مقالات سياسية

“شعب واحد.. جيش واحد”، ولكن ماذا عن عدائيات العسكر؟!!

بكري الصائغ

١-
في يوم ١٥/ ابريل الحالي ٢٠٢٠، نشرت الصحف المحلية والاجنبية والمواقع السودانية، بيان هام صدر من القوات المسلحة تحت عنوان (الجيش السوداني يؤكد تماسكه والتزامه بالفترة الانتقالية)، ولما كان هذا البيان العسكري، ساقوم بنشره تمامآ كما ورد في الصحف لانه يشكل العمود الفقري لهذا المقال.

٢-
قالت القوات المسلحة السودانية إن المكون العسكري يشكل جزءا أصيلا من مجلس السيادة الانتقالي، مؤكدة على تماسكها والتزامها بالفترة الانتقالية. وجاء في بيان للجيش السوداني: “ظلت القوات المسلحة وعلى مدي التاريخ جسم واحد وتعمل بإحترافية وفقا للقوانين واللوائح المنظمة لأدائها، ومنذ قيام ثورة 19 ديسمبر”.”ويشكل المكون العسكري جزءا أصيلا من مجلس السيادة الإنتقالي ممثلا لكل القوات النظامية باعتباره احد صناع الثورة وجزءا لا يتجزأ منها، وهو على العهد الذي قطعه على نفسه وللشعب السوداني في صيانة مكتسبات الثورة والمضي قدما بالفترة الانتقالية إلى بر الأمان واستكمال مطلوباتها علاوة على التقيد بتنفيذ الواجب الدستوري للقوات المسلحة حفاظا على الأمن الوطني للبلاد “. وأشارت القوات المسلحة إلى أن الإجتماعات العديدة التي عقدت بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير أطراف الوثيقه الدستورية للفترة الانتقالية بحضور رئيس مجلس الوزراء للوقوف على الاحوال الأمنية، خرجت باتفاق على مصفوفة تم الشروع في تنفيذها ويؤكد هذا علي الانتماء الأصيل للمكون العسكري لحكومة الفترة الانتقالية وتنفيذ أهدافها وغاياتها، وفقا للبيان.
وحذرت القوات المسلحة من انتشار “الأخبار السلبية والضارة بالأمن السوداني”، التي لن تنال من تماسك ووحدة القوات المسلحة بل ستزيدها فوة وعزيمة للحفاظ على وحدة البلاد. وأضاف البيان: “عليه فإننا نجدد العهد والوعد لجماهير شعبنا بأننا لن نسمح بحدوث ما يقوض مكتسبات وإرادة الشعب السوداني والذي ندعوه لعدم الالتفات للشائعات ولكل من يسعى للفتنة بين القوات المسلحة ومكوناتها والقوات النظامية الأخرى ولن ندخر جهدا في الدفاع عن بلادنا الحبيبة وشعبنا الثائر”.).
– انتهـي –

٣-
بيان القوات المسلحة افرح كل من طالعه وسمع به، لانه اعادنا الي ذكري ايام انتفاضة ٦/ ابريل عام ١٩٨٥، عندما انحازت القوات المسلحة وقتها الي جانب المتظاهرين ضد نظام جعفر النميري، لقد
ساعد هذا الانحياز العسكري انهاء حكم النميري، يومها خرجت الملايين للشوارع تهتف بصدق وباصوات عالية “شعب واحد..جيش واحد”، والشيء الذي زاد من احترام القوات المسلحة عام ١٩٨٥، ان لا احد من القادة الكبار في وزارة الدفاع اعترض علي تقديم جعفر النميري ومن شاركوا معه في انقلاب عام ١٩٦٩ للمحاكمة بتهمة الانقلاب علي وضع دستوري كان قائمآ وقتها في البلاد.

٤-
انهارت مكانة القوات المسلحة انهيار كامل بعد قيام “الجبهة الاسلامية” بانقلابها الناجح عام ١٩٨٩، وكانت اولي خطط “الجبهة الاسلامية” بالتعاون مع جنرالات الانقاذ، ان يتم تحويل الجيش برمته الي مؤسسة عسكرية خاضعة تمامآ للجبهة، وبالفعل نجح مخطط الجبهة بدرجة كبيرة وبصورة اكبر ما كان يتوقعها البشير وحسن الترابي، واصبح الجيش منذ عام ١٩٨٩ وحتي ٢٠١٩ ” مؤسسة قطاع خاص” لاعلاقة لها بالدولة، كانت مؤسسة غير قومية ، تحكم فيها حزب المؤتمر الوطني المنحل طوال ثلاثين عام.

٥-
بعد نجاح الانتفاضة الشعبية في ديسمبر ٢٠١٨، وانحياز القوات المسلحة لها في يوم ١١/ ابريل ٢٠٢٠ تمامآ كما كان الحال في ابريل ١٩٨٥، بدأت القوات المسلحة بهمة ونشاط شديد في اصلاح ما افسده نظام الانقاذ، وما مر يوم من الايام خلال العام الماضي بعد القضاء علي نظام البشير الا وكان هناك بيان او تصريح من المجلس العسكري الانتقالي حول تنفيذ اجراءات عزل وطرد واحالة للصالح العام قد اتخذت ضد ضباط برتب عسكرية عالية، كانت هناك ايضآ اعتقالات قد شملت رؤوس كبيرة واولهم عمر البشير، وبكري حسن صالح، وعبدالرحيم محمد حسين، واودعوا في سجن كوبر.

٦-
ظل الشعب يتابع باهتمام شديد بيانات وتصريحات المجلس العسكري الانتقالي، ولمست الجماهير الصدق في اغلب البيانات، ولمست ايضآ ان هناك عزم ونية في تغيير حال القوات الاحسن وازالة ماتبقي من رواسب قديمة، ولكن الشيء الغريب في الامر، انه وبعد انتهاء فترة حكم المجلس العسكري الانتقالي، وتشكيل مجلس السيادة والحكومة الانتقالية، “رجعت حليمة لعادتها القديمة”، ووقعت عشرات الاحداث المؤلمة من قبل ضباط وجنود ينتمون للمؤسسات العسكرية طالت مئات من المواطنين خاصة في ولايات دارفور، ومما زاد من غضب الناس، انه وخلال عام كامل من وقوع هذه الجرائم لم نسمع باي محاكمات قد طالت مرتكبيها!!، ومازالت جرائم الاغتيالات، والاغتصابات، والاعتقالات بدون تهم ، والضرب، والاعتداء علي الاطباء مستمرة بلا توقف!!

٧-
نعم، هناك الان تسيب وعدم انضباط وسط الضباط والجنود ورجال الشرطة تمامآ كما كان الحال في زمن الرئيس المخلوع، هناك ضباط وجنود مازالوا في الخدمة اساءوا كثيرآ للقوات المسلحة بتصرفات مستهجة معتمدين علي الحصانة التي تحميهم من المسآلة.

٨-
نعم، والف نعم نؤيد شعار “شعب واحد..وجيش واحد”.
نساند كل ما يقوم بها الجيش من اصلاحات في داخله من اجل ان تكون مؤسسة قومية، تحمي
وتصون البلاد من كل شر.
نقف مع القوات المسلحة من اجل استعادة الهيبة التي فقدها طوال الثلاثين عام الماضية.
نساند بقوة اعادة ترتيب الاوضاع في الداخل، حتي يصبح مثل ارقي جيوش العالم.
نتمني، ان يعود كما كان في السابق، لا يتدخل في السياسة، ولا يرسل ضباطه وجنوده للخارج.
نتمني، ان تختفي نهائيآ الاخبار المحبطة عن سلبيات الجيش، والتصرفات الغير لائقة التي اعتادوا الضباط والجنود علي ممارستها.

٩-
خبر مؤلم ومحبط نشر اليوم – قبل ساعات قليلة- السبت ٢٥/ ابريل ٢٠٢ في صحف المحلية تحت عنوان:
(ضابط نظامي يغتصب فتاة قاصر بوسط دارفور)-
المصدر:- صحيفة “الراكوبة” – “دبنقا” – أبريل 25, 2020 –
(اغتصب ضابط في الجيش برتبة الملازم أول يوم الاثنين فتاة قاصر تبلغ من العمر 17 سنة. ووقع الحادث بحسب أسرة الفتاة الضحية بمنطقة طور بولاية وسط دارفور. وفتحت أسرة الفتاة الضحية بلاغا بالحادث لدى الشرطة الموحدة بالرقم (389) في مواجهة الملازم التابع لحامية طور العسكرية الفرقة (61) كاس بولاية جنوب دارفور ونقلت بعدها الضحية الى مستشفى نيرتتي طور.).

١٠-
يا البرهان، يا حمدوك، يا حميدتي: نقولها بكل صدق وامانة، نعم والف مليون نعم “شعب واحد.. جيش واحد”،… ولكن ماذا عن عدائيات العسكر التي يحميها مجلس السيادة والحكومة…ووزارة الدفاع، والداخلية، وحميدتي؟!!

بكري الصائغ
[email protected]

‫4 تعليقات

  1. موضوع له علاقة بالمقال…

    ١-
    لماذا تخلي الجيش عن الانضباط العسكري، ولم يعد معمول به؟!!
    الجـيـش الذي عناه عثمان ميرغني !!
    المصدر:- صحيفة “الراكوبة” –
    الرابط:-
    https://www.alrakoba.net/2440111/

  2. واحدة من اسوأ عدائيات الجيش خلال ال(٩٥) عام من تاسيسه:
    السودان ـ عمليات اغتصاب جماعي من جانب الجيش في دارفور
    المصدر:- Human Rights Watch – فبراير 11, 2015 –
    الرابط:
    https://www.hrw.org/ar/news/2015/02/11/266730
    (رفض البشير وقتها اجراء اي تحقيقات حول حادث الاغتصاب الذي طال ما يزيد على (٢٠٠) سيدة وفتاة في هجوم منسق على بلدة “تابت” في شمال دارفور، في أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٤، وبالرغم من ان قائد حامية تابت النقيب/ اسماعيل حامد اقر ارتكاب قواته القيام باغتصاب جماعى ضد سكان القرية، وقاموا بضرب واهانة واذلال السكان بصورة قاسية بعد اكتشاف اختفاء احد الجنود من الحامية، اقر امام جمع من سكان القرية بارتكاب قواته خطأ ضد سكان القرية ، وان الجندى المفقود قد وجد بمنطقة (طويلة) ، وانه يقدم اعتذارا عما حدث ، وقال الشيخ بان قائد الحامية النقيب اسماعيل حامد طلب من الاهالى تسجيل اسماء المغتصبات والجرحى والمصابين وذلك من اجل ارسالهم للعلاج فى مستشفى الفاشر العسكرى ، وقال الشيخ بان الاهالى رفضوا اعتذار قائد الحامية وطالبوا باجراء تحقيق مستقل وتقديم المتورطين فى الاحداث للعدالة….ولم يتم حتي اليوم تحقيق حول الحادث!!).

  3. وصلتني اربعة رسائل من اصدقاء علقوا فيها علي المقال، وكتبوا:
    ١-
    الرسالة الاولي من استراليا:
    (عمي بكري، رمضان كريم، يعني انت عايز في مقالك ده انو ضباط وجنود القوات المسلحة يعدلوا سلوكياتهم ويكونوا منضبطين ويحترموا المدنيين؟!!، ياأخي الضباط عندهم مادة دراسية الزامية في الكلية الحربية لازم ينجحوا فيها، انهم يكونوا فوق مستوي ناس الجلاليب والعراقي، وما يحترموا اي واحد ما لابس الكاكي، والحكاية دي موجودة في كل جيوش العالم الا الجيش الكوبي.).
    ٢-
    الرسالة الثانية من ميونيخ:
    (…والله نظريآ كلام جميل، لكن من رابع المستحيلات تنفيذه علي ارض الواقع.).

    ٣-
    الرسالة الثالثة من جدة:
    (… يا ود الصائغ انت بجدك صدقت مقولة “شعب واحد.. جيش واحد” ؟!!، وين كان الجيش ده طول مدة التلاتين سنة الفاتت؟!!، اذكرك ياحبيب كان نسيت الجيش ده ما اتحرك لنجدة الشعب الا بعد ما البشير قرر في لحظة جنون القيام بتصفية جسدية لربع الشعب السوداني!!، وحتي بعد رحيل النظام البائد شفنا من الجيش العجب العجاب.).

    ٤-
    الرسالة الرابعة من امستردام:
    (…بكري، المرة دي ما وفقت في مقالك، لانك بتعرف حق المعرفة ان الجيش السوداني حاله زي حال كل جيوش دول العالم، مستحيل ان يكون هناك انسجام وتوافق تام بين الشعب والمنظومة العسكرية، الجيش السوداني في انتفاضة ابريل 6/ 1985 كان مضطر للوقوف مع الشعب بسبب اصرار المتظاهرين علي عدم مبارحة الشوارع الا بعد رحيل النميري، نفس الحكاية تكررت في ابريل عام 2019.).

  4. يبدو أن بونا شاسعا يفصل بين الجيش وشعبه او بين الشعب وجيشه. يا بكرى الجيش يموله الشعب من حر ماله ولكنه لا يقوم بواجبه حسبما هو منوط به. الجيش السوداني يجرى وراء الامتيازات وتطويع القانون لصالحه وما يسمى بالحصانات لا جيش فى العالم يملك كل هذه الحصانات مثل الجيش السوداني. ولم يقاتل في تاريخه من أجل السودان. لا نقارنه طبعا بالجيش التركي أو حتى الجيش المصري فجيشنا حسم غريب في مؤسساتنا بالله عليكم إذا كان جيشنا يدعى انحيازه للشعب فلماذا يذيق هذا الشعب مواطنيه كل هذا الويل بل ويسئ له باستمرار ملكي ملكي ماذا يعنى هذا غير الازدراء.. جيشنا يزعم أنه يدعو للإسلام أليس هذا هروبا من مسئولياته وماذا سيفعل الدعاة ووزارة الشئون الدينية؟؟نحتاج الان قبل الغد تكوين جيش مهني محترف يحترم حقوق الإنسان ويحمى بعقيدته القتالية ذمار البلاد .جاء في الأخبار أن منطقة أرقين تخضع لسيطرة الجيش المصري إذا كان هذا صحيحا لنعد للتاريخ إذن لماذا قاتل الجيش السوداني في قناة السويس بل لماذا استقدمت الطائرات المصرية لإخفائها في السودان 1967م ويدخروها لمثل هذا اليوم الذى تحتل فيه قوات مصرية أراض سودانية ويسكت جيشنا!! والله مهزلة وتردد عبارة لزجة لا معنى لها ( جيش واحد شعب واحد) والله لم أفهم العبارة

  5. أخوي الحبوب،
    ،KOGAK LEIL
    ١-
    مساكم الله بالعافية التامة، ورمضان كريم علي الجميع.
    ٢-
    هدف المقال يا حبيب، هو طرح سؤال هام علي من يديرون شؤون البلاد حول العلاقة المتردية بين الشعب والجيش ونفور الضباط والجنود من الملكيين، والي متي تستمر هذه الحالة التي دخلت عامها الخامس والتسعين -(١٩٢٥- ٢٠٢٠)؟!!
    ٣-
    اقول بكل صراحة ، ان حال الجيش لن ينصلح في المستقبل ووسيظل علي حاله القديم، بدليل ان موضوع “هيكلة القوات المسلحة” لم يعد من ضمن اولويات مجلس السيادة العسكري، ولا تم مناقشته بصورة جدية في اجتماعات الحكومة الانتقالية!!، من يطالع حال الجيش اليوم، يجده نفس جيش البشير بنفس الشكل والملامح مع تغيير طفيف شمل اطاحة بعض الجنرالات الذين ظهروا في الساحة بقوة زمن الرئيس المخلوع!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..