استقالة الجنرال.. الدخول في الكمين!!

الفريق أول ركن محمد بشير سليمان يعتبر من القيادات صاحبة الرأي العسكري والسياسي، عمل بمنهج الدقة والمصداقية والنزاهة إبان مرحلة عمله السابق في الجيش وولاية شمال كردفان وزيراً للزراعة والثروة الحيوانية ونائباً للوالي، وبالأمس تقدم باستقالته من المؤتمر الوطني وأعلن انضمامه لحزب الإصلاح الآن وهو تنظيم تحت التأسيس يقوده الدكتور غازي صلاح الدين ــ قطعاً الفريق قدم مبرراته التي دفعته للاستقالة من المؤتمر الوطني التي قال: «إنها تأخرت كثيراً، وأسبابها متعددة، ومنها عدم قبول الرأي الآخر داخل الحزب، والعمل على إقصاء العضوية، واحتكارها في أشخاص معينين، وضعف الشورى، وعدم تأهيل المؤسسات، وإدارة الشأن بسلطة انفرادية داخل ولاية شمال كردفان وهذا ينطبق على الحزب عموماً» ــ لكنني هنا أرى أن الفريق تعجل واختار التوقيت الخطأ للخروج من حزبه الكبير خاصة أنه ظل محل حديث وجدل من خلال مواقفه الشخصية الناقدة بحدة ومحاولاته المستميتة في عدم الخروج من خانة الأستاذية وقيادة الآخرين لأنه يرى في نفسه أنه فريق أول في الجيش السوداني وأستاذ علوم عسكرية تخرج على يديه ودرس الكثيرون، منهم من أصبح قائداً رفيعاً في سلم العسكرية ومنهم من صار وزيراً، وله مودة ومكانة وتقدير عند الكثيرين لرمزيته وعمله المخلص سيما وسط أفراد القوات المسلحة والإسلاميين، لكن محطات خلافه ونزاعه المستمر مع القيادات في المركز والولاية ظل محل تساؤل واستفسار وتصنيف ــ كان الأفضل والأجدر للفريق أن يستقيل إبان خروجه من القوات المسلحة وما أشيع حوله من حديث وهو يجلس في بيته يؤانس الكتب والمجلات على أرفف مكتبته العامرة، كما أنه لم يستقل وهو عضو في حكومة معتصم ميرغني المتشاكسة وكان وقتها يدير صراعاً عنيفاً مع الوالي معتصم ويشكل قطباً منافساً ومناوئاً وهو وزير ونائب والي لكنه ليس عضواً في المكتب القيادي وليست له صفة قيادية في الحزب فلم يستقل حينها، وكان بمقدور الوالي إعفاءه وهو يمتلك سلطة الإقالة دون الرجوع ومشورة المؤسسات والمرجعيات، لكن معتصم لم يفعل ذلك ــ

مبررات الاستقالة تناقض نفسها وتقف ضد مبادئ وقيم المرحلة السياسية الحالية في البلاد التي يرتب فيها الجميع لجمع الصف والوفاق الوطني، والمؤتمر الوطني نفسه أعد لبرنامج إصلاحي شامل يجيب على كل مواقف وتحفظات المنتقدين والناقمين داخل أروقته وحتى الأحزاب السياسية بالقطع حصلت على تنازلات جعلتها ترفض مبدأ الاحتفاظ بالعداء الدائم ــ ولو استدبر الفريق من أمره لما أقبل على خطوته المتعجلة والغريبة في هذا التوقيت وهو يعلن خروجه بالاستقالة ويحدد خياره حزب الدكتور غازي فخروج «الاثنين» مهما كانت مبرراتهما وقناعة الجميع بأهمية وجودهما داخل الحزب وأن بعدهما يشكل مضاراً وخسارة كبيرة للمؤتمر الوطني، إلا أنه أشبه بالقفز من السفينة خوفاً من أن يبتلعها الطوفان، فمجموعة غازي ربما هناك ما يبرر خروجها إذ أنها خرجت بعد أن كونت لها لجان داخل الحزب للمحاسبة والمراجعة والتحقيق ولم يحتملوا ذلك فاختاروا الابتعاد وهم الآن لم يفعلوا شيئاً يعتبرون مثالاً للآيبين أو ملاذاً للزعلانين بينما المؤتمر الوطني خطا خطوات ــ فسعادة الفريق لم يقدر الموقف جيداً وهو يقول إنه خرج لأن البلاد تمر بمنعطف خطير والسودان يكون أو لا يكون ــ فالسؤال هل بخروجه ساهم في تعقيد أزمات البلاد أم في حلها؟؟ في تقديري خروجه فصل جديد من أزمات البلاد وأن كل المبررات التي صيغت غير مقنعة لأنه لو كان استقال وهو على كرسي الحكومة واختار الطريق الذي عبر به غازي ومجموعته لكان مقبولاً للجميع، لكن أن يستقيل بعد تقاعده في البيت فهذا يصنف بأنه كان يأمل وينتظر أن تأتي به تشكيلة حكومة مولانا أحمد هارون، وعندما خرج ولم تضم اسمه اختار المغادرة وإلا لماذا لم تستقل سعادة الفريق طيلة مدة الستة أشهر التي قضاها مولانا بلا حكومة ولم يصدر القرار الرئاسي بتشكيل المجلس التشريعي، أليس هذا فراغاً ومدة ومنطقاً كافياً للاستقالة، لماذا انتظرت كل هذه المدة؟؟ وهل ما ذكرته في المبررات حول ضعف المؤتمر الوطني وخلافك على المنهج مع الوالي السابق والحالي بدأ في الفترة الأخيرة ما دعاك للمغادرة أم أنه قديم؟؟

أخي سعادة الجنرال أليس الأوفق أن تقدم نقدك الذاتي من داخل مؤسسات الحزب وتطلق صافرات الإنذار من واقع خبرتك الطويلة والشريفة ــ وهل الإصلاح رؤية مؤسسية كلية تأخذ رأي الأغلبية أم أنه رأي فردي يفرض على الناس ويتبعونه؟ ثم ما هو خطابك للرأي العام الكردفاني وأنت كنت حاضراً وفاعلاً وضربت الرهد والسميح وأم روابة من قبل التمرد ولم تتقدم باستقالة، الضامن لبلادنا من التنازع* والتمزق وذهاب ريحها ليس التمسك بالمواقف ومحاولة السيطرة ومصادرة رأي الآخرين، ولكن قوة بلادنا في تماسك جبهتها الداخلية وخروج الغل من النفوس أثناء المناصحة والمكاشفة وتقديم النصح مجرداً ولكن أسلوب الهروب والنقد من خارج الأسوار لا يخدم قضية ويشكل خسارة لبلادنا لأن مثل جسارة محمد بشير ستضيع وسط تكاثف أصحاب الطموحات وتدافعهم عندما يجلس مثله على كرسي النقد ويكتفي بدور هامشي بلا آليات ولا أدوات للتغيير الحقيقي، وهو حتماً سيخسر ولن يغير شيئاً ولن يضيف في ذات الوقت، بقدرما يخصم منه ومن قدر بلادنا، ويصبح أمثال محمد بشير يأكلون من رصيدهم وتاريخهم الناصع وليتهم جلسوا واحتفظوا ببريقهم وسحرهم حتى عندما شعروا بعدم جدوى حديثهم داخل المؤسسات بالتأكيد سوف يستبين الجميع النصح ويقدرون لهم مواقفهم ــ وكان العشم أن يضع محمد بشير يده على يد أخيه هارون ويشدد أمره في خدمة كردفان بدلاً عن خذلانه وإن كانت له ملاحظات في اجتهاداته ومشروعات النهضة فليقدمها لمصلحة أهل كردفان وعلى طاولة يحترم فيها الأخ أخيه دون الانتقاص من قدراته التي هي مشاهدة للكل، وما كان الفريق أيضاً موفقاً وحكيماً حين هاجم السيد معتصم ميرغني الوالي السابق هجوماً لاذعاً وهو خارج أسوار الحكم في محاولة لإنتاج خلاف قديم ليس هناك ما يبرر الحديث عنه الآن ــ أخيراً أختم بأن خروج محمد بشير خسارة وفراغ قد يسده من هو أقل منه في كل شيء وقد يخلفه من هو أجدر وأقدر، فمحمد بشير رجل عرفناه عفيف اليد وطاهر الجناب يعمل بإخلاص وتجرد وله معزة وود وتربطنا به علاقات وجدانية لا تفسدها المناصحة واختلاف الرأي، وله عميق المحبة والتقدير!!

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يا فضل الله رابح طالما الجنرال بتاعك منظم و يتبع لحزب سياسي منذ أن كان بالقوات المسلحة فهذا يعني أنه ليس ضابطاً بالقوات المسلحة التي نعرفها و التي إسمها جيش السودان .. قواتكم هذه ممكن تسميها أمن أو مليشيات أو جنجويد أو دفاع شعبي أو أي تنظيم مسلح سياسي يأتمر بأمر الحزب الذي سمح بتكوينه .. فالقوات المسلحة الحقيقية استبدلها نظام الإنقاذ بمجموعات سياسية حزبية وضع السلاح تحت يدها لحماية النظام الحاكم و لا علاقة لها بالجيش السوداني .. الجيش السوداني عقيدة و مبدأ و واجب محدد .. واجب ليس من ضمنه الإنحياز لقبيلة أو دين أو حزب .. و إنما انحيازة للشعب الوطن الأرض و حماية العرض و غير مسموح له بانتهاك الحرمات أو قتل الشباب و إبادة الضعفاء .. أما ضباطك المربين الدقون و الذين يعلنون إنتماءهم للأحزاب المختلفة و يرون الفساد و قتل الصغار و الطلبة و اغتصاب الحرائر و تقييد الحريات و لا يحركون ساكناً فهؤلاء جيش السودان لا يشبههم .. حاجة غريبة .. فعلاً الإختشو ماتو !

  2. من القيادات صاحبة الرأي العسكري والسياسي، عمل بمنهج الدقة))
    وله مودة ومكانة وتقدير عند الكثيرين لرمزيته وعمله المخلص سيما وسط أفراد القوات المسلحة))
    واقع خبرتك الطويلة والشريفة))
    فمحمد بشير رجل عرفناه عفيف اليد وطاهر الجناب يعمل بإخلاص وتجرد ))

    فضل الله رابح في حالة كونه تضرر من إستقالة صاحبو وولي نعمته سابقاً, وهو يشكر الراكوبة في الخريف.
    .
    معليش يا أبو الفضل شوف ليك تكية تانية لحين ميسرة.

  3. الراكوبة منبر للجميع انتم تريدونها لفئة محددة ولا ايه – النقاش الموضوعي مكان تقدير وبكون مفيد اما المهاترات لا تجدي ولن تخدم شيئاً

  4. اولا لا تتسرعوا فى مدح الجنرال ولا تلمعوه وتذكروا ان عهد الانقاذ سيكون اخر فرصة للعسكريين فى التحكم فى مصير السودان . هذا الرجل لا يختلف عن الاصلاحيين الذى انضم اليهم وشعبنا لايرحب به ولا بهم ….
    ثاميا هؤلاء الضباط يعتقدون انهم مثل ايزنهاور او ديجول او كولن باول , لا هؤلاء استوعبهم شعوبهم فى السياسة لانهم لعبوا اللعبة السياسية بكل قسوتها ولم يكن للصحافيىن المرتشين اى دور فى تلميعهم . اس البلاء تدهور السودان هم الضباط الطامعين !!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..