معالي الوزير؟!

شروق محمد عكاشة
في دار الاوبرا عام 2005م سرني سروراً عظيماً مرافقة الروائي العالمي الطيب صالح وهوصاعد في عليائه أمام حشد من المبدعين العرب وكوكبة من المثقفين المصريين ليرد لجائزة الرواية العربية (كرامتها) التي أهدرها الروائي صنع الله إبراهيم.
الدكتور جابرعصفور ولجنة الرواية يختارون صنع الله ابراهيم للجائزة في إنطلاقتها الأولى لكونه”مصري” بينما العدل والحق يقتضيان إختيار الطيب صالح أو إبراهيم الكوني وآخرين من دونهما روائيون متميزون وأسماء عربية تستحق.
الطيب صالح لمحبته ولمحبة السودانيين لمصر يقبل الدور يناط به يقيل عثرة المهرجان الذي توقف في دورته الاولي يوم قام صنع الله ابراهيم بقذف الجائزة بوجه الوزير تعبيراً عن احتجاجه علي النظام.
الطيب صالح تختاره إدارة المهرجان ليستعيد للجائزة مكانتها لمكانته ولذيوع اسمه في الخافقين.
ثم.. وهو في منصة التكريم يخطب وإلى جواره وزيرالثقافة د.فاروق حسني:-( أنا رجل يحب الجوائز..غير أنني لاأسعي إليها بل هي من يسعى إلي..ولقد تم تكريمي في كل أرجاء الدنيا إلا
في مصر الحبيبة.. ولكن يبدو أن مصر “الرسمية”لا تعرفنا إلا في الأزمات)..لتضج القاعة بالتصفيق وتحية الرجل.
قضينا بعد ذاك في حضرته = شيخ الطيب=أياماً يزورنا بشقة الصحافي المرحوم زين العابدين أحمد محمد بشارع جول جمال بالمهندسين وزينكوف وقتها يعمل بصحيفة الشرق الأوسط مكتب القاهرة.
صديقنا زين(تأبد) بمصر تأبيدة وهو ينغمس بتفاصيله ودقائقه وحقائقه في مجتمعاتها وحواريها وعطفاتها الجميلة.
بصحبته ورفقته المثرية =الزين = أتيحت لي فرصة ثمينة لخلق علاقات متميزة مع السياسيين والفنانين والرياضيين ومنظمات المجتمع المدني والنشطاء الحقوقيين والناشطات في قضايا الجندر وهوانم قاردن سيتي ذاتهن.
في السينما المصرية لمعت شخصيات باهرة الأداء وساطعة الحضور ومن هؤلاء الفنان أحمد زكي ولقد كنت من فرط الإعجاب به أسعى إلى لقاءه وزيارته في فندق سمير أميس وهو في تواضع جم يطرب للسودانيين ويحتفي بلقاءهم وهو يعتبرهم بعض أهله وعزوته ثم هو حين يرحل نقوم نتساوك أنا وزين العابدين نشيعه كأهله في حالة من الحزن لاحدلها ثم حينذاك صحيفة (الأهالي) اليسارية تكتب علي “ذمتها” عن سيرته تؤكد أصوله السودانية و(حلفاويته) وأباه وأمه وجدته التي ربته الحاجة(يلمظ) وهو نسب تكاد مصرالرسمية تغمطه وتخفيه لتتغاضي عن مكانة وأهمية الحلفاويين و(النوبيين) لتعميق الصلات بين الشعبين ودورهم في بناءحضارة وادي النيل وهي تتصعد من البجراوية شمالاً حتي اهرامات الجيزة جنوباً.
الفنان احمدزكي بتجربته الثرة كان فتحاً في السينما المصرية واستطاع بقدراته الضخمة تجسيد أدوار لشخصيات أسهمت في تاريخ مصرالحديث فقدم (ناصر 56) وبرع في شخصية الرئيس أنور السادات وحقبته السياسية ذات التأثير البالغ علي السياسة والتحولات في المنطقة العربية والسادات ذاته ينحدر من أصول سودانية ولقد شهدت علاقات مصر والسودان في عهده تطوراً كبيراً علي كافة الأصعدة في مجالات التكامل الإقتصادي والتوافق السياسي والدبلوماسي.
المدخل لمقالتي تدعيم لمحبتي مصر وأهلها ثم والفنان احمدزكي في إكتمال تجربته الإبداعية يبلغ ذروته في التقمص والدخول في إهاب الشخصية بحسب استان سيلافيسكي للأداء التمثيلي وهو يؤدي دوره شخصية رأفت رستم في فلم (معالي الوزير) تغدو مثالاً للوزير في هيئته وصورته ومثاله وعمله علي الرغم من أنه جاء الوزارة خطأ نتيجة لتشابه الأسماء.
ثم..وزراء(تشابه) الأسماء في حكوماتنا المتعاقبة على (قفى من يشيل) ففي عهد الإنقاذ كان الاستوزار أول الأمر (تقية) حين ذهب الدكتور الترابي إلى السجن (حبيساً) والعميد عمرحسن أحمد إلى القصر (رئيساً) فحينذاك جاءت الوزارة بالدكتور علي شمو وزيراً للإعلام بخبراته المتراكمة في المجال وسابقته في الاستوزار ومثله تخيرت(ثورة) الإنقاذ الوطني لوزارة الخارجية السفير علي أحمد سحلول وكلاهما بعد (انكشاف) هوية (السلطان) يخرجان فماالذي يجبرهما علي الإستمرار لتحسين علاقات السودان مع دول العالم وهما لايملكان سلطة لإيقاف (الحديث السياسي) بالإذاعة السودانية يقدمه الضابط يونس محمود يخبط عشواء بفاحش القول وبالاساءة لقادة ورؤساء الدول الشقيقة والصديقة.
خرج شمو وسحلول ليحل مكانهما وزراء بلا كفاءة وبلا وزن سوى موثق (الولاء) حتى تصرمت الثلاثون سنة علي هذا المنوال ليس في الوزارات فحسب وإنما في المجالات كافة.
الاستوزار بعد الثورة الشعبية قامت تنشغل به أحزاب إعلان قوي(الحرية والتغيير) في محاصاصات تضيق بالأهداف التي لأجلها قامت الثورة فقام مدني عباس بقميصه الذي قد في مجزرة القيادة يقتتل من أجل الوزارة بينما رجلان في مكانة إبراهيم الشيخ وعمر الدقير بحمولاتهم النضالية وقدراتهم الفذة وخبراتهم السياسية يروغان عن السلطة إلا بمايدعم التحول الديمقراطي والتغيير نحو الأفضل فالوزارة في العهد الجديد(تكليف) مستحق بالقدرة علي العمل ونكران الذات وبالتضحيات الجسام وبالشجاعة الأدبية حال العجز عن العمل لتحقيق النجاح.
دولة معالي رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك يمثل ضمانة ضد محاصاصات الأحزاب في حكومته بشأن ترشيح الأسماء للوزارات فلئن قضى واقع مابعد الثورة يقصر الوزارة على أحزاب الحرية والتغيير إلا أن أمانة التكليف تستلزمه إعمال معيار الكفاءة والنزاهة والقدرة علي العطاء والعمل ولذا فإن ابقاؤه علي عدد من الوزارء في حكومته الجديدة يدل دلالة فالدكتور نصرالدين عبدالباري كفاءة ليس بشهاداته العليا من جامعتي “هارفارد” و”كيب تاون” بالولايات المتحدة الأمريكية وإنما باسهاماته الثرة يكتتبهافي مجال الإصلاح القانوني والدستوري ولقداثبت الرجل قدرته عبر وزارة العدل بإصلاحها من العطب ولقد شهدت خراباً وأذي جسيماً في العهد البائد ثم هو يقوم يستنجز مهمة إصلاح منظومة القضاء والعدل ويستصدر قانون التعديلات المتنوعة خطوة وثابة تحقق هدفاً قامت لأجله ثورة ديسمبر ثم أمثال د.عبدالباري ممن يشهد له الشارع بالنشيد (ماك الوليد العاق..لاخنت لا سراق ) ومثله يتقدم واثقاً في مجاله د.ياسر عباس وزيرالري والموارد المائية وكذا شيخنا د.نصرالدين مفرح وزير الأوقاف.
عود على بدء.. لقد كنت أرجو من حكومة (الثورة) أن تستقل الثقافة بوزارة وميزانية ومهرجانات ومعارض فالمثقفون حداة الركب والثورة والتغيير.
ولقد كنت بتقديري الشخصي أتطلع طماحاً أن يكون صديقنا الفنان راشد دياب وزيراً لها فالرجل ذو علاقات كونية من خلال تجربته التشكيلية ولوحاته ومعارضه وأسفاره وباستطاعته في ظل الانفتاح نحو (الآخر) فتح مسارب عبر واشجة الفن فضلاً عن كونه مثقف واسع الإطلاع نزاع إلى تأكيد الهوية (السودانوية) عبرالفنون التشكيلية والعمارة والآداب والفلكلور الشعبي.