التفكير في علاجها، «فالمتعافي» لا يحتاج لعلاج، في الوقت الذي يمر فيه كل العالم بأزمة اقتصادية طاحنة إلا السودان فاقتصاده عال العال بافتراض الوزير الواهم!!. في تقرير المراجع العام تقدَّم سيادته بمخالفات في وزارة الدفاع والداخلية والزراعة والعدل مخالفات تؤدي بعد التحقيق للمحاكمة، ولكن ذات الوزراء «بلحمهم وشحمهم بقوا في ذات مناصبهم»، هل يا تُرى فبرك السيد المراجع العام التقرير؟ وقذف باتهامات باطلة تجاه تلك الوزارات؟ إن كان الأمر كذلك فلماذا يسكت هؤلاء الوزراء عن هذه التهم الخطيرة؟. كنا نأمل أن تكوّن الحكومة الجديدة ـ لتكون بحق جديدة ـ من التكنوقراط ليعيدوا بناء ما تم تخريبه ولكن أرادوها حكومة فشلوقراط، ليس في مفكرتها مشروع دولة تحكمها مؤسسات تحل مكان مراكز القوى، دولة يبنيها أبناؤها ويحميها جيشها الباسل، وفي هذا الوضع لا يستطيع من يريد البناء أن يبني ولا من يريد الحماية أن يحمي، ولكل من هؤلاء هدف.. فالذي يبني يبغي الوصول إلى هدف والذي يحمي كذلك والهدف هنا بقاء السودان منتجاً وقوياً.. هل هناك إجماع وطني لمشروع الدولة؟ كلا، كذلك لا يستطيع أي من كان تحديد مصدر التهديد فالدولة تكون جيو بوليتكي واضح المعالم والحدود، تتم حماية أمنها القومي خارج تلك الحدود ولكن بوضعنا الحالي أصبح النظام هو الدولة توجه كل أنواع الحماية لبقائه.. لقد استهلكت تلك الشعارات التي تدغدغ مشاعر المسلمين وتكتسب تأييدهم، ولم تعد الشعارات تكفي فقد طغت عليها الحالة الاقتصادية البائسة!..
إن النظام الحاكم يمكن أن يتبول على الجميع ، و إلى أبعد مدى ، ولكنه ينسى حقيقة بدهية ، هي أن آخر القطرات سوف تسقط بين قدميه!!
أصبح النظام هو الدولة" هذه هى المشكلة فعلا
لك التحية يا دكتور وانت تنور بقلمك الاذهان
بارك الله فيك
وارجوا ان تكتب لنا عن السيناريو الذى ممكن ان يحدث بعدما دخلوا الجماعة (ساعدونا ياجماعة) والان (الفشلوقراط) ماذا يمكن ان يحدث وكيف المخرج