مقالات ثقافية

قصة قصيرة .. (دبدوب)

الضاوى نَوَار

أي والله ، ولو أنكم ما طلبتموننى قسماً أحبتى ، لكننى سأرمى قسماً غليظاً ومفخماً أيضاً ! إذ لا تقولوا لى شارع العليّا أو الشانزليزيه أو حتى مانهاتن ، قولوا هذه البقعة فقط ، وهذه البقعة لا غير ، يسار ملتقى النيلين ، حيث تعانق الزرقة البياض ، وحيث بانت الرجال، أو قل بين النيل وشارع الأربعين ، يوم أن كانت الدنيا دنيا ، و يوم أن كان الجندول يعج بكل من رغب ، عمال أو طلبة أو عسكر وحتى العطالى، يرتوون ويغنون ، وحين تغدو الأمور خطوة للأمام وخطوتين للخلف ، لا باس من التزود بسيوسيو أو إثنين للطريق أو حتى بشئ من وارد بحرى، أما لمحبى الهدوء ، فلا رمال أكثر نعومة ورقة من رمال أبى عنجة ، تحضنك فى شغف وموائد الكوارع ليست ببعيد ..

فى هذا المسرح أحبتى أينعت دبدوب ، ودبدوب هذى فتاة مغناج ، حين تسير ترتجف كل بقعة من جسدها كهلام أعد للعرض ولن أطيل .. تركت كل فتيان الموردة و أُغرمت بالبوب ، أما البوب فكيف أصفه ، شارب تحط عليه النسور ، وطول ربما تمناه ابن الشداد العبسي , ما عابه غير ما تراكم من دهون أسفل البطن ، كانت إذا عسعس الليل تنساب يسبقها عطرها الى بانت شرق لتجد أن البوب قد أعد الجلسة وهيأها قبالة غرفة الجالوص الشرقية فتخرج ما كانت تخفيه تحت ثيابها من طعام ، إن كان كيساً من الشعيرية ، او قطعة من كبد الضأن ملفوفة بعناية لتبدع فى طبخها وما أحلى أن تناجى فتاة تعد لك الطعام. دبدوب كانت تؤمن بأن أقرب طريق لقلب الرجل هو البطن.

وإذا أمسى الليل بعد أن يكونا قد أصابا من فعل تلك الأصابع الحرير ، يحين أمر إيصالها ، ولأن الدنيا ليست أمان فالبوب يبحث عن رفقة ، ومن غير الكيك أفضل للرفقة ؟ صحيح أنه دون العشرين ، لكن الرجال بقاماتهم و أطوالهم والكيك ينظر للبوب من علٍ ! فى أمسية من ذات الأمسيات أحبتى وبعد أن إنتصف الليل وانقطعت رجل السابلة ، تحرك ثلاثتهم ، ساروا خلف مدرسة المؤتمر نزولاً بخور أبى عنجة.

البوب شاء يومه أن يتسلح بعصا من عود القمبيل تسميها الشرطة أداة تؤدى للهلاك ، فما من أحد يدرى من أين يأتى الهلاك. كان الجو بديعاً والقلوب أكثر بدعة ، لم ينغصها غير عابر سبيل كان يجلس على حجر وسط الخور ، تراه فتزدريه ، لولا بياض ثيابه لا شئ يلفت النظر إليه ، وشئ آخر لم يغب عن البال ، سكيناً كانت على ذراعه ، الفتى أشبه بأهل أم روابة بسرواله الطويل وطاقية الحرير الحمراء ترتخى على الجبهة حتى لتكاد تغطى العيون ، توجسا خيفة منه! لكنّه واحد وهما إثنان ، ثم ماله ومالهما ! وواصل ثلاثتهم سيرهم حتى حافة الخور وودعا دبدوب و قفلا راجعين ، وما زال الصبي جالساً على حجره ، حتى إذا دنا منه ، صاح باعلى صوته: …(تعالو هنا يا شباب )… تلفتا يمنة ويسرة ، ليس فى الجوار غيرهما ، توجها نحوه ، وواصل الفتى حديثه .. (البلد دى ما فيها رجال يا أخوانا ؟ سايقين بنات الناس وحايمين بيهم أنصاص الليالى ؟) .

د عليه البوب ، وما دخلك أنت يا أخ ؟ يقول الكيك ، كلمح البصر رأيت الفتى يطير من جلسته ويصفع البوب صفعة سمع دويها فى حي الضباط ، وقفزت جاهزاً للإشتباك ، لكن لم أر إلا ظهر البوب وأقدامه ترصع الأرض بإنطلاقة مائة حرة، ويا ويلي، كانت معاه عصاة القمبيل ، والفتى يسعى نحوي وعكازته تهوى على رأسى ، ولولا ستر الله وسرعة حركتى لتوسدت الجابرة تلك الليلة ، فقد عرفت لحظتها أن ما من شئ أحلى من الروح ، لذلك قلت يا فكيك .. و أخشى ما كنت أخشاه أن يكون الفتى أسرع منى ، إلّا أننى آمنت تلك الليلة بأن طول الساق نعمة ، لذلك قبل أن يغلق البوب الباب خلفه كنت قد دلفت الى الداخل ، وقبل أن ألتقت أنفاسى كان البوب قد دس عشرة جنيهات فى جيبى أتت لى بثلاثة قمصان من اسندكو ! لكن بالله لا تقل لأحدٍ أنى أخبرتك.

الضاوى نَوَار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..