
يتحدث غير نفر عن ضرورة إحترام المؤسسة العسكرية، و يتهوبون أي نقد او توصيف سلبي لها.. يتحدثون هكذا كأن المؤسسة العسكرية إله يعبد أو بقرة مقدسة لا يجوز مجرد الإقتراب منها بالنقد او التفنيد. و هؤلاء و أولئك يتناسون
” سهوآ ” او يتغابون ” عمدآ ” عن أن المؤسسة العسكرية مثلها مثل أي من روافد و مؤسسات الدولة لها دور تقوم به منصوص عليه في الدستور متفق عليه عرفآ، و ليس من ديباجة تقول أن المؤسسة العسكرية لها قدسية تفوق أي مؤسسة أخري، و لا ينبغي.. فلم يجبر أحد أي من منسوبيها إلي ولوج أبوابها او الإنتساب إليها، و إنما يتقدم إليها كل راغب طوعآ و إختيارآ، كل له أسبابه و مبرراته.
يتأتي إحترام أي من مؤسسات الدولة من إحساس و يقين الشعب بأن المؤسسة تقوم بما يمليه عليها قانونها و العقد المبرم بينها و بينه..
و ينص دستور أي دولة علي أن أوجب واجبات القوات المسلحة هو الحفاظ علي دستور البلاد و وحدة أراضيها و حماية الشعب و الذود عنه و الموت في سبيل الإيفاء بواجباتهم التي يجب أن يقدسوها. و علي ذلك يؤدون قسم التخرج، و في المقابل يقوم الشعب بإقتطاع جزء مقدر من عرقه و دمه للصرف عليهم تسليحآ و تأهيلآ حتي يكونوا في كامل جاهزيتهم ليوم كريهة و ليوم الطعان.
فلننظر من أوفي بعهده.
نعلم أن سبعين في المائة من ميزانية الدولة السودانية تصرف علي القوات النظامية و من ضمنها الجيش و لا يحاجج أحد بأن تلك حقيقة مرة و مؤسفة في آن.. أي أن الشعب عاش الفقر و الفاقة ليصرف علي جهاز عسكري متضخم، به فرقاء أكثر مما في الجيش الأمريكي و الصيني مجتمعين !!.
فماذا فعل و أنجز الجيش في المقابل.. و هنا أذكر الحقائق مجردة دون إبداء رأي فيها.
الجيش خرق الدستور و إنقلب علي نظام الحكم بعدد الفرقاء بين صفوفه.. و تلك أكبر جريمة يمكن أن يقوم بها عسكري فيما عدا الخيانة العظمي التي تحمل الإعدام كعقوبة علي مرتكبها..
اما الحفاظ علي وحدة أراضي البلاد، فالواقع يقول أن أراض شاسعة من بلادنا محتلة بقوي أجنبية، من حلايب و شلاتين إلي الفشقة.. و أراض أخري تقع خارج نطاق سيطرة الحكومة و تتبع لحركات مسلحة.. و المؤسف أنه و في ظل حكم عسكري عضوض فقدنا ثلث اراضينا التاريخية بإنفصال الجنوب.. و في ظل حكم عسكري خالص تم إغراق أراض سودانية عزيزة تحمل إرث تاريخي و إنساني ما كان يجب التخلي عنه مهما كانت المبررات.
أما فيما يلي حماية الشعب، فتلك” غصة ” أخري.. و آخرها ما حدث علي عتباتهم المقدسة حينما إحتمي الثوار بما ظنوا أنه عرين الأسود في إعتصام القيادة إبان ثورة ديسمبر، ليفاجأ الثوار بأنهم يقتلون و يسحلون و يغتصبون و ترمي جثثهم في النيل مثبتة بأثقال خرصانية أقسي من قلوب المجرمين الأوباش و من يقف خلفهم.. كل ذلك تمت متابعته من خلف جدر عرين الأسود دون أن نسمع زئيرآ.. هذا الجرح سيظل نازفآ و سيصعب تلافي آثاره لسنوات طويلة جدآ.
أقول
إن الشعب قد أدي ما عليه كاملآ و ” زيادة ” تجاه القوات المسلحة، فقد أنفق علي الجيش من لحمه الحي و مات الناس جوعا و مرضآ بينما كروش بعض ” القادة ” تتمدد بصورة طردية. و لكن للأسف ما تقوم به القوات المسلحة وقيادتها بالذات لا يترك مجالآ للإحترام او التقدير و ذلك شئ غاية في السوء للبلد و للشعب إذ ينبغي أن يكون الجيش و الشعب في لحمة و تناغم من أجل الاستقرار و التقدم. و هذا التنافر لا يؤدي إلا لتشظي البلاد و إنحرافها عن جادة الطريق و صرف طاقتها في مشاحنات لا خير يرتجي منها.
علي العسكر العودة الطوعية إلي ثكناتهم وتجويد أدائهم و العمل علي تحرير أراضينا المحتلة و عندها سوف نرفعهم مكانآ عليآ، مثلهم مثل بقية مؤسسات الدولة التي تقوم بواجبها تجاه الشعب دون وصاية.
طالما العسكر عسكر برهان وليس السودان فلن ذرة من الاحترام والتقدير. يجب عليهم تحرير أنفسهم من عصابات الجنجويد والعودة إلي أحضان الشعب والوطن والوطنية.