مقالات سياسية

لعناية وزارة التربية: من أخبار (ذاكرة البعير)

علي يس

معادلات

لعناية وزارة التربية:
من أخبار (ذاكرة البعير)

•       مدرس اللغة العربيَّة ، في أي مدرسة أساس ، سيكون فخوراً بتلميذه الذي يحفظ القصيدة إثناء الحصّة ، و يسمِّعها كاملة.

•       مدرس التربية الإسلامية سيكون أكثر فخراً بتلميذه الذي يحفظ سورة من طوال السور خلال يومين أو ثلاثة ، و سيحدث زملاءه المدرسين ، و مدير المدرسة ، بنبأ هذا التلميذ النابغة !!..

•       حتى مدرِّس الرياضيات ، ستأخذه الدهشة كلّ مأخذ ، بتلميذه الذي حفظ كتاب الرياضيات “صم” خلال شهر واحد ، و سينشر خبر هذا التلميذ العبقري في وسائل التواصل الاجتماعي ، و في الصحف المحليّة ، و سوف تستضيف قنوات التلفزة هذا التلميذ الاستثنائي !!..

•       و لا عجب .. فأعظم ما يحتفي به تاريخنا في مناقب “السلف” قوة ذواكرهم .. يقولون لك إن الشيخ فلان أو العلامة فلتكان أو قطب زمانه علان قد حفظ القرءان في السابعة من عمره ، أو حفظ ألف ألف بيت من الشعر ، أو حفظ عن ظهر قلب ستمائة ألف حديث نبوي .. بل إن كُتّاب السِّيَر ظلُّوا ، إن لم يجدوا في من يتصدون لكتابة سيرته من العظماء رواية أو روايات تؤكد قوَّة حافظته ، يصطنعونها اصطناعاً أو يضيفونها من عندهم باعتبارها صفة لابد من توفُّرها في أي (عالِم) حقيقي ، لا بُدّ أن يكون – مثلاً – حفظ القرءان في سنٍّ مبكِّرة ، ما بين السادسة إلى العاشرة لا تتجاوزها ، و لا مفرَّ ، إن كان من الشعراء أو الأدباء ، أن يكون قد حفظ ما لا يقل عن (ألف ألف بيت من الشعر) .. و هكذا ، فقوَّة الحافظة عندهم أهم و أرسخ شواهد النبوغ الذي يسعون إلى تأكيده في من يحتفون بسيرته .. و هكذا ظلَّ همُّ الناشئة في كل الأجيال التالية ، أن يثبت أحدهم قوَّة حافظته كخطوة لابدّ منها لينسلك في سلك العلماء إن أمدَّ اللهُ في عُمُرِه.

•       هذا هو السبب الجوهري ، يا عبد الله ، في أن إسهام العرب في الفكر الإنساني ، أو في الإبداع العلمي و التقني ، هو إسهامٌ شديد التواضع ، فجلُّ (العلماء) طوال تاريخنا انشغلوا بـ(الحفظ) و لم يجدوا وقتاً لتأمُّل ما حفظوه .. و القليلون الذين تركوا إسهاماً فكرياً أو علمياً يؤبه لهُ ، كانُوا من (الخارجين) على المنظومة المعرفيّة التقليديّة للأمة ، و الساخرين من الاحتفاء بملكة الحفظ البعيريّة ، لهذا كانوا يوصفون بالزندقة ، أو الإلحاد ، أو الضلال ..

•       القليلون الذين يحق لنا أن نفخر بهم و بإسهامهم العلمي و الفكري الذي لا يزالُ مثمراُ ، بل الذي تأسّست عليه النهضة العلميّة الحديثة في أوربا، كابن رشد و ابن طفيل و ابن خلدون في المغرب ، أو ابن الهيثم و ابن حيّان و الرازي و ابن سينا و ابن النفيس و الفراهيدي و غيرهم في المشرق ، القليلون هؤلاء هم الذين تجد سيرتهم المكتوبة بأيدي من وُصفُوا بـ(العلماء الثقاة) ، مذيَّلة بأوصاف مثل : زنديق .. ملحد .. جهمي .. يؤمن بالإرجاء .. رافضي .. إلخ .. إلخ..

•       ليس من همِّنا في هذه الكلمة أن نقلِّل من شأن قوَّة الذاكرة كأداةٍ لتقييد المعرفة،  و لكن يهمنا جدَّاً تأكيد أنّ التركيز على الذاكرة وحدها و إهمال بقيّة الملكات العقليّة – و هو ما يجري حتى اليوم في مؤسساتنا التعليمية على نطاق المنطقة العربيّة كلها – هو أحد الأسباب الجوهريّة في تواضع الإسهام العلمي و الفكري للعرب على النطاق العالمي ، و لن يتغيَّر هذا الواقع ما لم يتم إخضاع العملية التربويّة – التعليميّة ، و مناهجها على نطاق المنطقة العربيّة كلها  ، إلى مراجعة شاملة ، و الاستهداء بتجارب الأمم التي تقدّمتنا بفراسخ في مجال التعليم ،(و تعنينا هذه المراجعة في سوداننا هذا تحديداً، بعد التخريب الذي ضرب مؤسساتنا التعليمية و التربوية على عهد عصابة المؤتمر الوطني) و لا نحتاج في هذا الشأن إلى أن نذهب بعيداً ، إلى أوربا أو أمريكا ، يكفينا النظر في تجربة باهرة ، قادها رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد ، حين توجَّه إلى إصلاح التعليم كأولويّة قصوى ، أهم آلاف المرات من إنشاء الطرق أو بناء الكباري ، و تمكَّن خلال أقلّ من عقدين من الزمان من رفد بلده بعشرات آلاف العلماء (الحقيقيين) و الذين لم ينشغل أحدٌ منهم يوماً في حفظ (ألف بيت من الشعر) ، هم الذين قادوا نهضة ماليزيا و أفسحوا لها مكاناً ضمن دُول العالم الأوَّل بعد أن كانت في ذيل (العالم الثالث)..

علي يس
[email protected]

تعليق واحد

  1. مقال جميل. الأمتان العربية و الإسلامية أُمّتا حفظ و ليس فهم، و لذلك لا تجد لهما أي مساهمة في الحضارة البشرية، لأن إدمان الحفظ لا ينتج أفكاراً. و مع الأسف ما زال هذا الأمر سائداً حتى اليوم، تجد الشيح يحفظ ألفية أبن مالك و لا يستطيع إستخراج الجذر التربيعي للعدد 16. و من المؤسف أن هذا النوع من البشر المتخلف ما زال يتصدر المشهد حتى اليوم، لا حظ ذلك في خطبة الجمعة، تجدها تكرار أسبوعي لنفس الكلام بطريقة وقع الحافر على الحافر للدرجة التي تجعل المصلين يحفظونها عن ظهر قلب، و لذلك تجد أغلبهم نائمين أثناء تلك الخطبة لأنها لا تضيف لسامعيها أي جديد، و لا ينفك الخطيب يردد بفخر عبيط قال أبن كثير، قال القرطبي، قال إبن حجر العسقلاني، قال إبن تيمية، و كأن العالم قد توقف عندهم. و مع الأسف المفكرين المجددين للفكر الإسلامي أُتِّهموا بالزندقة مثل ما ذكرت. ملاحظة خارج السياق: تكتب إسم والدك هكذا (يس)، و في إعتقادي هذا خطأ شائع، الصحيح أن يكتب هكذا (ياسين) و هو بطريقتك هذه يُنطق YES، و الأسوأ من ذلك أن يكتب (يسن)، كأنها فعل مضارع من سنّ يسنُّ (السيف). إن كتابة المصحف لا تصلح للكتابة العادية، في (يس) هنالك مَدّة على حرف الياء لا توجد لديك، و مثلاً كلمة الصلاة تكتب هكذا : الصلوة مع ألف صغير على الواو و هكذا في كل رسم كلمات القرآن.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..