لا تنتظروا ترامب.. أشربوا عصير أحسن

قيل في الطرفة أن مسنوحاً من المسانيح وقف عند محل يبيع العصائر و«المدايد» من النوع الذي يعلن عن نفسه بعبارات وشعارات إستغفالية من شاكلة «من الفم وإلى الدم»، وكان كل ما مع ذلك المسنوح من مال لا يتجاوز العشرة جنيهات، فبدأ يحادث نفسه ويستشيرها ويخيّرها بين أمرين، «أشرب عصير ولا أركب تاكسي يوديني البحر، واذا رحت البحر يا اقعد يا اتمشى، اذا قعدت ما مشكلة، بس اذا تمشيت راح يمر بي جنبي يا واحد يا واحدة، اذا واحد ما مشكلة، بس اذا واحدة ممكن تكون شينة أو حلوة، اذا شينة ما مشكلة، بس إذا حلوة حأطلب منها رقمها، اذا ما وافقت ما مشكلة، بس اذا وافقت حأقوم أتعرف عليها وبعدين أدفع ليها المهر وأتزوجها وتجيب لي عيال، والعيال عايزين مصاريف، فكان قراره بلاش عيال أشرب عصير أحسن»? وأبكرونة العجلاتي أب عجلةً كرونا كما كان يلقب من شدة إعتنائه بعجلته الرالي وحرصه على تذويقها وتبكيشها، لم يكن يهمه في هذه الدنيا بعد عمله في صيانة وتأجير الدراجات سوى شيئين، الاستمتاع بمشاهدة الأفلام الهندية أو التلذذ بأكل الباسطة، مع ميل واضح للأفلام الهندية حين لا تسمح له ظروفه المادية سوى بخيارٍ واحد، ولهذا عندما يكون فلسطيني بلغة الرندوك أي مفلس وليس أمامه غير أن يختار بين السينما والبازار، كانت له كلمة أصبحت لزمة «هندي ولا ناكل باسطة»??.
تذكرت طرفة المسنوح واستدعيت لزمة أبكرونة وأنا أحدِّق في حال حكومتنا وهي تترقب بقلق مشوب بالحذر ما سيسفر عنه القرار الأمريكي بشأن عقوباتها ، فلم أملك غير أن أتاسف بأشد من أسف صاحبنا العجلاتي حين لا يسعفه الحال إلا بدخول الفيلم الهندي وإسقاط بند الباسطة فهو على الأقل صاحب القرار والإختيار، ولكن حكومتنا تبدو وكأن لا خيار لها سوى انتظار القرار?..
الطرفة واللزمة، من مثيرات الجدل لذاتها فيما أعتقد، ولكن فيما «أحسب» أن آيتها الكبرى ليست في ذلك وإنما فيما تثيره من حاجة بلادنا لأن تستكمل تكوين ذاتها وكيانها على أسس حديثة وجديدة وتحقيق قفزة تنموية تُدخلها في قلب العصر الحديث وهي أهداف كبرى لن تحققها ذهنية ماضوية ولن يقترب منها الكسول والخامل فكرياً ،ومن هنا تتعاظم حاجتنا لتحديث وعينا الاجتماعي وتجديد خطابنا الثقافي وممارستنا السياسية التي لا تزال تراوح مكانها منذ ظهور الأحزاب كأوعية لممارسة السياسة قبل أكثر من ستين عاماً، وقد عنّت لي هذه الخاطرة عندما كنت أتأمل في حالنا ونحن ننتظر القرار الامريكي وكأنما صار مصيرنا مرهونا به ،ما أثار في نفسي حسرة على واقعنا الوطني المتكلس والمتجمد عند نقطة لم نستطع تجاوزها بأي قدرٍ يذكر على مدى أكثر من ستين عاماً هي عمر استقلالنا الوطني ،حيث لا تزال أزماتنا هي هي كل هذا الوقت? ولا تذهبوا بعيداً فقط أنظروا حولكم، فثمة مشكلة تكرر نفسها منذ ستة عقود .
الصحافة

تعليق واحد

  1. مشكلة السودان وازماته المزمنة هى الفساد . ثم الفـساد , ثم الفـساد وانعـدام الوطنية وحـب البـلـد ثم عـدم محاسبة المفـسـدين فالأموال المسروقة والمـستثمرة خارج السودان لو تـم احضارها الى الداخـل , لما احـتـاج البـلـد الى رفع عقوبات اميركية أو اى معـونة أو قـروض . هـل تعـرفون ما هو الفـرق بين الفاسـدين المصريين والفاسـدين السودانيين ؟ الفاسـدين المصريين اكثر وطنية من الفاسـدين السودانيين لأنهم ببساطه يحبون بلدهـم ويـسـتـثمرون اموالهم فى داخـل مصر عـكس الفاسـدين السودانيين الذين يستثمرون اموالهم فى بلاد اخرى . يعنى حـتى ابسط الواجـبات والحقوق للوطن لا يتمتعون بها . لذلك اقـراوؤا الفاتحة عـلى السودان الذى يسير الى الخـلف بسرعـة الـبرق .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..