حوار خاص مع الناشط الحقوقي الفاضل سعيد سنهوري المدير العام لمرصد جبال النوبة لحقوق الانسان.

حوار: مكي الحاج ? كلفورنيا.
العديد من الأطراف الإقليمية والدولية تتهرب من مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه المدنيين في جبال النوبة.
الوساطة الأفريقية بوضعها الحالي لا يمكن أن تساعد الأطراف على تحقيق أي حل سياسي شامل في السودان.
مع إقتراب بدء جولة جديدة من التفاوض غير الرسمي بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية في برلين والتي يتوقع المراقبون لهذة الجوله أن تحدث أختراقاً في الملفات المعلقة والتوصل الي أتفاق لوقف العدائيات بين الطرفين ، ومع بدء حملات الصيف العسكرية للنظام وتوقع أرتفاع وتيرة انتهاكات حقوق الانسان ، وتشاؤم المراقبين لأنعدام فرص التوصل الي سلام ينهي معاناة المواطنيين بجنوب كردفان ، هذا دفعنا الي اللقاء بالناشط الحقوقي الفاضل سعيد سنهوري المدير العام لمرصد جبال النوبة لحقوق الانسان، لمواقفه القوية والجرئية حول القضية الانسانية بولاية جنوب كردفان، وموقفه من دور الوساطة الأفريقية والمجتمع الدولي من اللأزمة الأنسانية بالولاية.
هناك سؤال يتبادر للسودانيين أين هو المجتمع المدني لجبال النوبة من النزاع في ولاية جنوب كردفان ؟ ولماذا صوت المجتمع المدني لجبال النوبة يكاد لا يسمع وموقفه من الأزمة لا يعرف عنه شيئاً وكان الأمر متروك للساسة وحدهم؟.
المجتمع المدني جزء من المكون الأجتماعي وحركة المجتمع وهو موجود من قبل نشوب الحرب الاخيرة في جبال النوبة بعد الانتخابات التكميلية في 2011، فالمجتمع المدني باقليم جبال النوبة ومنظماته الاهلية والمدنية والنقابية والفئوية أيضاً موجوده بالسودان وبمختلف الدول ، يمكن أن يكون الجهد أقل من المطلوب والمردود من التفاعل غير عالي وواضح النتائج لكن المنظمات الطوعية والجمعيات والروابط المناطقية لابناء جبال النوبة بالمهجر والمناطق المحررة تقوم بجهود كبيرة وعمل جبار ومقدر في ظروف صعبة وبالغة التعقيد وأستمرار تضييق النظام علي المجتمع المدني ومنظماته بالداخل وأستهداف النازحين من جبال النوبة بولاية الخرطوم والولايات الاخري ، الذي وصل الي هدم دور العبادة والكنائس فضلاً عن عدم سماح الحكومة السودانية للمنظمات الدولية بالعمل بالولاية، فالمجتمع المدني ومنظمات الطوعية الان هي من تقوم بالاغاثة والعمل الأنساني والصحي للسكان الموجودين باقليم جبال النوبة والموجودين بمعسكرات اللجوء والمهجرين.
لكن لم نري لتلك المنظمات وجمعيات المجتمع المدني اي وجود في جولات التفاوض للمنطقتين خصوصاً من جبال النوبة في أديس ابابا في كل الجولات الماضية ؟.
المجتمع المدني بصفته الأعتبارية لم يتم تقديم دعوه لحضور جولات التفاوض والمفاوضات الخاصة بالمنطقتين وتلك التي تتناول قضايا للمواطنيين بالاقليم ، والمفاوضات ظلت مقصورة علي الحركة الشعبية والحكومة السودانية فقط ، ونحن كمنظمات مجتمع مدني ارسلنا عدد من الرسائل للامم المتحدة والوسيط الافريقي في اكثر من مرة واخرها كان في شهر سبتمبر من العام الماضي ، واوضحنا راينا للوساطة وطالبنا ومالنا نطالب بوقف القصف العشوائي للمدنيين والمنشئات المدنية وضرورة أيصال المساعدات الانسانية والتحقيق في الأنتهاكات الواسعة لحقوق الانسان ، بالنسبة لنا كمنظمات طوعية حقوقية نحن علي أتصال مع مختلف الجهات والمنظمات ومجلس حقوق الانسان والاتحاد الافريقي ومفوضياته لاطلاعهم علي اوضاع حقوق الانسان بصورة دورية وطبيعة الانتهاكات التي تتم باقليم جبال النوبة وهي جرائم ترتقي الي جرائم حرب واعلمنا أمبيكي بذلك أكثر من مرة.
علي ضوء حديثك عن الوساطة وتوجية الدعوات وجهت الدعوة مؤخراً لجولة غير رسمية جديدة في برلين كيف تنظرون الي ذلك كمجتمع مدني ونشطاء لحقوق الانسان من المناطق المتأثرة بالحرب والتي تسمي بالمناطق المحررة ؟
من يعمل النظر في جهود الوسيط الافريقي ثابو أمبيكي لإنهاء الازمة السودانية ككل وقضية الحرب بالمنطقتين يري وبلا شك أن حال الوسيط الافريقي مجرد القفز على حواف الأزمات السودانية جميعها دون الخروج بحل لها ، وكان الوسيط الأفريقي وصل الي مرحلة الفشل وانسداد الأفق علي خلفيات وتداعيات جولات التفاوض المستمرة بين الحركة الشعبية وبقية القوي الثورية والمعارضة المدنية والنظام القائم في الخرطوم ، فأمبيكي مسؤول أمام أجهزة الاتحاد الأفريقي كمجلس السلم والأمن والمفوضية الأفريقية ومجلس الأمن الدولي باعتبارها المؤسسات التي فوضته لأداء مهامه كوسيط ، وهو الان مسؤل عن مصير عدد كبير من السودانيين ونحن في جبال النوبة جزء من هولاء السودانيين ضحايا الحرب وما يقوم به من أدوار تؤثر في مصير المجتمع المدني في المستقبل القريب والبعيد لاننا نمثل مجتمعاتنا والتي هي بدورها تتاثر بمسار النزاع في المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) ، وظللنا نتوقع منذ اخر جولة رسمية والتي انعقدت في الفترة من 19 إلى 23 نوفمبر 2015 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا والجولتين غير الرسمية أن تحقق هدفها المعلن المتمثل في الاتفاق على وقف العدائيات للأغراض الإنسانية بين أطراف النزاع كافة لضمان وصول المساعدات الانسانية.
لكن الملاحظ دور المجتمع المدني لجبال النوبة والنيل الازرق غائب تماماً ولا تاثير له في الضغط علي الاطراف والوسيط لتوقيع اتفاق وقف العدائيات للأغراض الأنسانية الذي تتمنون تحقيقه من هذة الجولات ؟.
قد يكون ذلك صحيح في بعض الجوانب لكن لسنا وحدنا موجودون وممثلون للمجتمع المدني من السودان فالأزمة في جبال النوبة والنيل الأزرق ليس أزمة خاصة بالمنطقتين فقط بل هي أزمة أنسانية تمس وتهم كل السودانيين وليس المواطنيين من أهل المنطقتين ، والحديث هذا يوكده تواجد منظمات مجتمع مدني في هذة الجولات التفاوضية مثل كونفدرالية المجتمع المدني والمجموعة السودانية للديمقراطية اولاً وعدد كبير من النشطاء الأخرين المدافعين والمهتمين بالازمة الانسانية بجبال النوبة والنيل الازرق ودارفور وقضايا الحريات العامة وظلوا يلعبون دور وموجودن الي اليوم. فالمجتمع المدني ليس هو الملام للفشل في عدم توقيع أتفاق للعدلائيات، الجميع يعرف من هو الطرف الذي يتحمل مسؤولية انهيار جولة المفاوضات ، الشي الوحيد الذي يمكن ملاحظته كمراقبين لأداء الوساطة هو التنظيم الضعيف للجولات التفاوضية، الأمر الذي شجع النظام الحاكم في السودان للاستمرار في مراوغته وإملاء شروطه على العملية التفاوضية ككل وبالتالي أستمرار معاناة أهلنا في جبال النوبة الي اليوم.
هل تقصد أن فشل الوساطة الافريقية في التنظيم الجيد لجولات التفاوض هو السبب الرئيسي لعدم تمكين الأطراف لتوقيع لوقف العدائيات يسمح بالمساعدات الانسانية في الجولة الاخيرة من المفاوضات باديس ابابا؟.
لم أقصد ذلك ولا عند الجولة العاشرة فقط وقف فشل الوساطة الافريقية في الجانب الانساني ، فقد فشلت الآلية الأفريقية كذلك في عقد اللقاء التحضيري للحوار الذي كان مقررا له أن يجمع تنظيمات الجبهة الثورية وحزب الأمة ، وما تسمى لجنة سبعة+سبعة الموالية للنظام، وفشل لقاء أخر أيضاً كان متوقع أن يعقد في سبع ديسمبر2015 لاعتذار الأطراف لسوء التنظيم وعدم تقديم الدعوة للقاء ولم تأت الدعوة نتيجة تشاور مسبق للأطراف المعنية باللقاء وتحس وكان الوساطة أرادت بالدعوة للقاء التعويض عن فشلها وإنقاذ مصداقيتها ، ومن بعد تفاجاءت بنتائج الجولات غير الرسمية.
بالرغم من جسامة الانتهاكات للقانون الدولي الانسان وحقوق الانسان واستخدام الاسلحة المحظورة دولياً بجبال النوبة منذ العام 2011 لكنكم كحقوقيين فشلتم في أيصالها الي المنصات الدولية كالمحكمة الجنائية الدولية فما السبب ؟.
إن تجربتنا مع المنظمات الدولية والمؤسسات المختصة بالعدالة الدولية متصلة ومتواصلة ونحن في تواصل معهم ونسير في خطوات جيدة في هذا الخصوص ، وتجربتنا مع هؤلاء الاشخاص الذين يتراسون المجالس والهيئات والمنظمات أو تلك التي يمثلونها علمتنا ألا نعول أو نعطي اهتماما لخلافاتهم او تقاطع مهامها وأختصاصاتها مع بعضها البعض، فهم جميعا أعضاء أصيلون بشكل او باخر في النادي الأفريقي الرسمي وتربطهم مصالح وعلاقات معقدة، لا ننسى كذلك أن كثييرين من المدراء والمسئولين في تلك المنظمات والهيئات العدلية الدولية يعتبرون من المنظرين والنافذين في القرار الأفريقي الرسمي ، ويأثرون في قضيتنا الحقوقية بجبال النوبة بصورة سلبية بالرغم من عدالتها، فضلاً عن الامكانيات الضعيفة لوجستياً لنشطاء حقوق الانسان في هذا المجال، فمنظمتنا الحقوقية تعوزها الامكانيات المادية واللوجستية بالرغم من توافر الخبرة والمعرفة.
من المعروف أن لديك مواقف صلبة تجاه امبيكي والمحكمة الجنائية الدولية ؟ هل مواقفك هذة نابعه من حكم علاقتك القوية بالسيدة فاتو بنسودا مدعي المحكمة الجنائية الحالية ومن قبلها لويس مورينو أوكامبو ؟..
لا أبداً ليس لي موقف من امبيكي وموقفه من المحكمة الجنائية ولا علاقة له بالزملاء في الجنائية الدولية ، لكن من المهم جدا ان نعرف ان لامبيكي أدوار لعبها وقام بها لمصلحة البشير ليهرب من العدالة الدولية وعدم مقاضاته اما المحكمة الجنائية وهذا هو موقفي من الموضوع، ولا علاقة توجد علاقة مباشرة لامبيكي لكن هناك مواقف تحسب لامبيكي كمساعدة للبشير في الهروب من المحكمة الجنائية الدولية . وارتباط أمبيكي بالأزمة السودانية حديث مقارنة بالمحكمة الجنائية الدولية وقراراتها في حق البشير ورموز النظام لارتكابهم جرائم ضد الانسانية في دارفور ، واريد أن اوضح هنا انه في 21 يوليو ٢٠٠٩ دعا مجلس الأمن والسلم الأفريقي إلى تكوين آلية أفريقية رفيعة حول نزاع دارفور، مهمتها تقديم توصيات ومقترحات حول المحاسبة ومكافحة الإفلات من العقوبة من ناحية، والمصالحة وتضميد الجراح الاجتماعية والنفسية بين سكان الإقليم من ناحية أخرى.، وكانت هي بداية تدخل الاتحاد الافريقي في موضوع المحكمة الجنائية ، الي أن أصدر الاتحاد الأفريقي قرارا بإنشاء الآلية الأفريقية الرفيعة حول دارفور وتم تعيين أمبيكي رئيسا لها وعضوية كلا من الرئيس البوروندي السابق بيير بيويا، والرئيس النيجيري الأسبق الجنرال عبد السلام أبو بكر، وشخصياً أري أن هذه الخطوة محاولة لإجهاض ملف دارفور أمام المحكمة الجنائية وإيجاد مخرج للبشير وحمايته من ملاحقة المحكمة، فماذالت هناك خروقا وانتهاكات خطيرة للقانون الدولي ارتكبت في اقليم دارفور وترتكب الان بجبال النوبة والنيل الازرق ، وأن الحكومة السودانية قد فشلت في تحقيق العدالة بمحاكمة مرتكبي تلك الانتهاكات الجسيمة وماذال الجناة هاربون من العدالة .
في ما يلي مسار جبال النوبة من التفاوض هناك بون شاسع بين الموقف التفاوضي للنظام من جانب، والموقف التفاوضي للحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال من الجانب الآخر اين هو موقف قوي المجتمع المدني لجبال النوبة من الموقفين في هذة الحالة؟.
من المهم جداً للمجتمع المدني باقليم جبال النوبة أن ينشط أكثر في الفترة المقبلة ، والتمسك بالحل الشامل الذي يراعي خصوصية الأقليم وممقاومة وفضح رغبة النظام بالتثبث بمفاوضات تتقيد حصرا بقضية المنطقتين كأحد الملفات المتبقية من اتفاقية السلام الشامل لعام 2005والانتخابات التكميلية التي أجريت ، وذلك يحتاج إلى وقفة صارمة وصلبة من ابناء الاقليم ومن السودانيين المعنيين بالتغيير وقضايا الحرب والسلام، فأمر جبال النوبة والازمة الانسانية فيها يتعلق بمصير الملايين من السودانيين الذين أصبحوا لا يثقون في جدية الحكومة السودانية لحل الازمة الانسانية المستفحلة في اكثر من منطقة من البلد عن طريق العملية التفاوضية.
هل تعتقد ان الوساطة الأفريقية بوضعها الحالي لها الفرص الكافية ويمكن أن تنهي الأزمة بين الأطراف السودانية ؟.
إن الوساطة الأفريقية بوضعها الحالي لا يمكن أن تساعد الأطراف على تحقيق أي حل سياسي شامل في السودان ، استناداً علي نتائج جولات التفاوض بين الحركة الشعبية والنظام في الخرطوم ، حيث تنقصها الكوادر والخبرات، والتفويض الشامل الفعال، والنفوذ الحاسم على أطراف الأزمة ، والحياد، كما تنقصها الرؤية الواضحة للحل الشامل والعملية السلمية ذات المسارين التي تطرحها والتي يتطلب وجود طرف أخر لدفع عملية التفاوض واعتقد تدخل المانيا سيؤثر علي مسار التفاوض في الجولات غير رسمية والرسمية .
هل تعني بان أمبيكي غير جاد في حل شامل للمشكلة السودانية ويفضل حل علي اساس تفاوضي بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني للمنطقتين اولاً ثم تليها بقية المناطق الاخري؟
لا أحد ينكر جهود أمبيكي التي يقوم بها من خلال الاتحاد الافريقي ومجلس السلم والامن الافريقي وبالضرورة أن نقدر جهود أمبيكي نحن كسودانيين اولا وافارقة وأبناء جبال النوبة، لكن جهود أمبيكي تأخرت كثيرا عن مواجهة رؤي كافة الأطراف ووضعها أمام مسؤولياتها واول تلك الاطراف الحكومة السودانية والنظام القائم في الخرطوم ومن بعد ذلك المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، ومع ذلك لا يمكن أن تستمر جهود أمبيكي الي الابد مع استمرار معاناة السودانيين في جبال النوبة ودارفور والنيل الازرق ، وهذه العملية للوساطة الافريقية لا يمكن ان تستمر من دون خريطة طريق واضحة للفترة المقبلة في القريب العاجل ، ومن غير المقبول الإذعان لعملية الإفشال المتعمدة للعملية التفاوضية التي تكررها وفود الحكومة السودانية في كل مره ، بل لا يجب لأمبيكي الاستمرار في التساهل مع النظام السوداني واعضاء وفود التفاوض الحكومي الذين يرهنون التفاوض لصالح الأجندات الأمنية والعسكرية والمحصلة مزيد من المعاناة والنازحين والضحايا من أهلنا في جبال النوبة.
هل ترجح أذا أستقالة أمبيكي في حال فشل الوساطة الافريقية لحل الازمة بالمنطقتين جبال النوبة والنيل الأزرق؟
هناك احاديث متداولة اعلاميا بان امبيكي قال لبعض الاشخاص المقربين منه نيته الاستقالة وهي تسريبات غير مؤكدة ، لكن السيد ثابو أمبيكي في النهاية هو وسيط لحل الازمة في السودان بالأخص منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق ، وهناك عدد من الوسطاء عملوا لانها أزمات في دول مختلفة واستقالوا من مناصبهم عندما علموا بانهم لم يستطيعوا الوصول الي شئ مثلاً كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي مبعوثا الجامعة العربية والأمم المتحدة لحل الأزمة في سوريا واليمن أستقالا من من منصبهما ، في حالة السودان نجاح امبيكي يرتبط بالوصول الي حل للازمة السودانية ككل وليس للمنطقتين جبال النوبة والنيل الازرق بما فيها دارفور وشرق ووسط السودان وكذلك جنوب السودان ، ولا يمكن القبول بان يستمر امبيكي في عملية غير ناجحة ويكون مجرد غطاء لعملية سلمية زائفة مع استمرار القتل والتهجير والمعاناة والقصف العشوائي للمدنيين بالانتتنوف والمدافع والاغتصاب للنساء بجبال النوبة.