وستظل الحياة مليئة بالأسرار

٭ قبل أربعة عشرة عاما انشغل العالم بأمر الشاب الامريكي ديفيد بلين، وقالت رويتر: انهى الساحر الامريكي ديفيد بلين مغامرته التي استمرت 44 يوما والتي حبس نفسه خلالها داخل صندوق من البلاستيك دون اي طعام على ضفاف نهر التميز وغادر بلين الصندوق وهو يترنح ويبكي وبدا نحيفا ورث الهيئة واشعث الشعر وانهار بينما استقبله المئات من الناس وهم يصرخون ويهتفون له اعجابا.
٭ وقال بلين عبر مايكرفون «تعلمت ان اقدر الاشياء البسيطة في الحياة.. احبكم جميعا والى الابد».
٭ واجرت فرق طبية فحصا لبلين قبل نقله الى المستشفى حيث سيخضع لبرنامج للعودة الى تناول الطعام وهي عملية يقول الاطباء انها قد تهدد حياته.
٭ وتساءلت متفرجة عما اذا كان الامر باكمله مجرد حيلة؟ وقال كوشيا بائر 20 عاما أما إن ما فعله حقيقي ومن ثم فهو إنسان رائع او انه اختلق الامر وفي هذه الحالة فانه ساحر بارع.
٭ وزار المكان اثناء المغامرة زوار يقدر عددهم بحوالي ربع مليون جاءوا لمشاهدة الينو بوركس 30 عاما الذي يقول انه خلال تلك الفترة لم يصل جسمه سوى الماء الذي كان يحصل عليه من خلال أنبوب.
٭ وكتب ود ضيف الله في طبقاته «حمد النحلان بن محمد البديري المشهور بابن الترابي وامه اسمها غاية قرأ خليل علي الفقيه محمد ولد التنقار في مويس وبرع فيه فأخذ فيه فتحات ثم اخذ مذهب التصوف وانقطع الى الله تعالى وتزهد وسلك على الشيخ دفع الله وارشده واجتمع بالسيد الخضر واخذ عليه».
٭ ما يهمني هنا ما استدعته حكاية ديفيد الامريكاني وهو ما قاله ابو كسيبة «فلما رجعنا من تشييع الشيخ سألنا خادم الشيخ حمد.. يا بخيتة اين سيدك؟ قالت سيدي من مروح الشيخ سد خلوته وما فتحها لا أكل ولا شرب.. قال جينا ناغمناه قلنا ليه افتح الخلوة اقرأ لنا.. قال يا ابو كسبية انا والخليل افترقنا الى يوم القيامة شيل ود التنقار.. قلنا له تدخل الخلوات تهمل أولادك وجبنا له خادمه واولاده الثلاثة نعمان والهميم ورقية بكوا عنده ما افادوا شيئا .. الخلوة خشمها مطوب بالطوب، فقال ان شميتوا عفنة تعالوا ادفنوني، ومكث في الخلوة اثنين وثلاثين شهرا، وشال معاه ثلاث سلق قرض وسبع تمرات، والخلوة فيها طاقة يناولونه بها الماء، وكل ليلة مطالة قدر عين الجمل لفطوره.. فلما خرج من الخلوة وجدوا القرض والثمرات والمطاطيل على حالها والركوة ملانة ماء فجميع من شرب منها وقع مغشياً عليه وصار ولياً من أولياء الله.. امر الناس بالتوبة والاستغفار وترك الزبلعة وسلكهم الطريق، ونظير هذه الحكاية ما ذكره سيدي عبد الوهاب الشعراني في طبقات الادعياء ان ابراهيم بن ادهم اول دخوله في الطريق دخوله خلوة سنة كاملة ما اكل ولا شرب ولا نام ثم دخل الخلوة ثانيا فمكث فيها ثلاثين شهرا ثم خرج يابسا من اللحم والدم وجلده ملتصق على عظمه وسموه الناس حينئذ بالنحلان فخرج عن الدنيا، وقال فتحت باب الله وسديت باب المخلوق.
٭ قلت بعد ان قرأت خبر ديفيد واستدعيت حمد ود الترابي من الطبقات وقفت امام لغز الإنسان الذي سيظل هكذا الى ان يرث الله الارض وما عليها.
٭ في القرن الحادي والعشرين يعجب الناس بشاب امتنع عن الاكل وعاش على ماء قليل ويعتبرونه رائعا، وفي القرن السابع او السادس عشر ينقطع ود الترابي عن الاكل والشرب لمدة اثنين وثلاثين شهراً.. الاول يقول «تعملت ان اقدر الاشياء البسيطة والثاني يأمر الناس بالتوبة والاستغفار وترك الزبلعة».
٭ وستظل الحياة مليئة بالأسرار ومن أعظم الأسرار علاقة المتصوفة بالجوع وقهر النفس.
هذا مع تحياتي وشكري
الصحافة