أخبار السودان

بعد أيام دامية.. هدوء نسبي في غرب دارفور والآلاف تحت وطأة أزمة إنسانية

الخرطوم – «القدس العربي»: بعد أيام دامية شهدتها ولاية غرب دارفور، سادت حالة من الهدوء النسبي.
وشهدت مدينة الجنينة ليل الثلاثاء اشتباكات عنيفة بين مجموعات شبه عسكرية تابعة للحكومة، دارت وسط المدنيين، في وقت تتواصل تداعيات أحداث العنف القبلي المستمر منذ الخميس الماضي، بعد نزوح الآلاف داخل وخارج الجنينة، في ظل أوضاع انسانية وصحية غاية في الصعوبة.
وحسب المتحدث باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين آدم رجال، نزح عدد كبير من المواطنين داخل مدينة الجنينة، لم يتم حصرهم بعد، مشيراً إلى أن معظم النازحين من أحياء الجمارك والأحياء الشمالية، التي كانت الأقرب لمناطق الاشتباكات، والذين توجهوا إلى مقر قيادة القوات المشتركة التشادية السودانية.
وقال رجال في بيان، أمس، إن الإطلاق الكثيف والعشوائي للأعيرة النارية والذي تواصل حتى فجر الأمس، في مدينة الجنينة سبب حالة من الفزع بين المواطنين في الأحياء القريبة من المواقع العسكرية لقوات الدعم السريع والحركات المسلحة.
وأشار إلى أن الأعداد الأولية للنازحين من محلية كرينك، شرق الجنينة، تجاوز الـ20 ألف نازح، مطالباً المنظمات الإنسانية المحلية والدولية بالتحرك العاجل لتقديم المساعدات الإنسانية للنازحين الذين يعيشون أوضاعا إنسانية وأمنية صعبة.
وشدد على أن الأوضاع في دارفور لا تحتمل المزيد من الصمت، داعياً لتحركات عملية وحاسمة لإنهاء الأزمة ووضع حد للفوضى والسيولة الأمنية التي يمكن أن تقضي على الأخضر واليابس.
وقال رجال: «هذه الجرائم المروعة، تضاف إلى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب المستمرة في دارفور»، متهماً السلطات السودانية بمحاولة إبادة سكان دارفور والاستيلاء على أراضي النازحين واللاجئين.
ووفقا لرواية المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، بدأت أحداث العنف عندما هاجمت مجموعات من قوات الدعم السريع محلية كرينك، بعد مقتل اثنين من مجموعات إثنية تابعة لهم، مساء الخميس في منطقة قريبة من كرينك.
ومنذ الخميس الماضي، اندلع نزاع قبلي في محلية كرينك، الواقعة على بعد 80 كيلومترا شرق العاصمة الجنينة، شاركت فيه مجموعات شبه عسكرية تابعة للحكومة. ويقدر عدد الضحايا في أحداث كرينك بنحو 200 قتيل و100 جريح حسب إحصاءات أولية.
وانتقل بعدها النزاع إلى مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، بعد نقل مصابين موالين للدعم السريع إلى مستشفى الجنينة التعليمي، ومحاصرتهم المستشفى ومنع الدخول إليه، الأمر الذي قاد لاحقاً إلى اشتباكات بين حركة التحالف السوداني وقوات الدعم السريع في محيط المستشفى وداخله، امتدت إلى مناطق أخرى، وأسفرت حسب الإحصاءات الأولية عن سقوط عشرة قتلى منهم قائد قوات التحالف السوداني، الياس فلنقات.
وناشدت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين منظمات المجتمع المدني وشبكات حقوق الإنسان بالتدخل إزاء هذه الكارثة الإنسانية.
وقال الناشط في المجال الصحي والإنساني بولاية غرب دارفور، راشد مختار، لـ»القدس العربي» إن الآلاف من النازحين موجودون الآن في شوارع الجنينة تحت الأشجار وفي مباني المؤسسات المكتظة سلفا بالنازحين في ظل اوضاع انسانية وصحية غاية في الصعوبة.
وأضاف: «يحتاج النازحون للمأوى والطعام والعلاج، في وقت لم تشهد المدينة حتى الآن تحركات من المنظمات المحلية والدولية التي يبدو أنها تتخوف من الأوضاع الأمنية غير المستقرة.»
ولفت مختار للتبعات الإنسانية الكارثية المتوقعة حال لم تتحرك الجهات المختصة لإغاثة النازحين في أسرع وقت ممكن، مشيراً إلى نذر أزمة صحية في المنطقة بعد الإغلاق الكامل للمستشفيات.
وأضاف: «خدمات الكهرباء مقطوعة عن الجنينة منذ الأمس، والمستشفيات مغلقة، والنازحون والمواطنون في المدينة يعيشون حالة من التوجس والخوف في ظل تردي الخدمات الأساسية، بعد الأحداث المتتابعة في الولاية، مشيرا إلى أن الأسواق ما تزال تشهد إغلاقا جزئياً.»
إلى ذلك، أعلنت لجنة الأطباء السودانيين، التوقف التام لمستشفى الجنينة التعليمي والمستشفيات الخاصة هناك. وقالت في بيان، إن المستشفيات خرجت عن تقديم الخدمات العلاجية للمرضى بالمنطقة ومصابي وجرحى الأحداث، نتيجة لحالة الذعر وفقدان الأمن المصاحب للأحداث.
وبينما تشهد ولاية غرب دارفور أوضاعاً أمنية وإنسانية صعبة، تخشى السلطات في ولاية وسط دارفور المجاورة لها من تداعيات تلك الأوضاع.
وأعلن والي ولاية وسط دارفور المكلف، سعد آدم بابكر، عن تفلت أمني، وأعمال نهب، مؤكداً أنهم بصدد نشر سيارات عسكرية لحماية مداخل الولاية.
وفي ظل التحذيرات من تفاقم الأوضاع الإنسانية في غرب دارفور، أعلن الاتحاد الأوروبي استعداده لتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين من أعمال العنف بولاية غرب دارفور.
وطالبت بعثة الاتحاد الأوروبي في السودان السلطات بتسهيل الوصول الحر والآمن للمساعدات إلى الجهات الفاعلة الإنسانية على الأرض في دارفور، دون عوائق.
وأبدت قلقها من التقارير الأخيرة حول تفشي الاشتباكات المميتة بين المجتمعات في غرب دارفور خلال الأيام والأسابيع الماضية، وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا وإتلاف المرافق الصحية، مشددة على أن «الوقت قد حان لوضع حد للعنف وتقديم الجناة إلى العدالة».
وحملت جميع الموقعين على اتفاق السلام المسؤولية المشتركة لحماية المدنيين، مؤكدة على الحاجة الماسة لإنشاء وتدريب قوات أمن مشتركة من القوات المسلحة السودانية، والحركات المسلحة والتعجيل بذلك، إنفاذا لاتفاق السلام الموقع بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2020.
فيما دعت الولايات المتحدة كذلك لنشر قوات حفظ السلام في دارفور، وتنفيذ اتفاق السلام وتعزيز التعايش السلمي بين المجتمعات.
وأدانت سفارة واشنطن في الخرطوم بشدة العنف المرتكب ضد المدنيين وتشريد الآلاف فى غرب دارفور، مطالبة جميع الجناة للكف فوراً.
وأكدت على ضرورة وفاء قوات الأمن بالتزاماتها لضمان سلامة المتضررين من أحداث العنف.
وفي السياق، أبدت سفارة المملكة المتحدة بالخرطوم قلقها من أحداث العنف والدمار بولاية غرب دارفور، مطالبة جميع الأطراف بتحمل مسؤوليتهم تجاه الأوضاع هناك وتقديم الدعم للضحايا ومنع وقوع المزيد من العنف.
وأكدت على الحاجة الماسة لتنفيذ بند الترتيبات الأمنية في اتفاق السلام وعمليات نزع السلاح بالإضافة إلى إنشاء مفوضيات الأراضي والعدالة، مشيرة إلى أن تنفيذ تلك الخطوات يتطلب حلًا سياسيا شاملًا للأزمة السودانية.
ودعت السلطات والأطراف الموقعة على اتفاق السلام الى تكثيف الجهود لتنفيذ الخطة الوطنية لحماية المدنيين وإنشاء القوة المشتركة.
إلى ذلك، أعلن مجلس الأمن والدفاع السوداني في جلسة طارئة مساء الثلاثاء، بالقصر الرئاسي، عن اتخاذ جملة من الإجراءات للسيطرة على الأوضاع الأمنية في غرب دارفور، شملت تعزيز التواجد الأمني في الولاية ودفع قوات للفصل بين الأطراف واحتواء الموقف، مؤكدا على ضرورة استكمال الترتيبات الأمنية وإنفاذ نصوص اتفاق السلام.
وقال المتحدث الرسمي باسم لجنة الطوارئ الصحية، نصر الدين محمد أحمد، في تصريح صحافي، إن اللجنة استمعت خلال اجتماعها أمس إلى تقرير قدمه مركز عمليات الطوارئ الاتحادية في وزارة الصحة، حول الجهود المبذولة لمجابهة الوضع الصحي المترتب على الأحداث المؤسفة في مدينة الجنينة من حيث توفير الأدوية والطواقم الطبية وتأمين مستشفى المدينة.
وبين أن الاجتماع اطمأن على استعدادات مطار الجنينة لاستقبال المعدات الطبية والمعينات الضرورية لمواجهة الوضع الصحي، داعيا إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة ونزع السلاح وردع المتفلتين لمنع تكرار مثل الأحداث مستقبلا، حسب بيان صحافي لإعلام المجلس السيادي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..